بموقف مفاجئ طرح اكثر من علامة استفهام، خرج رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بعد لقائه رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر ليعلن «ان هناك حلا لكل شيء في لبنان، وأبلغتُ رئيس الجمهورية أنني سأدعو مجلس الوزراء الى الإنعقاد قريبا لعودة الأمور الى طبيعتها».
في الشكل، اللافت في كلام ميقاتي، انه اتى بعد لقاء كان جمعه برئيس الجمهورية العماد ميشال عون في قصر بعبدا، غادر بعده ميقاتي من دون الادلاء باي تصريح متوجها الى مقر الاتحاد العمالي العام.
في المضمون، لا يمكن لكلام رئيس الحكومة ان يمر مرور الكلام، لاسيما انه اتى بعد تعطيل لمجلس الوزراء استمر منذ 12 تشرين الاول، على خلفية مطالبة الثنائي الشيعي بتنحية المحقق العدلي طارق البيطار اولا، ومن ثم تصريحات وزير الاعلام جورج قرداحي، والتي اعتبرها البعض اساس الازمة الخليجية التي فتحت على لبنان ونتجت عنها تداعيات ديبلوماسية وتجارية ،وكادت ان تؤثر على مصير اللبنانيين العاملين والمقيمين في دول الخليج.
صحيح ان ميقاتي كشف عن توجهه لتوجيه دعوة قريبة لمجلس الوزراء ،لكن ما الذي تبدل؟ هل حلت ازمة البيطار؟ هل تراجع وزير الاعلام فقرّر الاستقالة ؟ او هل اتخذ القرار باقالة قرداحي، فذلّلت كل العقبات التي حالت سابقا دون انعقاد مجلس الوزراء؟
اسئلة كثيرة قد لا تلقى الاجوبة الشافية الا عند الثنائي الشيعي، لكن اللافت ان مصادر مطلعة على جو الثنائي علقت على كلام ميقاتي بجملة واحدة مفادها :» لا حكومة ولا جلسة لمجلس الوزراء قبل حل المسألة الاساس: «البيطار اولا»!
ولكن الام استند ميقاتي ليخرج بهذا الكلام؟ وهل يمكن ان يكون قد تحدث عن اتجاه لدعوة لمجلس الوزراء بلا ضمانات من الثنائي بحضور الجلسة؟ تجيب المصادرنفسها: دعوة ميقاتي حاليا غير واقعية، فهناك مشكلتان تتطلبان حلا ، اولا ازمة المحقق العدلي وهنا المشكلة الاساس التي لم تحل بعد، وبعدها تأتي قضية الوزير قرداحي، وهذه ايضا لم تحسم بعد ولو ان البحث كان جرى بمخارج عدة.
وتضيف المصادر ان السيناريو الذي يكون قريبا للواقع، والذي كان يعمل ويحضر له عبر اللقاءات التي حصلت بالايام الماضية يتمثل بالتالي: تحل مشكلة البيطار اولا بعدها تتم الدعوة لمجلس وزراء فيجتمع الاخير ويشارك بالجلسة وزير الاعلام الذي لا يمكن اقالته لعدم توفر الثلثين ، فيطرح موضوع تصريحات قرداحي على طاولة البحث لمناقشته ومعرفة ما اذا كانت الاكثرية تعتبر ان استقالة الاخير فيها مصلحة للبنان، وعندها يستجيب قرداحي لرغبة الاكثرية، فيخرج معلنا استقالته ،لاسيما انه كان قد اكد اكثر من مرة انه مستعد للقيام بما فيه مصلحة لبنان ،وانه غير متمسك لا بكرسي ولا بوظيفة ولا بوزارة.
هذا هو السيناريو، الا ان الحبكة الاولى من هذا السيناريو لم تحل، فكيف تحل الحبكات اللاحقة ؟ تجيب مصادر الثنائي: قد يكون رئيس الجمهورية مصراعلى معاودة جلسات الحكومة حتى لو اغضب الامر حزب الله ، لكن هذا الامر غير وارد قبل حل المشكلة الاساس.
على خط رئيس الحكومة، اعتبرت اوساط مطلعة على جوه، أن الدعوة الى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء قد تحصل قبل او بعد زيارته الى الفاتيكان التي تحددت في 25 الحالي، مشيرة الى انه بات من الواضح ان هناك قناعة تكوّنت لدى الجميع بعد الجولة التي قام بها ميقاتي على المرجعيات السياسية، إضافة الى مروحة اتصالات مع عدد من المرجعيات، أنه من الضروري أن تعاود الحكومة جلساتها، بخاصة لناحية معالجة الامور المتعلّقة بالأوضاع المعيشية، وقد بات على جدول الأعمال المرتقب ما يقارب المئة بند في هذا الاطار.
واكدت المصادر أن الجميع اقتنع كذلك بأن مسألة القاضي طارق البيطار مسألة قضائية بحت تعالج في القضاء، أما المسألة المرتبطة بالوزير قرداحي، هناك مسودة طريق ستتبلور لحظة الدعوة الى انعقاد جلسة حكومية، والأمر مرهون بإعلان من ميقاتي أو بالمشهدية التي سترتسم بعيد الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء.
أما على خط قصر بعبدا، فاعتبرت مصادر مطلعة على جوها ان التوافق حصل بين ميقاتي ورئيس الجمهورية على الدعوة لجلسة حكومية التي يقصد بها حتماً الجمع وليس الشرذمة أو حشر أي فريق سياسي. وتابعت المصادر، أنه إضافة الى القضايا المعيشية هناك قضايا ملحّة كقضية العلاقة مع دول الخليج، سائلة:»أين يتم البحث فيها غير على طاولة مجلس الوزراء»؟ مضيفة: «نعم فلتترك شؤون القضاء للقضاء، ويتولى مجلس الوزراء بالتوازي صلاحياته».
