بدت طروحات الرئيس نبيه بري خلال الأيام الماضية عرضة للتأويل السياسي، خصوصاً تلك المتعلقة بالسلوك الحكومي ومصير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ما تسبّب في انزعاج شديد لدى رئيس المجلس، الذي شعر بأنّ بعض الاجتهادات في التفسير ذهبت إلى حدّ التحوير.
من الواضح أنّ هناك بين «الطهاة» السياسيين من يحاول ان يضيف «نكهة» عين التينة الى «طبخته»، لعلّ ذلك يمكن أن يساهم في تحسين مواصفاتها وشروط تسويقها.
وهكذا، جرى تصوير بري مرة بأنّه معارض شرس للحكومة من داخلها ومعطّل لمشاريعها في مجلس النواب، ومرة ثانية بأنّه حليف غير معلن للرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط ضدّ الرئيسين ميشال عون وحسان دياب، ومرة أخرى بأنّه السبب في عدم إقالة حاكم البنك المركزي رياض سلامة، وغيرها من الاجتهادات التي يتولّى اصحابها القراءة في فنجان بري وتحليل تعرّجات خطوط كفّه السياسي.
وتعكس اجواء عين التينة استياء بري من محاولة بعض الاطراف تفسير مواقفه على ذوقها ومزاجها، او توظيف تلك المواقف في الاتجاه الذي يناسب تمنياتها ومصالحها، «في حين انّ ما يهمني حصراً في هذه المرحلة المصيرية هو إنقاذ الدولة بعيداً من التجاذبات العبثية، وليس اي شيء آخر».
وضمن هذا السياق، لا يخفي بري امتعاضه من تفسير البعض سلوك حركة امل في قضية حاكم مصرف لبنان بطريقة خاطئة وخبيثة، تتعمّد تشويه حقيقة الموقف وإخراجه من سياقه الاصلي.
والمسألة بالنسبة إلى بري ليست مسألة حماية رياض سلامة كما أوحى البعض، «وانا آخر من يمكن وضعه في هذه الخانة، وإنما يتعلق الامر بالمنهجية التي يفترض اتباعها في مقاربة هذا الملف الدقيق».
ووفق قناعة بري، فإنّ قضية بحجم تغيير الحاكم لا تُطرح كيفما كان، «وإنما يجب أن تُناقش بمسؤولية، وان تتمّ دراسة كل جوانبها ومفاعيلها، والتحسب جيداً لما بعدها، حتى يأتي اي قرار يُتخذ محصّناً وصائباً، بعيداً من الانفعال والارتجال».
ولتقريب الصورة أكثر، يضيف: «نحن الآن داخل غرفة العمليات، وسط جراحة حساسة جداً، وفي مثل هذا الوضع، عندما يكون الطبيب ممسكاً بشرايين المريض، لا يمكن استبداله فجأة والطلب منه أن يغادر غرفة العمليات فوراً، حتى لو كان فاشلاً، وإنما لا بدّ قبل ذلك من وجود تصور واضح للسيناريو البديل الذي سيتمّ اعتماده».
ََويلفت بري الى انّ التدقيق او التحقيق في حسابات مصرف لبنان وانتظامه المالي هو امر ضروري وملح، «وعلينا أن ننتظر نتائجه حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، إذ ربما يتبيّن ان هناك ضرورة أيضاً للمحاسبة وليس فقط للتغيير».
على الصعيد السياسي، يشعر بري بقرف حيال تصاعد وتيرة السجالات والمناكفات التي تعكس تجاهلاً لواقع الشارع اللبناني الذي يئن تحت وطأة الازمة الاقتصادية والارتفاع الهائل في سعر الدولار.
َويؤكّد بري انّه ليس ضد الحكومة ولا يضع العصي في دواليبها، بل يريد لها أن تنجح في مهمتها الإنقاذية، لأنّ الازمة بلغت حداً لا يتحمّل ترف إجراء التجارب، وبالتالي يجب أن يكون النجاح الزامياً، «لكن ما يحصل هو أنّ حكومة دياب تبدو احياناً عدوة نفسها».
ويلاحظ رئيس المجلس النيابي، انّ دياب محاط ببعض الوزراء- الثقالات، الذين لم يقدّموا اضافة إيجابية حتى الآن، وإنما يجرّون عربة الحكومة الى الخلف، بدل ان يدفعوا بها إلى الأمام.
ويشير الى انطباعات سلبية تكوّنت لديه حول عدد من الوزراء، خلال الجلسة التشريعية في الاونيسكو، ما يستوجب منهم ان يضاعفوا جهودهم ليكتسبوا الأهلية الضرورية في مواجهة الملفات التي يتحمّلون مسؤولية معالجتها.
ومع ذلك، ينفي بري ان يكون معنياً بما حُكي عن احتمال اجراء تعديل وزاري، مؤكّداً انّ اي طرح كهذا لم يصدر عن عين التينة ولم يُعرض عليها، ومشدّداً على أنّ هدفه الوحيد هو السعي الى تصويب أداء الحكومة عندما تدعو الحاجة، كي تكون على قدر الآمال وعلى مستوى التحدّيات التي تواجهها.
وبهذا المعنى، يوحي بري بأنّه يتعامل مع الحكومة على القطعة او بالمفرق، فيدعمها حيث يجب وينتقدها حيث يجب. وانطلاقاً من أداة القياس هذه، يلاحظ انّ كلمة دياب بعد انتهاء جلسة مجلس الوزراء السابقة في قصر بعبدا انطوت على ايجابيات عدة، خصوصاً في المجال الإصلاحي.
ويتوقف رئيس المجلس عند ملابسات عدم إقرار مشروع الـ1200 مليار ليرة خلال الجلسة التشريعية الأخيرة في الاونيسكو، «وما رافق ذلك من مسعى لتشويه موقفي بالأسيد السياسي»، مؤكّداً انّ مقاربته لهذا الملف لم تهدف بتاتاً الى عرقلة عمل الحكومة او الحؤول دون مساعدة الناس في هذه الظروف الصعبة.
ويوضح بري، انّ دياب طلب ادراج المشروع بصفة معجّل مكرّر في ذات يوم انعقاد الجلسة، من دون أن تكون كل حيثياته واضحة، مع انّه يرتب استدانة اضافية لمبلغ كبير، «وعلى الرغم من ذلك تجاوبت مع طلب رئيس الحكومة، لكن ماذا أفعل اذا تمّ تطيير النصاب، علماً انّه جرى إقرار مشاريع أخرى بصفة معجّل مكرّر وتنطوي على إنفاق مالي، ما يؤكّد الحرص على تسهيل عمل الحكومة».
ويلفت بري الى انّ «اكبر دليل على نيتي مساعدة دياب هو انّه وللمرة الاولى في تاريخ رئاستي لمجلس النواب منعت الكلام في الأوراق الواردة، لانني شعرت بأنّ هناك اتجاهاً لشن هجوم قاسٍ على دياب ونتف الحكومة».
عماد مرمل – الجمهورية