أعاد فيروس «كورونا» تذكير البشر بأنهم، جميعاً، متساوون أمام المرض مهما كبرت الفوارق الاجتماعية والماديّة بينهم. رغم ذلك، وحتى في زمن الوباء، يصرّ البعض على «التميّز» وإبراز «الأناقة» حتى في أساليب الوقاية المفترض استخدامها للحماية من الفيروس… رغم أن «تميّزهم» هذا قد يعرّض حياتهم وحياة غيرهم للخطر.
في لبنان، كما حول العالم، انتشرت أخيراً صور لأشخاص يضعون كمامات «مميّزة»، يحمل بعضها أسماء أو شعارات علامات تجارية معروفة، وبعضها الآخر «يُصنّع على الطلب»، فيحمل اسم صاحب الكمامة أو رموزاً يحبها. كما تعمد بعض النساء إلى «مكيجة» الكمّامات عبر استخدام أحمر شفاه لإبراز الشفتين أو وضع بودرة أساس للبشرة فوقها حتى لا تعود ظاهرة. وبدأ بعض متاجر الـ«أونلاين» يعرض كمامات لعلامات تجارية عالميّة بأسعار تراوح بين 10 دولارات و20 دولاراً للكمامة، علماً بأنها لا تؤدي الوظيفة الصحية المطلوبة.
الاختصاصية في الأمراض الجرثومية والمعدية الدكتورة ميرا جبيلي حذّرت من مخاطر «كمّامات الموضة» لأنها «لا تحمي على الإطلاق. والأمر نفسه ينطبق على كمامات القماش المخيطة يدوياً التي تسمح لمن يرتديها بالتنفس، لكنها لا تقيه من التقاط الفيروسات والجراثيم». كما نبّهت من خطورة وضع أحمر الشفاه فوق الكمامة لأنه «يعيق القدرة على التنفس بشكل جيد». جبيلي شددت على أن «لا حاجة لارتداء الكمامات إلا في حالة الأطباء والممرضين وكل من يتعامل مع المصابين أو المشتبه في إصابتهم أو من تظهر عليهم عوارض المرض»، لافتة الى أهمية ارتداء الكمامة بالشكل المطلوب، إذ «لا ينبغي أن تكون فضفاضة، ويجب أن تضبط الأنف والفم والخدين بشكل كامل وتمنع أي تسرب».
يذكر أنه بين أواخر القرن الثامن عشر ومنتصف القرن التاسع عشر، فتك مرض السلّ بنحو 25 في المئة من سكان أوروبا. إلا أن ذلك لم يحل دون أن تتحوّل عوارض المرض، كالنحافة والبشرة الشاحبة والخدود الزهرية، إلى رمز للجمال والأنوثة! وهو ما أدى الى شيوع تزين النساء بالماكياج الشاحب وإلى موضة التنانير الطويلة والـ«كورسيهات» التي تُبرز نحافة الخصر.
وفي عام 1918 أودت الانفلونزا الإسبانية بحياة 50 مليون شخص حول العالم. واعتبر ارتداء الكمامات حينها إحدى طرق الوقاية لتجنب التقاط العدوى، ما ساهم في انتشارها بشكل واسع حول العالم. مذذاك، أصبحت الكمامات رمزاً للموضة في اليابان، ويستخدمها الملايين في الأيام العادية حتى لو لم يعانوا من أي مرض.
بحسب المعالجة النفسية نسرين حداد، «هذه الفئة من الناس تعاني إما من عقدة نقص أو من عقدة تفوّق، ويعدّ المظهر الخارجي لهؤلاء أمراً مهماً جداً بالنسبة إليهم، سواء لناحية نظرتهم إلى أنفسهم أو نظرة الناس إليهم. وبالتالي، يعبّرون من خلال استخدام مثل هذه الكمامات عن رفضهم لحجب جزء من جسدهم من دون أن يكونوا قادرين على إظهاره بالشكل الذي يحبونه». كما أن هؤلاء «يعتبرون أنفسهم متفوقين ويرفضون فكرة أنهم مساوون لغيرهم، لذلك يلجأون إلى كمامات تحمل علامات تجارية معروفة ومرتفعة السعر كون ذلك يمنحهم شعوراً بالأهمية».
رضا صوايا – الأخبار