بين تصريح وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو وزيارة قائد المنطقة الوسطى في الجيش الأميركي لبيروت، عاشت السياسة اللبنانية على وقع تحليل الخطاب والزيارة. أميركا لا تريد أن تخسر لبنان لصالح حزب الله، لكنها في الوقت عينه تريد أن تكون لها «حكومتها» في بيروت. حكومة سبق أن حددت مواصفاتها السفيرة دوروثي شيا، قبل أن يعلن بومبيو أمس رغبته في «دعم اللبنانيين لتأليف حكومة ناجحة»!أزمة الكهرباء لم تنته بعد. وعدُ وزير الطاقة بتحسن التغذية بدءاً من وصول باخرة الفيول الأولى لم يتحقق. مراكز رسمية ووزارية كانت أمس عاجزة عن أداء مهامها بسبب انقطاع الكهرباء. صارت الساعة مربوطة على توقيت بواخر الفيول التي تتأخر أو تعرقل وصولها إجراءات خارجية وداخلية.
العتمة التي سيطرت على لبنان يوماً إضافياً، لم تحجب أمس التحركات الأميركية ربطاً بالملف اللبناني. أمس بدا الأميركيون غير بعيدين عن مضمون التحذير الذي وجّهه لهم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه أول من أمس. نصر الله كان توجه إلى واشنطن بالقول: «سياستكم بخنق لبنان ستقوّي حزب الله وتضعف حلفاءكم ونفوذكم، ولن يجد الناس أمامهم ملاذاً إلا المقاومة وحلفائها». والإدارة الأميركية لم تتأخر بالرد. وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ركّز على الفصل بين مواجهة الحزب وإبداء الاستعداد لمساعدة لبنان. فقال: «الولايات المتحدة ستساعد لبنان على الخروج من أزمته طالما أنه لا يتحول لبنان إلى دولة وكيلة لإيران». قال أيضاً إن الدعم سيستمر طالما أن لبنان ينفّذ الإصلاحات وأن حزب الله لا يسيطر على الحكم. في الوقت عينه، وفي إشارة تكشف مرة جديدة العوائق التي تضعها الولايات المتحدة الأميركية أمام خروج لبنان من أزمته، أعلن بومبيو أن بلاده ستمنع إيران من تصدير النفط إلى لبنان. وغلّف وزير الخارجية الأميركي موقفه هذا بالعقوبات على الجمهورية الإسلامية، علماً بأن حلفاء واشنطن يشترون المحروقات من إيران، وعلى رأسهم تركيا، العضو في حلف شمال الاطلسي، والتي تربطها بالولايات المتحدة علاقات قوية.
موقف آخر لا يقل خطورة أطلقه بومبيو أيضاً، أكّد فيه ما قالته السفيرة دوروثي شيا قبل أسبوعين، يوم أعلنت ما يشبه «الفرمان» القاضي بإسقاط الحكومة الحالية. فبعد أن حدّدت شيا مواصفات الحكومة التي تفضّلها بلادها لحكم لبنان (حكومة اختصاصيين)، قال بومبيو أمس إن بلاده ستستمر بالضغط على حزب الله ومساعدة الشعب اللبناني لإقامة حكومة ناجحة».
اليوم الأميركي الطويل لم يقتصر على تصريح بومبيو. في لبنان كان المشهد متناقضاً. مطار بيروت استقبل رجل الأعمال قاسم تاج الدين، الموقوف في الولايات المتحدة منذ آذار 2017، والذي تتهمه الحكومة الأميركية بتمويل حزب الله. وعجزت واشنطن عن تقديم أي دليل على اتهاماتها بحق تاج الدين، ما دفع بالقضاء الأميركي إلى عقد صفقة معه يعترف بموجبها بالتحايل على العقوبات بهدف الاستيراد من الولايات المتحدة، ما سمح بإصدار حكم بحقه بالسجن 5 سنوات وتغريمه 50 مليون دولار. وقد أفرج القضاء الاميركي عن تاج الدين لأسباب صحية، خشية تعرض حياته للخطر نتيجدة فيروس كورونا. وفيما ربط كثيرون الإفراج عنه بتهريب العميل عامر الفاخوري من بيروت، أو إفراج إيران عن المدان بالتجسس لحساب الاستخبارات الأميركية، اللبناني نزار زكا، إلا أن وكلاء الدفاع عن تاج الدين نفوا ذلك، فيما أكّد أفراد من عائلته أنه كان يرفض أن يكون جزءاً من عملية تبادل بين واشنطن من جهة، وطهران أو حزب الله من الجهة الأخرى.
