يمنى المقداد – الديار
لم يعد اللبنانيّ يحلم بكهرباء 24/24، فحلمه تقلّص لبضع ساعات فقط، يحاول خلالها تأمين كهرباء لما تبقّى من يومه عبر الإشتراكات الخاصة المهدّدة بالتوقّف هي الأخرى.
المشكلة الجديدة بدأت معالمها بالظهور، إثر رفع الدعم عن المازوت، مرورا بتسعيره بالدولار، وصولا إلى تسعير رسميّ للكيلواط ساعة بأقل من الكلفة التي يدفعها أصحاب المولدات الخاصة على حدّ قولهم.
وزارة الطاقة والمياه أعلنت من جهتها ما وصفته بالسعر العادل لتعرفة المولدات الخاصة عن شـهر تشرين الأول وهو 5.200 ليرة عن كل كيلوواط ساعة، وفق سعر 244.755 ألف ليرة لصفيحة المازوت، ما أثار حفيظة بعض أصحاب المولّدات بالأخصّ من دفع نحو 6000 ليرة أو أكثر ثمن الكيلوواط الواحد في الشهر المذكور.
فيما أصدر وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام تعميما يلزم اصحاب المولدات بتركيب عدادات على نفقتهم الخاصة وامهلهم مدة شهر إنتهت بـ٧/١١/٢٠٢١.
عبدو سعادة: «أعطونا حقوقنا لنقدر نعبي مازوت ونستمر»
«الديار» سألت رئيس تجمع أصحاب المولدات الكهربائية عبدو سعادة حول مسبّبات الخلاف الحاليّ، ومعايير وضع تسعيرة الإشتراك الشهرية، فنفى أيّ علاقة لأصحاب المولّدات بتحديد التسعيرة، لافتا إلى أنّ من يسعّر في وزارة الطاقة يظلم أصحاب المولّدات لأنّه يضع سعر للكيلوواط أقل من التكلفة التي يتكبّدونها.
وبينما لا يتجاوب بعض أصحاب المولّدات الخاصة مع قرار وزارة الإقتصاد والتجارة بتركيب عدّادات للمشتركين، أكّد سعادة أنّ أصحاب المولّدات ليسوا ضدّ العدّادات، فقد قاموا بتركيبها للمستخدمين منذ عام 2017، ومن تمنّع صرّح بذلك للوزارة، وسأل:» إذا أردنا تركيب عدّاد لتسعيرة تخسرنا فكيف لنا أن نستمر؟». موضحا أنّ الكيلوواط كلّف هذا الشهر6000 ليرة، فيما سعرّته الوزارة بـ 5200 ليرة متسائلا عمّن يتحمّل هذه الخسارة، ولماذا يجب أن يكون العداد على نفقة صاحب المولد؟ ولفت إلى أنّ الأمر لا يتعلّق بعدّاد وإثنين فهناك ما بين 200 و 400 عداد.
على ضفة المازوت والذي هو أصل المشكلة، قال سعادة إنّ أصحاب المولدات لم يعد لديهم المال لشراء المازوت بغية الإستمرار، مشيرا الى أنهم أنّ التجمّع أخبر المسؤولين بأنّ سعر الكيلوواط سيبلغ بين 6000 و7000 و8000 ليرة عند رفع الدعم، والأسوأ بحسب سعادة أنّ سعر المازوت أصبح بالدولار أي بزيادة 40 أو 50 دولار عن تسعيرة وزارة الطاقة، متسائلا:» نحن كيف بدنا نحمل كل هذه الخسارة وكيف بدنا نستمر بهالمصلحة؟ أعطونا حقوقنا لنقدر نعبي مازوت ونستمر».
تركيب العدّادات: إمّا الرفض
وإما الفريش دولار!
رغم سريان مفعول قرار وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام الذي ألزم أصحاب المولدات الكهربائية الخاصة بتركيب عدادات للمشتركين على نفقتهم، لم يكتف بعضهم بتجاهل قرار الوزير، بل تقاضى ثمن العدّاد بـ»الدولار الفريش» أو ما يعادله وفق دولار السوق السوداء.
