علي نور الدين
قطاع الاتصالات، الذي لطالما مثّل منجم ذهب بالنسبة إلى الخزينة العامّة، بات على وشك الانتقال إلى خانة القطاعات المتعثّرة التي لا يمكن أن تستمرّ إلّا بدعم الحكومة، بل بات على وشك التحوّل خلال فترة ثلاثة أو أربعة أشهر حدّاً أقصى إلى قطاع مفلس، مع كلّ ما تعنيه هذه الكلمة من تردّي في نوعيّة الخدمات الممنوحة للمشتركين، وصولاً إلى تقنين بعض الخدمات، كالإنترنت مثلاً.
تنحصر المخارج المتاحة اليوم في احتمالين:
1- إمّا رفع التعرفة تدريجيّاً خلال الأشهر المقبلة.
2- أو الانتقال إلى تكبيد الخزينة، واحتياطات العملة الصعبة في المصرف المركزي، كلفة دعم القطاع.
يُشار إلى إمكانيّة اعتماد سياسة تُزاوج بين الخيارين تُحمِّل جزءاً من كلفة التصحيح المالي للمشتركين، مقابل دعم الجزء الآخر من الخزينة العامّة.
نزف المازوت
وفقاً لأرقام شركتيْ الخلويّ، ومنذ رفع الدعم عن استيراد المحروقات، ارتفعت النسبة التي يستنزفها شراء المازوت من إيرادات الشركتين إلى نحو 65%، فيما تستنزف الرواتب ما يقارب 7%. أمّا ما تبقّى من سيولة فيتمّ دفعه إلى شركة أوجيرو لاستئجار خدمات الإنترنت. وبهذه الطريقة، بات قطاع الخلويّ يفتقر إلى السيولة التي يحتاج إليها لدفع كلفة الصيانة الدوريّة للمنشآت والمعدّات، أو تبديل بطّاريّات شبكات البثّ، وغيرها من التكاليف التشغيليّة التي تُدفَع بالدولار الطازج. ومع كلّ ارتفاع إضافي في سعر صرف الدولار مقابل الليرة، ترتفع كلفة شراء المازوت المسعّر حاليّاً بالدولار النقدي، بالإضافة إلى كلفة الصيانة والمعدّات، وهو ما يعني أنّ القطاع مقبل على إفلاس حتميّ نتيجة تدهور سعر الصرف.
تكمن إشكاليّة شركة أوجيرو وشركتيْ الاتصالات الخلويّة في أنّ تسعير خدماتها وإصدار الفواتير ما يزالان يتمّان بحسب سعر الدولار الرسمي القديم، أي 1507 ليرات. وهذا ما يؤدّي إلى محدوديّة الإيرادات وعدم قدرتها على مواكبة الارتفاع في التكاليف. وفي الوقت نفسه، تعاني الشركات من تقنين مصرف لبنان لحجم الدولارات التي يقدّمها من احتياطاته لتمويل نفقات المؤسسات العامّة، في حين أنّ الشركات لا تملك آليّة قانونيّة لشراء الدولار الطازج من السوق الموازية، والاحتفاظ به للتعامل مع حاجاتها المستقبليّة تحسُّباً لأيّ ارتفاع إضافي في سعر صرف الدولار في المرحلة المقبلة. فيبقى الخيار الوحيد الذي تمتلكه الشركات هو دفع تكاليفها بالليرة اللبنانيّة، وبحسب سعر صرف السوق عند فوترة هذه التكاليف.
المشكلة الإضافيّة، التي تواجه شركات الاتّصالات اليوم، هي الإنفاق من دون إقرار موازنة جديدة تواكب ارتفاع تكاليف شركات الخدمات العامّة. وهو ما يحتّم العمل وفق القاعدة الإثني عشريّة التي تربط سقوف الإنفاق الحاليّة بمعدّلات الإنفاق خلال الأعوام الماضية. ولهذا السبب بالتحديد، لم يعد بإمكان الشركات سدّ فجوات ميزانيّاتها عبر الحصول على الدعم المالي من الحكومة، إلا بعد إصدار قرارات من المجلس النيابي تسمح بفتح إعتمادات جديدة لها، وهو ما يربط هذا الدعم بشكل مستمرّ بالمسار التشريعي في مجلس النوّاب.
اساس ميديا