لا تزال الطبخة الحكومية على نار هادئة، مع اقتراب موعد نضوجها، لا سيما بعد الاجتماع الثالث الذي عقد أمس بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، والذي تم فيه الاتفاق على الخطوط العريضة للحكومة، ان لناحية توزيع الحقائب وعدد الوزارات، على ان يعقد اجتماع رابع غداً، فإذا كانت الطبخة نضجت تصدر المراسيم والا تتأخر إلى الجمعة أو السبت.
في هذا الوقت، تتجه الأنظار اليوم الى الحدود حيث يعقد الاجتماع الأول لترسيم الحدود في الناقورة، ما بين الوفدين اللبناني والاسرائيلي، والذي من المفترض ان يبدأ فعلياً في المحادثات المتعلقة بعملية الترسيم بعدما كان الاجتماع الأول تعارفياً.
الاتفاق على الخطوط العريضة
وبالعودة الى الملف الحكومي، تشي المعلومات الشحيحة المتوافرة حول حركة الحريري، أنه قطع شوطاً قياسياً في تأمين أرضية توافقية مع رئيس الجمهورية ميشال عون حول جملة مسلّمات وتفاهمات شكلاً ومضموناً إزاء البنية الوزارية، وفي مقدمها مبدأ “المداورة” في الحقائب بين الطوائف مع استثناء المالية، بعدما لم تعد عقدة “المعاملة بالمثل” مع الثنائي الشيعي تحكم توجهات “التيار الوطني الحر” لا سيما بالنسبة لحقيبة الطاقة التي ستخرج من حصته مقابل دخول حقيبة الداخلية والبلديات في الجعبة “العونية”.
واشارت مصادر متابعة للاتصالات الجارية لتشكيل الحكومة الجديدة لـ”اللواء” أن عملية التشكيل تسير في طريقها المرسوم وباجواء مؤاتية وقد قطعت شوطا لا بأس فيه حتى الان، واعتبرت مطالب بعض الأطراف وشهية السياسيين للاستيزار أو توزير من يمثلهم بالحكومة العتيدة بأنه امر طبيعي وغير مستغرب وهو ما اعتاد عليه اللبنانيون في السابق، وقد يكون اكثر صعوبة وتعقيدا في الحكومة الجديدة خلافا لما كان يحصل في تشكيل الحكومات السابقة كونها حكومة اختصاصيين مشهود لهم بالكفاءة والنجاح بممارسة مهامهم في المراكز والوظائف التي يشغلونها في لبنان والخارج.
وأفادت مصادر مواكبة “نداء الوطن” أنّ لقاء الأمس “حسم مسألة التشكيلة العشرينية وأسقط الطوائف على الحقائب من دون دخول في الأسماء والحصص، باعتبار أنّ ذلك متروك للمرحلة النهائية بعد التوافق على صيغة وتركيبة التوزيع الطائفي للحقائب”، معربةً عن اعتقادها بأنّ “الساعات القليلة المقبلة ستحمل مؤشرات فاصلة لجهة بلورة صورة التوافقات المتقاطعة رئاسياً وسياسياً، على أن يكون اللقاء المقبل بين عون والحريري حاسماً في عملية استيلاد الحكومة، لأنّ أي تأخير في الحسم سيعني تعمقاً أكثر في شياطين التفاصيل وعودة الأمور إلى نقطة الصفر، وهذا ما لا يريده أي طرف من الأطراف”.
اما المعطيات المتوافرة عن مسار التأليف في ظل اللقاء الأخير في قصر بعبدا والمشاورات الجارية في كواليس عملية تأليف الحكومة العتيدة فتشير الى توغل الاتصالات في تفاصيل توزيع الحقائب الوزارية على الطوائف والفئات السياسية من دون طرح أي أسماء مقترحة بعد. ووفق هذه المعلومات يبدو ان ثمة موافقة جماعية توافرت للرئيس المكلف حول موضوع اعتماد المداورة في الحقائب مع الموافقة على الاستثناء الوحيد المتعلق بمنح حقيبة المال للشيعة “لمرة وحيدة” هذه المرة .
المعلومات القليلة تقاطعت ومن اكثر من مصدر لـ”النهار” على تفاؤل بالتقدم نحو الاتفاق على التشكيلة الحكومية توزيعاً وحقائب وحصصاً. ورغم التكتم، علم ان الرئيس الحريري قدم لرئيس الجمهورية مسودة حكومية تقوم على المداورة الشاملة في الحقائب السيادية باستثناء حقيبة المال التي بقيت مع الطائفة الشيعية وتحديداً مع حركة امل، وتعطى الخارجية للسنة، والداخلية للموارنة، وتبقى حقيبة الدفاع كما نيابة رئاسة الحكومة للارثوذكس.