في المقابل، استقبل المطار قائد القيادة الوسطى الأميركية الجنرال كينيث ماكينزي، على رأس وفد عسكري. ماكينزي قام بجولة برفقة السفيرة الأميركية دوروثي شيا على الرؤساء الثلاثة وقائد الجيش. عنوان الزيارة كان التعارف بعد تعيينه في منصبه الجديد. وقد أعاد الزائر التأكيد على دعم الجيش في كل لقاءاته. في بيان السفارة الأميركية، إشارة إلى أن الزيارة ليوم واحد «شملت لقاءات مع القادة السياسيين والعسكريين اللبنانيين الكبار، بمن فيهم ممثلون عن وزارة الدفاع والجيش اللبناني، إضافة إلى لقاءات في السفارة الأميركية ومحطة قصيرة عند نصب تذكارية تكرّم ذكرى أولئك الذين لقوا حتفهم في خدمة بلدهم».
الرئيس ميشال عون نوّه، في اللقاء، بـ«التعاون القائم بين الجيشين اللبناني والأميركي في مجالات التدريب والتسلّح»، متمنياً «تطوير التعاون العسكري بين البلدين». كما أكد ماكينزي من جهته «استمرار دعم القيادة العسكرية الأميركية للجيش اللبناني الذي يدافع عن استقلال لبنان وسيادته».
أما زيارة ماكينزي إلى السراي الحكومي، فقد أسهمت في لقاء الرئيس حسان دياب مع السفيرة الاميركية، وهو الأول منذ اعتراض دياب على حركتها السياسية وإشارته في جلسة مجلس الوزراء في ٢ تموز إلى ممارسات دبلوماسية فيها خروقات كبيرة للأعراف الدولية، والدبلوماسية.
من جهة أخرى، حضّ وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان السلطات اللبنانية على الشروع في إصلاحات للحصول على دعم مالي من «المجتمع الدولي» وإنقاذ اقتصاد البلاد من الانهيار، مشيراً إلى أنّه سيزور بيروت «في غضون أيام». وقال لودريان في مجلس الشيوخ الفرنسي: «هناك اليوم خطر انهيار. يجب على السلطات اللبنانية أن تستعيد زمام الأمور، وأسمح لنفسي أن أقول لأصدقائنا اللبنانيين: نحن حقاً مستعدّون لمساعدتكم، لكن ساعدونا على مساعدتكم».
وذكّر الوزير الفرنسي بأنّ حكومة الرئيس حسّان دياب تعهّدت بإجراء سلسلة إصلاحات في «مهلة مئة يوم من نيلها الثقة. وقال: «هذه الإصلاحات لم تُجر. نعلم ما يجب القيام به بالنسبة إلى الشفافية، وتنظيم قطاع الكهرباء، ومكافحة الفساد، وإصلاح النظام المالي والمصرفي. لكن لم يتحرّك ساكن».
ولاحقاً قال لودريان أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ إنّ «من الواضح تماماً عدم وجود وعي كاف لدى مجمل الشركاء السياسيين لخطر الانهيار». وشدّد لودريان على أنّ «فرنسا والمجتمع الدولي من حولها لن يتمكّنا من القيام بأي شيء إن لم يتّخذ اللبنانيون المبادرات التي لا غنى عنها لإنعاشهم». وقال لودريان إنّه بعد التظاهرات التي جرت في الخريف، والتي طغى فيها الطابع الاجتماعي على الطابع الطائفي، «تعود المواجهات الطائفية مع مخاطر انجراف كبرى تثير قلقاً بالغاً».
من جهة أخرى، برزت زيارة الرئيس سعد الحريري إلى متروبوليت بيروت للروم الأرثوذوكس المطران الياس عودة. بعد اللقاء، أعاد الحريري التأكيد أمام الصحافيين أنه «لا أسعى الى العودة الى الحكومة ولا الى غيرها». كما انتقد دياب من دون أن يسميه، فأشار إلى أن أي «رئيس حكومة في سدة المسؤولية يجب أن تتوفر لديه الامكانيات ليتمكن من العمل، وهذه الإمكانيات بحاجة الى عوامل عديدة، منها وجود خبراء فعليين في شؤون وزاراتهم وليس فقط تكنوقراط، ويدركون ماهية الإصلاح الحقيقي وليس أن يكتفوا بالقول إنهم يريدون الإصلاح. فما يقومون به اليوم هو إصلاح على كيفهم».