وهذا ما حصل مع بتول من قبل صاحب إشتراك في منطقة الإوزاعي، والتي أخبرت «الديار» أنّها بعد أن قررّت تركيب عدّاد بعد ارتفاع تسعيرة المقطوعة الشهرية، تفاجأت بأنّ صاحب المولّد طلب منها 35 دولارا ثمن العدّاد و200 ألف ليرة تأمين، فما كان منها إلا أن قبلت لعدم توفر خيار آخر أمامها، كما أنّها تخشى من الإبلاغ عنه.
أمّا فاطمة التي تسكن في منطقة الشوف، قالت لـ «الديار» إنّ عائلتها تتقاسم الـ 10 أمبير مع عمّها، وحصتهم من الدفع لم تتجاوز سابقا الـ 500 ألف ليرة فيما وصلت اليوم إلى مليون و200 ألف ليرة، ما اضطرهم إلى إلغاء الإشتراك علما أنّ ساعات التغذية لكهرباء الدولة في منطقتهم لا تتجاوز 5 ساعات في اليوم.
«الديار» سألت صاحب مولد ضمن نطاق منطقة الغبيري، عمّا إذا كان سيركّب عدّادات لمشتركيه، فقال إنّه لا يستطيع شراء عدّادات لارتفاع ثمنها، مضيفا أنّ المشترك عندما يلغي إشتراكه سيترك العدّاد، وأنّ المشترك الجديد لن يقبل بتركيب عدّاد مستعمل، ما سيراكم خسائرنا كثيرا، فيما يقترح البعض من أصحاب المولدات أنّ تؤمّن وزارة الطاقة العدّادات للمشتركين.
إتحاد بلديات الضاحية الجنوبية:
لم ينفك إتحاد بلديات الضاحية الجنوبيّة طيلة أزمة انقطاع المازوت من المحطات، واحتكاره في السوق السوداء عن تأمينه ولو بنسبة معينة لأصحاب المولّدات الخاصّة في الضاحية الجنوبية، كما ركز جهوده في الوقت نفسه حول تحديد تسعير المقطوعة الشهرية خوفا من إستغلال المواطن.
نائب رئيس إتحاد بلديات الضاحية الجنوبيّة المهندس علي سليم أشار لـ»الديار» إلى متغيرين يدخلان في تحديد كلفة الكيلوواط والذي يشكل أساس الخلاف بين أصحاب المولّدات الخاصة ووزارة الطاقة والمياه، هما: أولا متوسط سعر صفيحة المازوت خلال شهر والذي تحدّده وزارة الطاقة والمياه عبر ٤ أسعار في الشهر تصدر كلّ صباح أربعاء، ثانيا: متوسط سعر الدولار خلال هذا الشهر، موضحا أنّ هناك اتفاقا بين أصحاب المولّدات ووزارة الطاقة على طريقة احتساب الكلفة والتي تشمل: ١- كمية استهلاك المازوت لكل كيلوات ولكل ساعة تشغيل. ٢-كلفة تغيير زيت وفلاتر المولد. ٣- نسبة استهلاك المولد والشبكة.٤- نسبة الهدر على الشبكة.
وأكّد سليم أنّ جميع ما ورد أعلاه، لا خلاف عليه بين وزارة الطاقة وأصحاب المولدات، وأنّ هناك مبلغا مقطوعا ثابتا يدفعه المشترك بدل مصاريف ثابتة (عمالة+إيجار مكان للمولّد + مصاريف ادارية… إلخ).
الخلاف بين تسعيرة الطاقة
وأصحاب المولدات حول 5%
والخلاف الأساسي الذي يتكرّر كلّ شهر عند وضع التسعيرة شرح سليم بأنّه يتمحور حول متوسط سعر صفيحة المازوت، فهناك فروقات بين تسعيرة وزارة الطاقة والمياه والسعر الذي يدفعه أصحاب المولدات، فيما لم يعد هذا الفرق كبيرا حاليا، بعد أن كان شاسعا بين الوزارة والسوق السوداء، لافتا إلى أنّه اليوم لم يعد هناك سوق سوداء، وأصبحت الفروقات بحدود ٥٪ ، كما ذكر أنّ الخلاف يشمل أيضًا تحديد نسبة الأرباح، مشيرا إلى أنّه بناء طلب أصحاب المولّدات جرى تعديل المبلغ الثابت الذي يدفعه المشترك شهريا لاشتراك ٥ أمبير- ليس له أي علاقة بسعر المازوت – فأصبح ٣٠ ألف ليرة بدل ١٥ الف ليرة.
