يعيش تيار «المستقبل»، مسؤولون وقاعدة، حالة من الضياع والارتباك، في ظلّ أخبار «نعي التيار» على صفحات الجرائد والمواقع الالكترونية، من دون أي قرار رسمي واضح بعد، في انتظار مجيء رئيس التيار سعد الحريري الى بيروت لإعلان قراره وحسم خياراته، سواء لجهة خوض الانتخابات او لجهة مصير «التيار». في غضون ذلك، تتضارب المعلومات، فهل ينتقل الحريري من تصفية أعماله الى تصفية تياره ومصيره الشخصي سياسياً؟ أم أنّه يُسوّي أموره في الخارج خلال وجوده في دولة الإمارات العربية المتحدة، لتجميع مداميك الاستمرار سياسياً في لبنان؟ لسان حال قياديين في «التيار»: «لا نعلم شيئاً وننتظر قراره».
كلّ الأحاديث والأخبار عن توجّه الحريري الى تصفية تيار «المستقبل» وإنهاء الحريرية السياسية، لا شيء منها رسمياً أو فعلياً بعد، بحسب مصادر نيابية في «المستقبل»، فالحريري ما زال يدرس كلّ خياراته والقرارات التي يمكن أن يتخذها، من ترشحه للانتخابات أو عدمه، كذلك من استمراره في الحياة السياسية أو الخروج منها نهائياً، علماً أنّ ماكينة تيار «المستقبل» الانتخابية انطلقت وبدأت التحضيرات الإدارية واللوجستية للانتخابات النيابية، كذلك تجري جوجلة أسماء مرشحين مفترضين الى جانب المرشحين الثابتين للتيار. أمّا ما يُتداول عن صرف حرس «بيت الوسط» وانتقال مستشارين وقريبين من الحريري الى الخارج، فكلّها تحليلات، بحسب مصادر من التيار زارت «بيت الوسط» أخيراً، وتقول: «كلّ شيء اعتيادي». من جهتها تقول مصادر قيادية في «التيار»: «قد يكون هناك صرف لبعض الحرس تقشفاً، وهناك أشخاص لم يعد لهم دور، وآخرون على رغم أنّهم في سفر دائم، إلّا أنّهم على اتصال متواصل بالحريري»
أمّا قرار الحريري الاستمرار سياسياً أو الانسحاب نهائياً، فمرتبط بوضعه الشخصي، بحسب المصادر النيابية. فشركة «سعودي أوجيه» في السعودية جرت تصفيتها، وبالتالي لدى الحريري أعمال وأمور شخصية عليه أن يسوّيها، وأي شخص يتعاطى السياسة في لبنان، إذا لم يؤمّن قدرات خاصة فيه ،مادية، لا يمكنه العمل، فحتى النائب إذا كان لا يملك قدرات مادية لا يمكنه الاستمرار، فـ»المعاش» الذي يتقاضاه لا يكفي رواتب للمرافقين.
ووسط سيل الأخبار عن مصير رئيس الحكومة السابق وتياره السياسي، تقرّ المصادر القيادية في «المستقبل»، أنّ صمت الحريري حتى الآن مريب، وعليه أن يحسم الأمور لكي يأخذ الناس خياراتهم. وترى أنّ تأخُّر الحريري في العودة الى بيروت وإعلان قراره، مردّه الى أنّ الأمور لم تنضج بعد، وأنّ رئيس «التيار الأزرق» ما زال يبحث عن مخارج وخيارات، فيما كثير من الأمور غير محسومة، فضلاً عن أنّ هناك تطورات تحدث يومياً، إقليمياً ودولياً لها تأثيرها في أي قرار يتخذه.
أمّا الأسباب التي قد تدفع الحريري الى إنهاء وجوده السياسي، بحسب المصادر نفسها، فمتشعبة كالآتي:
– قرار السعودية بالتخلّي عن الحريري منذ اختطافه عام 2017، وهو قرار واضح المعالم.
– فشل التسوية الرئاسية وانزلاق لبنان الى الهاوية.
– فشل محاولة الحريري الأخيرة في إنتاج حكومة مستقلّة.
مشكلة الخطاب السياسي، وتحت أي شعار يخوض الانتخابات، إذ هناك أزمة خيار وخطاب سياسي نعيشه، بحسب «المستقبل» لـ»أننا خضنا تجربة فاشلة سابقاً إن في الحكم أو في التسوية السياسية».
كلّ القوى الموجودة على الأرض، ومنها «المستقبل»، لديها تشعبات محلية وإقليمية ودولية، ما يجعل «التيار» حذراً.
– كلّ الأحزاب اللبنانية الكبرى، ومنها «المستقبل»، هي عملياً أحزاب الشخص والقائد، ما عدا «حزب الله» لأنّه تنظيم عسكري، وبالتالي مصير «المستقبل» متعلّق بمصير الحريري مبدئياً، إلّا إذا اختار المكتب السياسي والجمعية العمومية فرز قيادة جديدة للتيار، وهذا أمر غير مطروح حالياً.
– التعثر المالي للحريري، إذ إنّ العنصر المادي يكون تفصيلياً إذا كان هناك خطاب ورؤية سياسية تحتاج الى المال كتفصيل، لكن عندما تُفقد الرؤية السياسية والنضالية حينها يتضاعف شأن المال.
– معطيات تشير الى تغيير إقليمي كبير، وأنّ سنة 2022 ستشهد متغيّرات كُبرى بين العراق وسوريا ولبنان، وقد يكون الحريري ينتظر تبدّلات ما أيضاً، فالخطاب الذي سيطرحه يبنيه على هذا الأساس، إذ إنّ الخطاب مرتبط بالإقليم لأنّ المشكلة في لبنان إقليمية وليست محلية، والذي يمنع أي علاج هو «حزب الله» وإيران.
أمّا على صعيد الخلافات داخل «التيار»، فلم يُحسم الخلاف بين «الأحمدين» بعد. وعن «سيطرة» الأمين العام للتيار أحمد الحريري وتحضيره للإكمال في «التيار» بعد إبن خاله الشهيد، تقول مصادر «التيار» إنّ «أحمد لا يعتبر نفسه بديلاً لسعد، وهو لا يدير الانتخابات حالياً». وفي حين تُطرح أسماء عدة للترشح الى الانتخابات وتسلّم مهمات في «التيار»، لم يتبلّغ أي منها بعد أي قرار رسمي قاطع، وكلّ شيء متوقّف على عودة الحريري وقراره العام الكبير، والصيغة والآلية اللتين سيعلنهما، إمّا للاستمرار أو التصفية التامة، وهذا ما سيكشفه قابل الأيّام.
وبحسب أكثر من مصدر في «التيار»، إنّ كلّ هذه المسائل وقرار الحريري النهائي ستتظهّر في غضون أيام، ومن المرجح خلال الأيام العشرة المقبلة، بحيث يعود الحريري الى بيروت بعد أن يحسم خياراته ويُعلن موقفه الواضح وقراره النهائي، ليُبنى على الشيء مقتضاه. وفي كلا الحالتين، أمام الحريري والتيار الذي أسّسه الرئيس الشهيد رفيق الحريري مرحلة جديدة، وإنّ صفحة ما قبل عام 2022 طُويت في تاريخ التيار ورئيسه.
الجمهورية