
المحامي سميح بركات
عندما أُسدل الستار على الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2024، إعتقد البعض أن العراك السياسي قد يتوقف لبعض الوقت، إلا أن المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة لا يعرف الهدوء حيث تترقب الساحة السياسية حاليًا الحدث الأبرز التالي: انتخابات التجديد النصفي لعام 2026.
وعلى الرغم من أن يوم الاقتراع الرئاسي القادم هو 7 نوفمبر 2028، فإن هذه الانتخابات النصفية التي تجري في منتصف الفترة الرئاسية تُعد محطة حاسمة فهي لا تحدد فقط السيطرة على الكونغرس — بما في ذلك جميع مقاعد مجلس النواب وحوالي ثلث مقاعد مجلس الشيوخ — بل تتضمن أيضًا سباقات حكام الولايات وغيرها من المناصب المحلية.
إن نتائج انتخابات التجديد النصفي لعام 2026 ليست مجرد مؤشر عابر، بل هي اختبار مبكر ومهم لشعبية الحزب الحاكم، وتحديد فعالية الرئيس الحالي في تنفيذ أجندته، والأهم من ذلك، أنها تشكل الأرضية التي سيُبنى عليها السباق الرئاسي الكبير لعام 2028، حيث تبرز منها القيادات الجديدة وتتحدد الأجندات الوطنية التي سيتمحور حولها التنافس النهائي.
وفي هذا السياق تتصاعد المؤشرات على تضارب حاد في الأجندات بين الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ما يضع مستقبل الحملة الانتخابية للجمهوريين في مهب الريح، فبينما يركز نتنياهو على “معركة البقاء” السياسية والشخصية لتثبيت أقدامه وتبرير استمرار الحرب، يجد ترامب نفسه في مواجهة حسابات انتخابية داخلية معقدة تقوّض سلطته المطلقة حالياً وتهدد فرص عودته إلى البيت الأبيض مستقبلاً.
إن الصراع الدائر يترجم نفسه على الخارطة الأمريكية في صورة تحدٍ مكلف للجمهوريين، تجسد في فوز المرشح الديمقراطي التقدمي الناقد للسياسات الإسرائيلية زهران ممداني في نيويورك، وهو ما شكل جرس إنذار انتخابي لترامب الذي حاول ربط خسارة الجمهوريين بموقفه القوي الداعم لنتنياهو. لم يعد هذا التحدي مقتصراً على نيويورك؛ بل يظهر أيضاً بوضوح في ولايات ذات كثافة سكانية عربية ومسلمة وتقدمية مثل ميشيغان وكاليفورنيا وإلينوي وواشنطن، كما يظهر لدى جيل الشباب وبالأخص طلاب الجامعات حيث خاض الكثير منهم معركة غزّة على طريقته وقد أصبح الموقف من الحرب عاملاً يهدد القاعدة التصويتية لمؤيدي الحرب ويصبح حاسماً إذا ما تقاطع مع رأي دافعي الضرائب الذين يعارضون ذهابها للخارج وبالأخص لإسرائيل.
كلّ هذا يعني أن استراتيجية نتنياهو لإطالة أمد الصراع، التي تهدف لإنقاذه شخصياً من المساءلة السياسية، تشكل عبئاً سياسياً مباشراً على ترامب، فكلما استمرت الحرب، زادت موجة العداء لترامب، الذي يُنظر إليه كأبرز حليف دولي لنتنياهو، ما يُبعد عنه الناخبين المستقلين والمعتدلين في الولايات المتأرجحة. تشير التحليلات إلى أن الغلبة في هذا الصراع ستكون للبراغماتية، إذ يضع ترامب العودة إلى البيت الأبيض كأولوية قصوى، وقد يتبنى موقفاً أكثر تحفظاً أو حتى ناقداً لنتنياهو إذا شعر بأن دعمه أصبح عائقاً حقيقياً أمام فوزه.
بالمقابل لا يبدو ان نتنياهو ضعيفاً في هذا الصراع ،فالأخير يمتلك ورقة ضغط قوية يدرك ترامب أهميتها وهي القاعدة الإنجيلية المسيحية في أمريكا. يشكل الإنجيليون العمود الفقري لأي حملة إنتخابية، ويرون أن دعم إسرائيل واجب ديني لا مساومة عليه. لذا، يمكن لنتنياهو استخدام هذه القاعدة لتصوير أي تراجع في دعم ترامب له كـ “خيانة للإيمان” أو تخلي عن “الحليف المُختار”، مما يهدد بتراجع نسبة الإقبال والتصويت في أهم قواعد ترامب.
لمواجهة هذا المأزق، أمام ترامب حلول بديلة قد يلجأ إليها بدلاً من الدخول في صدام مباشر مع القاعدة الإنجيلية:
- استراتيجية الالتفاف (الخيار المحفوف بالمخاطر): وهي فصل صورة نتنياهو عن صورة إسرائيل، حيث يمكن لترامب أن يحافظ على دعم الإنجيليين عبر التذكير بإنجازاته السابقة (مثل نقل السفارة) ثم يهاجم نتنياهو بحدة، مصوراً إياه بأنه يضر إسرائيل استراتيجياً من خلال إطالة أمد الحرب لأسباب شخصية.
- تحويل اللوم: توجيه اللوم كاملاً إلى إدارة بايدن لـ “ضعفها” أو “سوء إدارتها” للوضع سابقاً حيث بدأت الحرب في زمن حكم الديمقراطيين . هذا يحافظ على دعم ترامب لإسرائيل مع تحويل غضب الناخبين من نتائج الحرب إلى الطرف الديمقراطي.
- إغراق الأجندة: التركيز على القضايا الداخلية الملحة مثل الهجرة والتضخم، لتقليل أهمية الملف الخارجي وتشتيت انتباه الناخبين عن تأثير الحرب لكن هذا يصطدم بوعي طبقة الشباب التي أصبحت تقارب الأمور من منظورها لا من منظور يتم إسقاطه.
في نهاية المطاف،أعتقد أنّ ترامب سيختار الحلول التي تضمن له تأمين قاعدة الإنجيليين (أولويته القصوى) مع إرضاء الناخبين المستقلين الغاضبين من استمرار الحرب. الالتفاف على نتنياهو عبر انتقاد إدارته للحرب يظل حلاً محتفظاً به في حال فشلت جميع الاستراتيجيات الأخرى وأصبح نتنياهو عبئاً لا يمكن الدفاع عنه.
الخلاصة: يحارب نتنياهو للبقاء في السلطة، بينما يحارب ترامب لكي لا يدفع ثمن هذه المعركة في صناديق الاقتراع الأمريكية. هذا التباين في المصالح يخلق فجوة متزايدة، وأي تصعيد أو استمرار للحرب سيزيد من عزلة ترامب في مناطق حساسة انتخابياً وعلى ترامب أو أي مرشح لأي منصب مهما صغر او كبر في أميركا ان يقرأ الأمور بمقاربة مختلفة عن السابق وهنا لا أقول أنّ الأثر الذي أحدثته حرب غزّة قد قلب كامل الموازين لكن الأكيد أنّه لم يعد يمكن إدارة الظهر لما يجري وأن تأييد إسرائيل المطلق في أميركا لم يعد كما كان.
