ربع المحال التجارية في بيروت والمناطق أقفلت أبوابها منذ بداية السنة الجارية. وحتى نهاية 2020 يتوقع أن يبقى ثلث هذه المحال فقط مفتوحاً بسبب أزمة سعر صرف الليرة وشح الدولار وتراجع القدرة الشرائية للبنانيين والمقيمينأعلن عدد من محال البيع بالتجزئة في لبنان، أخيراً، الإقفال «المؤقّت» إلى حين ضبط الأوضاع، ولا سيّما سعر صرف الدولار، وهو ما قد يجعل الإقفال «دائماً»، لعدم توفّر مؤشّرات حيال «الضبط» المرجوّ. من بين الشركات التي توقّفت عن البيع، شركة «مايك سبورت» التي أعلنت رفضها «الانخراط في لعبة البيع والشراء غير الرسميّة لعملة الدولار وتحديد أسعار البضائع والسلع لدينا على هذا الأساس، ما يقتضي إغلاق فروعنا كافة مؤقتاً». كذلك فعلت شركات أخرى، منها «ماري فرانس» التي توقّفت عن البيع في فروعها كافة إلى حين «تحسّن الوضع»، ورفضاً «لتسعير بضائعنا وفق السعر المتداول في السوق». في المقابل حدّدت شركات عديدة، اليوم، موعداً لإقفال متاجرها وفروعها، بالتضامن في ما بينها، لأنها «فرصتنا الأخيرة للبقاء»، بينما أجّلت شركات أخرى الموعد الى نهاية العام الجاري، مثل «أديداس» التي أعلنت «تعليق الإدارة المباشرة لمتاجرها في لبنان وإغلاق مكاتبها اعتباراً من نهاية 2020، بسبب التحدّيات الاقتصاديّة».
هذه الإقفالات ليست بعيدة عن الأزمة العالميّة التي ألمّت بقطاع البيع بالتجزئة في ظل الإقفال بسبب فيروس كورونا، وقد تراجعت مبيعاته بشكل ملحوظ في بريطانيا والولايات المتحدة مثلاً. لكن في لبنان، إلى جانب الإقفال على مدى ثلاثة أشهر، شهدت القدرة الشرائيّة لدى المستهلكين تراجعاً كبيراً، بالتزامن مع هبوط سعر صرف الليرة أمام الدولار. «منذ نهاية عام 2011 حتى تشرين الأول 2019 انخفضت المبيعات بنسبة وسطيّة هي 40%… وبين تشرين الأول الماضي وآذار 2020، ناهزت نسبة انخفاض المبيعات 70%»، كما يقول رئيس جمعية تجار بيروت، نقولا شماس، لـ«الأخبار».
في النصف الأول من السنة الجارية «بلغت نسبة الإقفالات النهائيّة 25% في بيروت والمناطق»، بحسب شماس، في حين «تشير التوقّعات إلى أنه حتى آخر 2020 فإن ثلث المحال فقط سيبقى مفتوحاً». أما خلال التعبئة العامة، فإن «نسبة تراجع المبيعات وصلت إلى مئة في المئة، إذا استثنينا المأكولات والمشروبات والمعقّمات وأدوات التنظيف». يعزو شماس أسباب «احتضار القطاع التجاري وتراجعه إلى الحضيض»، إلى مشكلات في الطلب، «إذ انخفضت القدرة الشرائيّة لدى اللبنانيين»، وفي العرض «بسبب عدم قدرة التجار على تحويل الأموال إلى الموردين في الخارج في ظل الظروف المالية والمصرفية». ويختصر الموقف بأن «القطاع التجاري في أسوأ أوضاعه، سواء كانت المحال مغلقة أم مفتوحة، وهو قطاع لا يريد أن يموت، لكنّه لا يستطيع أن يعيش، ولا سيّما أن التجار أمام خيارين أحلاهما مرّ: الاستمرار مع نزيف دائم عبر خسارة رساميلهم بسبب ارتفاع سعر الصرف، أو الإقفال النهائي، وهو ما يؤدي إلى خسارة أموالهم وموظّفيهم وتبعات الإخلاء التجاري… لكنهم اختاروا خطاً وسطياً عبر إقفالات مؤقتة تؤدّي إلى تجميد نشاطهم إلى أجلٍ غير محدّد!».
