انطلقت مبررات اقتراح قانون العفو العام، من مبررات اجتماعية انسانية ، تهدف الى تحقيق العدالة لعشرات الآلاف من المحكومين والمطلوبين، الذين دفعتهم الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية لإرتكاب بعض الجرائم ووضعتهم في مراكز قانونية يستحيل في ظلها ممارسة ابسط حقوقهم المدنية في العمل والتعليم والتنقل والتجارة او حتى في الخضوع للمحاكمة وممارسة حق الدفاع والاستفادة من الاسباب المخففة او حتى من تنفيذ الاحكام القضائية التي يمكن ان تصدر بحقهم، بفعل التوسع في سياسة التوقيف الاحتياطي والبطء في سير المحاكمات و اقفال ابواب المعونة القضائية و استنسابية تنفيذ العقوبات الجزائية و عدم ملاءمة مراكز التوقيف والسجون، والمغالاة في فرض الغرامات المالية، واسقاط فلسفة اصلاح المجرمين او علاج المدمنين من السياسة العقابية.
وقد تضاعفت اعداد المطلوبين نتيجة البدع القائمة على المذكرات والوثائق و البلاغات غير القضائية، حتى باتت اعداد المطلوبين و المحكومين غيابيا تتجاوز القدرة الاستيعابية للسجون ومراكز التوقيف، لا بل وقدرة الجهاز القضائي على التحقيق و المحاكمة والبت في ملفاتهم.
الا ان هذه المنطلقات الشريفة قد اصطدمت بمنطلقات سياسية و فئوية، افرغت العدالة ومبادئ الصفح من مضامينها في دولة قيل انها دولة القانون والمؤسسات، فشاء البعض ان يفخخ العفو العام بألغام العمالة وآخر ان يضمنه من تلطخت اياديهم بدماء جنود الجيش في المعركة ضد الارهاب ، بعد ان فرض منذ عقدين من الزمن تعديل المادة ١٠٨ من قانون اصول المحاكمات الجزائية بشكلها المجحف الحالي، وها هو اليوم يعطل العفو وبالوقت نفسه يعطل جلسات المحاكمة لبعض الفئات من المطلوبين في اسواق المزايدة والسياسة، فلا يعفى عنهم ولا يُحاكموا، بل يبقوا رهائن النظام المذهبي والطائفي وعقد النقص.
وكأن هذا البعض شاء ان يحول مشروع العفو العام الى عملية تبادل اسرى بين الطوائف وبين من خالف القانون ليؤمن قوت يومه وبين من شاء ان يبيع وطنه ويستبدله بوطن العمالة.
وكان لابناء آوى من الطامحين فرصتهم ليتخذ من سقطة الفاخوري في المحكمة العسكرية، ليعمم التجربة على الاف المتطوعين في جيش العدو، فيفرض مقايضة عفو مستحق لابناء وطنه مقابل عفو غير مستحق لمن باع وطنه.
قانون العفو العام حق مكرس لمستحقيه و لو حاول البعض تشويهه او تفخيخه او ركوبه كوقود لمعركة سياسية قذرة وقودها العدالة والمقاومة والوطنية.