أكثر من 50% من المشتركين لا تزال إشتراكاتهم مقطوعة والإتحاد منع الإستغلال
أكثر من ٥٠٪ من المشتركين لا تزال إشتراكاتهم على المقطوعة بحسب سليم الذي أوضح بأنّ الوزارة لا تسعّر المقطوعة لذلك تدخل الإتحاد لتحديدها، موضحا أنّ الإتحاد حاول خلال الأشهر القليلة الماضية تحصيل كميّات من المازوت بالسعر الرسمي لأصحاب المولدات لتخفيف فاتورة الكهرباء عن المشتركين، ونجح بتأمين ما يقارب ٢٥٪ من حاجتهم أصحاب ما ساهم بتخفيف معاناة الناس.
يذكر أنّ الإتحاد كان يؤمن مازوت لأصحاب المولّدات ضمن نطاقه الجغرافي بسعر مخفّض، واليوم لم يعد للإتحاد دور بحسب سليم لانتفاء وجود سوق سوداء، خاصة وأنّ المازوت أصبح متوفرا من الشركات المستوردة مع ملاحظة توقّف شركة الأمانة عن تزويد أصحاب المولّدات بالمازوت الإيراني ابتداء من أول الشهر الحاليّ، والتحوّل به نحو التدفئة في المناطق الجبلية والداخلية.
وحول إحتمال تجدد أزمة المحروقات، توقّع سليم أنّه لن يكون هناك سوق سوداء للمازوت مع استمرار استيراد المازوت الإيراني، خاصة وأنّ الأسعار اصبحت غير منافسة أيّ لا فائدة من التهريب والتخزين.
بناء على ذلك هل سترتفع التسعيرة الإشتراك في نهاية هذا الشهر؟ وهل نحن أمام أزمة محروقات جديدة؟
من الواضح بحسب سليم أن التكلفة سوف تزيد لأنّ متوسط سعر صفيحة المازوت كانت في الشهر الماضي ٢٤٣٠٠٠ ليرة تقريبا، بينما السعر حاليا هو ٢٨٣٠٠٠ ليرة خاصة مع توقف المازوت الإيراني وارتفاع أسعار النفط بالخارج.
التبليغ عن كلّ صاحب مولد يخالف التسعيرة ويرفض تركيب عدّاد
بين المقطوعة والعدّاد أيّهما أفضل للمواطن؟ يجيب سليم أنّ تركيب عدّاد أفضل من المقطوعة، بحيث يمكن للمشترك أن يتحكّم بمصروفه من استهلاك الطاقة الكهربائية، إضافة إلى أنّه عندما يترك منزله الى قريته يصبح الاستهلاك قريب الصفر.
وفيما يخصّ مدى إلتزام أصحاب المولّدات بالتسعيرة، أفاد سليم بأنّه لم يُلاحظ إلتزام أصحاب المولدات بهذا التعميم الا ما قلّ، وعليه يجب اتخاذ الإجراءات المناسبة من قبل وزارة الاقتصاد والبلديات، ولحفظ حقوق المشتركين، لفت إلى أنّ المطلوب التبليغ عن كلّ صاحب مولد يخالف تسعيرة الإتحاد، ويرفض تركيب عدّاد، ويشار في هذا الجزء، إلى أنّ وزير الإقتصاد والتجارة أمين سلام قام بجولة مناطقيّة للتأكد من تركيب العدّادات، وسط اعتراضات من بعض أصحاب المولّدات.
يضطّهد المواطن اللبنانيّ اليوم بين سندان كهرباء الدولة شبه المعدومة تغذية، وبين مطرقة الطاقة الخاصة المرتفعة جدا تكلفة، في وقت تغيب فيه الحلول الجذريّة لملف الكهرباء العالق منذ عشرات السنوات بين أزقّة الهدر والفساد، لتبقى المعالجات موسميّة غير مستدامة، سطحيّة غير جذريّة، ومن يدفع الثمن بشكل مستدام وألم جذريّ هو المواطن ذو الجيب الخاوي إلّا من رحمة الله تعالى.