الإقفالات لا بدّ أن تنعكس على الموظّفين والعمال والمؤجِّرين وأصحاب المولات، وغيرهم من المستفيدين من قطاع البيع بالتجزئة. وفي هذا السياق، أوضح رئيس مجلس إدارة شركة «أدميك»، المدير العام لـ«سيتي مول» ميشال أبشي، لـ«الأخبار»، أن «ارتفاع سعر صرف الدولار وتراجع كميّته في السوق التي تسمح لمحال البيع بالتجزئة بشراء بضاعتها من الخارج، أدّيا إلى تقلّص البضائع مع اقتراب انتهاء الموسم الصيفي وعدم قدرتها على الاستيراد للموسم الشتوي والأشهر المقبلة… فلا سيولة لشراء بضاعة بديلة، في حين لا هامش محدّداً لتعديل أسعار البضائع المعروضة بالتوازن مع سعر سوق الدولار المختلف من يوم إلى آخر، ولا قدرة للمستهلكين على تحمّل هذا الفارق».
وفي الوقت عينه، فإن «إلغاء تمويل المصارف لهذا القطاع، بعدما كانت تمنح التجار دفعات مسبقة، حرم القطاع من القدرة على الحصول على العملة الأجنبيّة». ولا ينفي أن إقفال محال البيع بالتجزئة «يضرّ بالمولات، خصوصاً أنها تشكّل عامل جذب للسياح والوافدين»، لكنّه يربطه أيضاً بقطاع المطاعم والمقاهي… وبضرر لاحق بالخزينة بسبب «انعكاس إقفال المحال على الضرائب التي كانت تدفعها، مثل الضريبة على القيمة المُضافة والرسوم الجمركيّة والضرائب على الأملاك المبنية، واشتراكات الضمان الاجتماعي لموظّفيها، ولا سيّما أن المحال الموجودة في المولات ملزمة بالتصريح عن مبيعاتها وموظّفيها». وينذر من «تبعات الصرف والبطالة في هذه القطاعات التي تضمّ نحو 400 ألف موظّف».
الأزمة برأي أبشي مترتبّة عن قرارات الحكومة السابقة، وأخطاء التقدير عبر حصر الدعم بأنواع محدّدة من السلع والقطاعات، في حين أن «ذلك ألحق الضرر بقطاعات أخرى غاب عنها الدعم، ولا سيّما خلال التعبئة العامة، غير أننا اضطررنا كقطاع خاص إلى دعم أنفسنا، إذ عمدنا مثلاً إلى إعفاء المحال المستأجرة في المول من دفع الإيجارات طوال فترة الإقفال، ومساعدة ماليّة عبر الدفع فقط بحسب نسبة المبيع حتى آب المقبل». لكن ارتفاع سعر الصرف بهذا الشكل بعد إعادة افتتاح البلد «أدّى إلى انخفاض المبيعات بنسبة تراوح بين 30 و40% خلال الشهر الأول للافتتاح مقارنة بالعام الماضي»، بينما يشهد قطاع البيع بالتجزئة «انحداراً كلياً منذ 2015، ما سينعكس على التوظيف». وبشأن الإقفالات المؤقتة وكيفية تعاطي المؤجّر مع المحل المقفل، يرى أنه «سيتمّ التعاطي وفق كل حالة، بينما لا يوجد إقفال بالمعنى المؤقت، إذ تربط الشركات المقفِلة عودتها بتحسّن الوضع، وهو أمر شبيه بانتظار أعجوبة… فلا مؤشرات لهذا التحسّن أو لانخفاض سعر الصرف أو لدعم القطاع من قبل الدولة، كما رشح عن الاجتماعات المتواصلة التي نعقدها»، فلا تجاوب مع مطالبنا بـ«حسم الضرائب خلال فترة الإقفال، وإلزام المصارف بإقراضنا بفوائد منخفضة».
إيلدة الغصين – الأخبار