كما اتفق على المداورة الشاملة في الحقائب الخدماتية الاساسية وابرزها الطاقة التي قد تعطى لأرمني بالتفاهم مع رئيس الجمهورية.
ويفترض ان يوافق “حزب الله” على التخلي عن وزارة الصحة، وعلم انه ورغم اصراره عليها، قد يقبل بدلاً منها اما بالتربية واما بالاتصالات. وقد تسحب الاشغال من المردة رغم اصراره عليها.
وعلم ايضاً ان اعادة توزيع هذه الحقائب ومن ضمنها وزارة التربية، ينتظر جولة اتصالات تردد ان الرئيس سعد الحريري سيقوم بها مع القوى السياسية .
ومع حكومة العشرين قد يعطى الدروز مقعدان، احدهما لرئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والاخر يمكن ان يعطى الى شخصية قريبة من كل من جنبلاط وطلال ارسلان الذي قصد رئيس الجمهورية للمطالبة بوزير درزي ثانٍ. كما كان هذا ايضاً مطلب رئيس حزب التوحيد وئام وهاب الذي غرد بعد زيارته بعبدا مبشراً بالأجواء الإيجابية وبأن الحكومة مسهلة. وتحدثت معلومات عن احتمال اسناد وزارة الخارجية الى السفير في برلين مصطفى اديب الذي اعتذر عن تأليف الحكومة قبل أسابيع.
وفيما اشيعت اجواء تفاؤلية عن ان الحكومة قد تبصر النور خلال عطلة نهاية الاسبوع الحالي او الاسبوع المقبل، اشارت مصادر مطلعة الى ان كل ترتيبات الحكومة قد تنجز سريعا على ان تأتي ولادتها بعد الانتخابات الاميركية.
واشارت هذه المصادر الى ان مسالة الاتفاق المسبق على برنامج الحكومة يتقدم على الاتفاق على حقائبها وتركيبتها، اذ ان على الحكومة الجديدة بكل مكوناتها الالتزام بتنفيذ ورقة صندوق النقد الدولي وشروطها القاسية وغير الشعبية، لجهة رفع الدعم عن السلع الاساسية، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة، وتحرير سعر صرف العملة، وتقليص حجم القطاع العام، وضبط الحدود ووقف التهرب الجمركي، وزيادة سعر صفيحة البنزين.
وبرزت تأكيدات متجددة لـ”تكتل لبنان القوي” برئاسة النائب جبران باسيل بالتزامه “الى اقصى الدرجات تسهيل ولادة الحكومة والتمسك بوحدة المعايير وعدالتها في اتجاه كل الكتل والمكونات”. واكد انه “ينتظر بإيجابية نتائج المشاورات الجارية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ليحدد كيفية التعاطي مع مسألة التشكيل مراهنا على نجاح المشاورات في احترام الميثاقية والدستور وتولي وزراء قادرين على تنفيذ البرنامج الإصلاحي بسرعة”.
الاسماء على الطاولة
ولاحظت مصادر معنية ان “سرية التأليف” فتحت بازار الاستيزار، فتهافت رؤساء الكتل الكبيرة والصغيرة، فضلاً عن المرجعيات الروحية، لا سيما المسيحية منها للمطالبة بوزارات أو وزراء تحفظ حقوق الطائفة أو المذهب.
وافيد انه ما من معلومات عن آلية تسمية الوزراء الاختصاصيين وكيفية توزيع الحقائب السيادية الاخرى الخارجية والدفاع.وبعض حقائب الخدمات كالاتصالات والاشغال والطاقة والصحة والتربية.
إلا أن مصادر مطّلعة على خط المداولات أكدت لـ”الأخبار” أن “توزيع بعض الحقائب صار محسوماً، على سبيل المثال ستكون وزارة الداخلية من حصة رئيس الجمهورية، بينما وزارة الخارجية من حصّة الطائفة السنية، وينحصر النقاش بشأنها حول عدد من الأسماء لتولّيها؛ من بينها: رئيسة بعثة لبنان إلى نيويورك، السفيرة أمل مدللي، والأمين العام لوزارة الخارجية، هاني الشميطلي، وسفير لبنان في ألمانيا، مصطفى أديب، لكن الأخير رفض ذلك”. كما بات محسوماً أن “تذهب وزارة الصحة الى النائب السابق وليد جنبلاط، وقد تكون وزارة الشؤون الاجتماعية معه أيضاً (أو تسوية بينه وبين أرسلان ووهّاب) وهما الوزارتان اللتان سبق للحريري أن وعد بهما رئيس الحزب الاشتراكي قبل الاستشارات”.