وختمت المصادر المطلعة على أجواء قصر بعبدا بالقول:»نحن نرغب في أن تعود الحكومة الفتية الى سابق عملها، لأن التصريف الواقعي مرفوض وغير جائز في ظل الظروف التي تمر بها البلاد».
الا ان المعلومات كشفت بان ميقاتي وضع خلال اجتماعه مع رئيس الجمهورية امس في جو الاجتماعات المكثفة التي تجريها اللجان الوزارية لبحث القضايا المختلفة ، الا ان الرئيس عون توجه لميقاتي بالقول : «اللجان مهمة لكن هناك قرارات تحتاج لمجلس وزراء، وبالتالي يجب ان تنعقد الحكومة»، فرد عندها ميقاتي بانه سيدعو لجلسة قريبا!
الا ان مصادر متابعة تكشف ان هذه الدعوة لا تزال غير واضحة بعد ، لاسميا ان ميقاتي يتوجه في 25 الحالي الى روما والفاتيكان، كما ان الرئيس عون يسافر في 30 الحالي الى قطر، وعليه تستبعد المصادر ان تتم اية دعوة لانعقاد مجلس الوزراء قبل عودة كل من عون وميقاتي من السفر المتوقع الى الخارج، وفي الوقت المستقطع تقول المصادر يعمل على انضاج الحلول القضائية كما السياسية، علما ان مشكلة المحقق العدلي طارق البيطار لم تحل، ولا احد يعرف كيف يمكن ان تنتهي، لاسيما ان كل المعلومات تؤكد بان جلسة الهيئة العامة لمحكمة التمييز التي اجتمعت بالامس برئاسة القاضي سهيل عبود، كانت جلسة حامية لم ينجح المجتمعون خلالها بالخروج باي قرار، وتكشف المعلومات بان الجلسة سادها انقسام حاد وعندما « دبكوا القضاة بين بعضن»، رفع القاضي عبود الجلسة على اساس ان يدعو لجلسة اخرى في وقت لاحق.
وبانتظار حل مشكلة القضاء بالقضاء، فعندها تصبح استقالة قرداحي بشكل طوعي واقعة لا محال تقول اوساط بارزة، وتكشف بان الاجتماع الاخير الذي ضم ميقاتي وقرداحي في منزل الاول، اتى بعد زيارة فرنجية الى ميقاتي، حيث جدد رئيس «تيار المردة» على مسمع رئيس الحكومة ما مفاده :» ما قلته في بكركي ساكرره امامك، المسالة فيها ظلم وانا لا اقف مع الظالمين، اذا بتحب اجلس وتحدث انت معو وحاول تقنعو» ، فبادر ميقاتي الى الاتصال بقرداحي داعيا اياه الى منزله، فلبى الاخير الدعوة.
في كواليس اجتماع البلاتينوم بين ميقاتي وقرداحي، تكشف المعلومات بان قرداحي قال لميقاتي ما مفاده : بقائي بالحكومة هو تضحية بحد ذاتها لا خروجي منها، انت المستهدف لا انا، وحكومتك المستهدفة، فالسفير السعودي لم يزرك ولم يتصل بك مهنئا حتى قبل تسريب المقابلة وتصريحاتي، انا مستعد اذا دعوت انت لجلسة حكومية ان احضر الجلسة لمناقشة مسألة التصريحات والاستقالة، والقيام على ضوء ما تنتج عنه النقاشات بما فيه مصلحة لبنان، فاذا اقتضت هذه المصلحة ورأت الغالبية بوجوب ان استقيل، فاستقيل».
وتابع قرداحي سائلا ميقاتي: هل انا مخطئ فعلا برأيك عندما تحدثت وقلت ان الحرب في اليمن عبثية ويجب ان تتوقف؟ فرد ميقاتي: «سمعت المقابلة 10 مرات وما شفت فيا شي»، وتابع ميقاتي : «فما قلته قلته بنية طيبة»، فاستوقفه قرداحي ليسأله:» طيب ليش ما طلعت قلت هالكلام؟ لو قلت هذا الموقف في العلن لكنت دافعت عن نفسك لا عني»! فاكد ميقاتي لقرداحي: «انت ليست المشكلة».
وهنا تؤكد مصادر موثوقة ان قرداحي لا يزال يعتبر ميقاتي رجلا ذكيا يعرف كيف يدوّر الزوايا جيدا، وهو تلقف كرة النار ولا يريد ان يفشل ، ويقول قرداحي في مجالسه الخاصة «ما بيهين عليي انو يفشل الرئيس ميقاتي بسببي»! كما ان وزير الاعلام يُحيّد دوما رئيس الجمهورية، اذ يعتبر ان موقفه كان مشرّفا، فيما موقف رئيس التيار جبران باسيل الذي قال: «بان استقالة قرداحي ليست رضوخا، وعليه أن يفعل إن كان ذلك لمصلحة لبنان»، وعلى هذا الكلام علق قرداحي باتصال مع «الديار» بالقول : «كنت اتمنى ان يكون موقفه مشرفا كما هو موقف رئيس الجمهورية»! رافضا اعطاء اي تفصيل اضافي آخر.
وعليه لا حلحلة، ولا مجلس وزراء قبل معالجة الاسباب التي حالت دون انعقاده، وكل ما حكي بالاعلام يعتبر حزب الله انه غير معني به باعتبار ان موقفه واضح!
فهل تتحلحل بعد «الاسفار الخارجية»؟ او اننا سنكون امام توجه بالدعوة لجلسة حكومية على قاعدة وضع الجميع امام مسؤولياته؟
جويل بو يونس – الديار