راجانا حمية
«كارثة». هذا ما حلّ على أصحاب الأمراض المزمنة وعدد كبير من الصيادلة بعد قرار رفع الدعم «جزئياً» عن أدوية الأمراض المزمنة، والذي ترجم أول من أمس بجدول جديد زاد أسعار الأدوية أضعافاً… كان متوقعاً الوصول إلى هنا منذ أول الطريق، بسبب دفع مصرف لبنان باتجاه آلية دعمٍ فاشلة راكمت ما في جيوب المستوردين والتجار، ليجد الناس أنفسهم أمام خيار سوريالي: يشترون الدواء ليعيشوا أم يعيشون لشراء الدواء؟
مليون و17 ألف ليرة لبنانية، هو المبلغ الذي سيقتطعه أسعد من راتبه لشراء أربعة أدوية له ولزوجته. سيكون على السبعيني أن يحسم هذا المبلغ، شهرياً، من راتبٍ تقاعدي وصل بعد 25 عاماً من الخدمة في السلك العسكري إلى… مليون و700 ألف ليرة، على أن «يعيش» (أو، بالأحرى، أن لا يعيش) بما يتبقّى، أي بنحو 683 ألف ليرة.
«أن تعيش لتشتري دواء لا أن تشتري الدواء لتعيش» هو ما قرّره مصرف لبنان لأسعد، ولغيره من المرضى الفقراء، بعدما حبس الدعم عن أدوية الأمراض المزمنة إلى الحدود القصوى، غير آبهٍ بصحة هؤلاء نتيجة قراراته الاعتباطية التي أدت إلى تحليق أسعار كثير من الأدوية، إلى حدّ أنها قد تكسد لعدم وجود ما يكفي من المرضى القادرين على دفع ثمنها. في عزّ انهيار قدرة الناس الشرائية وحاجتهم الماسة إلى حبة الدواء، ارتأى مصرف لبنان أن يتحرّر من «العبء»، فبدأ قبل أشهرٍ سياسة رفع الدعم التي تجلّت أولاً بالتنصّل من الـ50 مليون دولار شهرياً للدعم التي توافق عليها وزير الصحة السابق حمد حسن وحاكم «المركزي» رياض سلامة، وتقليصها إلى 35 مليوناً، منها 10 ملايين للمستلزمات والمعدات الطبية، ونحو 19 مليوناً لأدوية الأمراض السرطانية والمستعصية، وما تبقى للأمراض المزمنة. والـ«ما تبقّى» لا يكفي لسدّ جزء من الحاجة. لذلك، قرّرت وزارة الصحة قبل أسبوع ترشيد دعم أدوية الأمراض المزمنة وتعديل تسعيرتها استناداً إلى شرائح أسعارها الأساسية. وأصدرت أول من أمس جداول الأسعار الجديدة التي تراوح ترشيد الدعم فيها بين 25% و75%.
قبل أن تصدر «الصحة» قرار «الترشيد»، كما تصرّ على تسميته، وقبل أن يقرر مصرف لبنان أخذ صحة الناس رهينة، كانت المليون و17 ألفاً التي سيدفعها أسعد اليوم لا تتعدى الـ157 ألفاً و500 ليرة! ارتفعت أسعار الأدوية الأربعة التي يشتريها الرجل تسعة أضعافٍ. وبالأمثلة: ارتفع سعر دواء «janumet» الذي يستخدمه مرضى السكري من 94 ألف ليرة إلى 564 ألفاً، ودواء «amlor» (لمرضى الضغط المزمن) من 14 ألفاً و500 ليرة إلى 132 ألفاً، ودواء «twynsta» (لمرضى الضغط المزمن) من 38 ألفاً إلى 227 ألفاً، ودواء «aldacton» (مدرّ للبوتاسيوم ويستخدم لعلاج ضغط الدم) من 11 ألفاً إلى 94 ألفاً، و»euthyrox» (لعلاج خمول الغدة الدرقية) من 12 ألف ليرة إلى 112 ألفاً، و»atacan plus» (لعلاج ضغط الدم) من 25 ألفاً إلى 177 ألفاً، و»apo-clopiderol» (لمنع تشكل الجلطات الدموية) من 26 ألفاً إلى 186 ألفاً… وقس على ذلك أدوية لامس سعر بعضها المليون ليرة. وحتى الأدوية المحلية الصنع، التي أكّد وزير الصحة فراس الأبيض أن زيادة الدعم على المواد الأولية التي تدخل في صناعتها ستخفض من أسعارها، «طارت» هي الأخرى، فيما انخفضت أسعار عدد قليل من الأدوية مقارنة بتلك التي ارتفعت أسعارها.
أسعار جدول «الصحة» تجاوزت، بأشواط، ما كان يدفعه المرضى للحصول على أدويتهم من السوق السوداء في عزّ انقطاعها. هكذا، خسر أصحاب الأمراض المزمنة معركتهم، وباتوا أمام خيارين كلاهما أمرّ من بعضهما: إما شراء الأدوية بالأسعار الجديدة «وهذا مستبعد بالنسبة لكثيرين»، على ما يقول رئيس لجنة الصحة النيابية عاصم عراجي، أو وقف الدواء وتعريض حياتهم للخطر. يشبه ذلك تخيير المحكوم بالإعدام ما بين الموت شنقاً أو بالرصاص!
الأخبار