الى ذلك، أشارت معلومات “اللواء” الى ان وزارة الاشغال قد تؤول الى عضو اللقاء الديمقراطي النائب بلال عبد الله، والطاقة ستبقى مع التيار الوطني الحر، فيما الداخلية ستسند إلى شخصية مسيحية، يسميها النائب السابق سليمان فرنجية، وستكون وزارة التربية والتعليم العالي من حصة الدروز، ولم يحسم أسم المرشح لها.
وفي الغضون، لفت أمس دخول قصر بعبدا على خط الحصة الدرزية الوزارية، من خلال لقاءين منفصلين عقدهما مع النائب طلال أرسلان ووئام وهاب خلصا إلى تسريب أجواء إيجابية عنهما. وإذ تواترت أنباء خلال الساعات الأخيرة عن تباين في وجهات النظر حول الحصة الدرزية في الحكومة، تؤكد مصادر قيادية اشتراكية لـ”نداء الوطن” أنّ الحزب التقدمي الاشتراكي لن يخوض في أي “مشكل درزي – درزي” ولن يهدي أحداً فرصة العزف على هذا الوتر، فالقضية “محلولة” وكل ما يهم رئيس الحزب وليد جنبلاط هو تمثيل وازن لطائفة الموحدين بغض النظر عمن سيتولى هذه الحقيبة أو تلك.
وعما أشيع عن وجود تجاذب بين “الاشتراكي” و”حزب الله” حول حقيبة الصحة، آثرت المصادر عدم الدخول في “بورصة” الحقائب مكتفيةً بالتشديد على أنّ الحزب الاشتراكي “مش مستقتل” لا على الصحة وعلى سواها وهو يمارس أقسى درجات المرونة منذ تكليف السفير مصطفى أديب إلى تكليف الرئيس الحريري، ولا مشكلة في مقاربة الأمور “فالخيارات كلها مفتوحة، باعتبار أنّ المسألة لا تتصل بالتمثيل الحزبي إنما تنطلق من مبدأ احترام الحق بالتمثيل الوزاري اللائق للدروز، ولا مانع تحت هذا السقف من الانفتاح على مختلف التصورات المطروحة سواءً بالنسبة للحقيبة أو الحصة أو التسمية”.
وإذ أكدت أنّ “الحزب كحزب” لن يسمي مرشحين للتوزير، لفتت إلى أنّ آلية التسميات ستفرض نفسها في وقت لاحق سواء بتقديم قائمة أو بتلقي أخرى لتبادل الآراء حول الترشيحات المحتملة بحسب نوعية الحقيبة والمجال التخصصي الذي يقتضي توافره في من سيتولاها، مشيرةً إلى “ثلاثة اعتبارات تحكم الموقف الاشتراكي إزاء الملف الحكومي، أولاً وجوب الإسراع في التشكيل، ثانياً ألا تكون نسخة عن سابقاتها لا على نسق حكومة حسان دياب ولا على شاكلة حكومات التعطيل السابقة، وثالثاً أن يتم تشكيلها على أساس أن تكون بنود الورقة الفرنسية الإصلاحية هي برنامج عملها”.
ترسيم الحدود يبدأ اليوم
في الموازاة، وقبل أيام على الانتخابات الأميركيّة، تتّجه الأنظار اليوم إلى الجولة الثانية من المفاوضات غير المباشرة مع العدوّ الإسرائيلي في الناقورة على الترسيم البحري. أهمية هذه الجولة تكمن في كونها البداية الجدّية للتفاوض، إذ سيؤكّد الفريق اللبناني قرار الدولة بالتفاوض انطلاقاً من نقطة رأس الناقورة براً والممتدة بحراً تبعاً لتقنيّة خط الوسط، من دون احتساب أيّ تأثير للجزر الساحلية التابعة لفلسطين المحتلة. ما يعني عملياً، أن المساحة التي سيطالب بها لبنان تفوق الـ 863 كيلومتراً مربعاً التي تحوّلت، بفضل أخطاء حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى (2005 – 2008) إلى «منطقة متنازع عليها»، وسط تكهّنات بأن يرفض الوفد الإسرائيلي الأمر، ويعمَد الى توتير الجلسة أو عرقلة المفاوضات. وبانتظار ما سيرشَح عن هذه الجلسة، تبقى العين داخلياً على مشاورات الحكومة العتيدة التي يُحبَك ملف تأليفها بتكّتم شديد، مع إطلاق أجواء إيجابية بشأنها، من غير المعلوم ما إذا كانت ترتكِز على وقائع أو مجرّد آمال.