لم تدم فرحة المغتربين اللبنانيين بـ«عطف» دولتهم عليهم سوى أسبوع واحد. الخطة الرسمية لـ«إعادة اللبنانيين من الخارج» خضعت لتعديلات في جلسة الحكومة، أمس، تكاد تنسفها من أساسها. ورغم أن المرحلة الأولى من الخطة (تنطلق الأحد المقبل وتنتهي في 12 نيسان) كانت تستوعب 10 آلاف شخص فقط من كل دول العالم، تراجع رئيس الحكومة حسان دياب أمس عن الرقم معلناً أنه «لا يمكن إعادة أكثر من 25 في المئة من العشرة آلاف».
التعديلات فرضتها عراقيل لوجستية حالت دون تطبيق آلية النقل التي كانت تتضمن مواكبة كل رحلة بطواقم طبية وفريق من الأمن العام يفحص العائدين قبل صعودهم إلى الطائرة. وبحسب معلومات «الأخبار»، رفضت دول عدة، منها الإمارات وغانا، هذه الآلية، وتم التعديل على قاعدة «السماح لهم بالصعود إلى الطائرة مع ضوابط صحية صارمة، على أن يخضعوا للفحوصات في مطار بيروت، وفي ضوئها يُحدّد مسار العائدين: إما إلى المستشفى أو إلى الحجر الصحي لمدة 14 يوما. «وفي حال ظهرت إصابات عدة بين العائدين، سنعيد النظر بباقي الرحلات وبالمرحلة الثانية من الإجلاء» بحسب دياب.
وبعدما وضعت وزارة الخارجية والمغتربين على موقعها الإلكتروني، أول من أمس، رابطاً لتسجيل أسماء الراغبين بالعودة، مع استمرار فتح باب تعبئة الإستمارات في مقرات البعثات، سجّل نحو 30 ألفاً حول العالم أسماءهم للإجلاء. وسُجّلت النسبة الأعلى في الإغتراب الأفريقي. إذ سجّل نحو ستة آلاف شخص أسماءهم في ساحل العاج التي يزيد تعداد الجالية فيها على الـ 80 ألفاً. وفي نيجيريا حيث يقيم حوالي 30 الف لبناني، سجل نحو 2500 أسماءهم، ونحو 2200 من جمهورية الكونغو الديموقراطية والدول المحيطة بها. وسجل نحو 1200 شخص أسماءهم في بريطانيا، ونحو 2700 في فرنسا ونحو ألف في كندا. من بين كل هؤلاء، سيُجلى نحو 2500 فقط ضمن المرحلة الأولى. في مقابل عدد مماثل في المرحلة الثانية. مصدر ديبلوماسي لبناني في ساحل العاج لفت إلى أن العاملين في السفارات «تتركز جهودهم على تصنيف المسجلين وفق الأولويات التي حدّدتها خطة الحكومة وتقديم المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة على غيرهم».
تحديد سقف العائدين لم يكن الصدمة الوحيدة للمغتربين. شائعات عدة انتشرت في الأيام الماضية عن أن أسعار تذاكر الإجلاء على متن طيران الشرق الأوسط ستكون مرتفعة جداً بعد أن قضت الخطة الحكومية بأن يتحمل الراغبون بالعودة كلفة إجلائهم. مصادر في البعثات الديبلوماسية والجاليات في دول أفريقية عدة أكدت لـ«الأخبار» أن سعر تذكرة الذهاب «تضاعف بنحو مرتين، ما فرض على كثيرين العدول عن فكرة العودة»، لكنها لفتت إلى ان «الدول الأوروبية والولايات المتحدة وغيرها من الدول التي أجلت رعاياها حمّلتهم ثمن التذاكر سواء بالدفع مباشرة أو بضمان الدفع اللاحق بعد عودتهم إلى ديارهم».
أعداد الراغبين بالعودة تعني ان خطة الإجلاء، في حال جرت بوتيرة متواصلة، ستحتاج الى وقت طويل يمتد أشهراً لانجازها. فمن أبيدجان، مثلاً، سيحتاج إجلاء جميع اللبنانيين إلى 60 رحلة على الأقل، اي نحو شهرين. إذ أن كل رحلة تحتاج إلى نحو 24 ساعة لإنجازها (ذهاب وإياب ووقت الانتظار وتعبئة الوقود وفحص الطائرة وصعود المسافرين).
مصدر في مكتب «ميدل ايست» أوضح لـ«الأخبار» أن سبب رفع ثمن التذكرة يهدف إلى تغطية نفقات الرحلة غير التجارية. فالطائرة في طريق ذهابها من لبنان ستكون شاغرة. وفي طريق إيابها ستكون نصف ممتلئة، ما يعني ان اكبر طائرات الـ«ميدل ايست» ستتسع لـ100 شخص فقط بالنظر إلى طريقة توزيع مقاعد الركاب».
في المقابل، تعالت الأصوات المعترضة على الأسعار. بيانات عدة صدرت عن فاعليات في الجاليات تهاجم الدولة «التي ترفض بأن تصرف قرشاً واحداً على المغتربين الذين أمدّوها بالمليارات طوال عقود وقررت بأن تحمّلنا كلفة كل رحلة». أكثر المتضررين هم الموظفون المقيمون مع عائلاتهم والذين لا يملكون إمكانية دفع أكثر من عشرة آلاف دولار للعودة. ووفق مصدر في الجالية في ساحل العاج، يتخبط أصحاب الأعمال بين تكبد ثمن التذاكر لموظفيهم وعائلاتهم كما تقتضي عقود العمل وبين اقتسام الخسارة بين الطرفين. تخبط يتزامن مع شلل شبه تام للحركة الإقتصادية. أما في حال الموافقة على السعر الباهظ، فلمن سيدفع العائد ثمنها؟ للسفارة حيث سجل اسمه أم لمكاتب الـ«ميدل إيست» حول العالم؟ استفسار لم يجد إجابة بعد.
إلى ذلك، فإن كثيرين من الذين كانوا قد حجزوا تذاكر للسفر إلى لبنان بمناسبة عيد الفصح، ألغيت رحلاتهم بسبب إقفال المطارات. مصدر في شركة الطيران اللبنانية أوضح لـ«الأخبار» بأن «ميدل إيست منحت صاحب التذكرة فرصة استعادة ثمنها أو تعليق موعدها لأجل غير مسمى». أما عن استخدام التذاكر المحجوزة سابقاً للعودة بها ضمن الإجلاء وتوفير ثمن شراء تذاكر جديدة «فهو أمر لم يحسم بعد لأن الرحلة العادية منفصلة عن رحلة الإجلاء المستجدة». وتجدر الإشارة إلى أن الشركة، رغم إقفال مطار بيروت الدولي، لا تزال توفر عبر موقعها الإلكتروني خدمة حجز التذاكر!
الغموض يلف مصير الجاليات في الدول التي لا تصلها أجنحة الأرز. في أفريقيا على سبيل المثال، ورغم كثافة أعداد الجاليات المنتشرة في جميع دولها، فإن «ميدل إيست» تنظم رحلات إلى نيجيريا وغانا وساحل العاج فقط. مصدر ديبلوماسي أكد لـ«الأخبار» أن وزارة الخارجية والمغتربين «لم تعمم علينا آلية عودة اللبنانيين من تلك الدول رغم اننا مستمرون بتعبئة استمارات العائدين!». فيما أشار مصدر مواكب للملف الى «اقتراح يتم البحث فيه باستئجار طائرات تابعة لخطوط جوية تعمل على خط البلدان التي لا تصل إليها ميدل إيست».
آمال خليل – الأخبار