بعد العاصفة التي اطلقها الرئيس حسان دياب في وجه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقع فرز بين القوى السياسية والحزبية من داخل الحكومة وخارجها حيال الرجل الذي يحتل الموقع الاول في هندسة السياسات المالية والنقدية في البلد نظراً الى المسؤوليات والصلاحيات التي يتمتع بها. ثمة من وضع الرئيس نبيه بري في خانة المدافعين والمتمسكين بسلامة وميله الى عدم إقالته مع الاشارة الى ان هذا الموضوع لم يطرح في شكل جدي بعد على طاولة مجلس الوزراء على الرغم من وضوح الشرخ الحاصل في الرؤية المالية بين الحاكم والرئيسين ميشال عون ودياب. ولذلك يواجه الاخير حملات مصوبة ضده من رؤساء الحكومات السابقين وأركان في الطائفة السنية الى جهات اخرى فضلاً عن المصرفيين الذين باتوا ينظرون بعيون غير مطمئنة لسياسات السرايا وخطتها الاقتصادية الاصلاحية التي من المقرر ان تبصر طبعتها النهائية النور في الايام القريبة.
ويتم التوقف حيال حقيقة موقف بري من سلامة وما اذا كان يفضل استمراره في هذا المنصب الحساس الذي يمسك به منذ اوائل التسعينات الى اليوم مع الاشارة الى أن رئيس المجلس لم يوح انه يرضى على اداء البنك المركزي وحاكمه “على بياض” ، وخصوصاً بعد اقدام اكثر من اسم مصرفي وسياسي ورجل أعمال على تحويل جزء كبير من حساباتهم المالية الى الخارج بعد 17 تشرين الاول الفائت وان كان يحق لهم قانوناً هذا الاجراء لكن ادارة المصارف سقطت اخلاقياً عندما منعت المودعين من الحصول ولو على جزء يسير من مستحقاتهم لا بل انه يجري اذلالاهم على ابواب المصارف. وسبق لبري ان وجه كلاما قاسياً لجميعية المصارف في لقاءات في قصر بعبدا على مسمع الرئيس سعد الحريري ومن بعده خلفه دياب.
ويختصر بري مشهد ما حصل في الجلسة الاخيرة للحكومة مع سلامة بترداد المثل المأثور: “ما هكذا تورد الإبل”. ويضرب هذا المثل لمن قصر في الأمر او لمن تكلف امراً لا يحسنه.
وفي اتصال مع بري، يوضح لـ”النهار” ان ما قاله وزير المال غازي وزني في تلك الجلسة “هو المعبر عنا تماماً “، في وقت ينتظر فيه الجميع الخطة المالية والاقتصادية التي تعدها الحكومة. ولم يحصل في الجلسة تصويت على إقالة سلامة وكل ما حصل كان أشبه بعملية “جس نبض” حيال هذه المسألة. ولذلك عارض الوزيران وزني وعباس مرتضى هذا الطرح لا اكثر ولا أقل. ويرجع بري هذا الموقف اولًا الى عدم وجود مجلس مركزي في المصرف ولا لجنة الرقابة على المصارف. واذا تمت الإقالة بحسب ما قال مرتضى فإن اللبنانيين سيستيقظون على سعر الدولار بـ 15 الف ليرة.
وردا على تصاعد الحملات ضده على مواقع التواصل الاجتماعي، يقول رئيس المجلس: “ليعلم الجميع: انا نبيه بري لا أدافع عن سلامة ولا عن أي شخص أدافع عن لبنان. واذا لم يبق مصرف لبنان يا أخوان ليعلم الجميع ان اموال المودعين قد طارت الى الأبد”. ويضيف “لا داعي للتذكير انني كنت أول من رفع الصوت اعتراضا على الكابيتال كونترول والهيركات وضد هندسات مالية أخرى. وكنت اول من طلب من الحكومة عدم اللعب بالدولار واتخاذ جملة من الاجراءات والخطوات المناسبة والسريعة حفاظاً على أموال المودعين”.
في غضون ذلك ينقل عن بري انه لا يعارض هنا حصول تدقيق في حسابات البنك المركزي وتبيان حقيقة الوضعين المالي والنقدي واعطاء كل المساحة للتدقيق المطلوب وكشف كل الفجوات ولا سيما ان البلاد تتجه من سيء الى اسوأ اذا استمر السير على هذا المنوال من تبادل الاتهامامات وقذف المسؤوليات. ويريد هنا الانطلاق من قواعد واقعية اي بمعنى انه ليس من السهولة العمل على إقالة سلامة. ولاسيما ان جملة من الامور لم يحسم لبنان كيفية الرد عليها بعد مع طرح اسئلة من نوع كيف سيفاوض لبنان حاملي سندات “الاوربوند”. وان ما يحصل في نظره أصبح غير مقبول وغير محمول. لا يعترض بري على مضمون كلام دياب والانتقادات التي وجهها لسلامة الذي كان يجب عليه ان يكون على انفتاح اكبر مع رئيس الحكومة، لكنه يرفض هنا كيل الاتهامات والادانات المسبقة.لا يقدم هنا اسباباً تخفيفية للحاكم او لجمعية المصارف التي انتقدها أكثر من مرة. وقبل الدخول في قانونية إقالة دياب بموجب الحماية الموفرة له في قانون النقد والتسليف يتبين ان هذه العملية لن تتم من دون “التوافق السياسي” بين مكونات الحكومة مع انتظار ما ستحصل عليه لجنة التحقيق الضريبي التي سيشرف وزني عليها.
من جهة اخرى كثر الحديث في الايام الاخيرة عن سوء العلاقة بي بري و”حزب الله” حيال مقاربة التعاطي مع سلامة على خلفية ما حصل في الجلسة الوزارية الاخيرة حيث تفيد المعلومات ان ما يحصل هنا هو تلاعب بالمياه العكرة ولن يعول الطرفان عليها ولن تؤدي الى أي نفع عند المتحمسين لحصول مثل هذا الشرخ حتى لوكانت العلاقة بين الحزب وسلامة تقوم على شيء من التوتر وانعدام مناخات الثقة بين الجانبين مع الاشارة الى ان قياديا “اكاديمياً وخبيراً في المالية لم تنقطع اتصالاته مع سلامة الى الأشهر الأخيرة. في غضون ذلك يستوقف بري الجشع الذي يمارس في الأسواق والذي تصاعدت معدلاته في شهر رمضان أكثر حيث يتم هذا الامر بعمليات مشبوهة وغير مسبوقة على ايدي تجار جشعين نتيجة التهام سعر الدولار لليرة اضافة الى ممارسات محال الصيرفة وتلاعبها بسعر الدولار. وان بلدانا مجاورة مثل مصر وتركيا وايران أحسنت في التعاطي مع هؤلاء المتلاعبين ومحاسبتهم حيث كانت السجون في انتظارهم على عكس ما هو حاصل في لبنان.
رضوان عقيل -النهار