هل ما حصل مجرد إجراء روتيني أم أننا أمام موجة جديدة من الاستجابة لضغوط الولايات المتحدة في مسائل لها بعدها الأمني الحساس؟
كيف يتم التعامل بسرعة البرق مع موقوف أجنبي تبين أنه يحمل الجنسية الإسرائيلية وهو من الديانة اليهودية، بعدما دخل إلى لبنان بجواز سفر أميركي، وقرر أن مدة زيارته محصورة بـ 24 ساعة فقط، وهي فترة كافية كي يستخدمها عملاء العدو لتنفيذ عمل أمني والمغادرة سريعاً؟ علماً أن توقيفه تم بناء على اتصال أجراه موظف في أحد فنادق الحمرا بعدما اشتبه فيه.
ورغم «اعتياد» لبنان على تدخلات السفارة الأميركية في بيروت لإنقاذ عملاء العدو من حاملي جنسيتها، كما فعلت مع العميل عامر الفاخوري الذي لم يبق مسؤول أميركي إلا وتدخل في قضيته قبل نقله في طوافة أميركية من السفارة في عوكر إلى قبرص، يبقى السؤال حول من يتحمل مسؤولية التجاوب السريع مع الطلبات الأميركية، في وقت يعرف كل من يعمل في حقل الأمن المضاد أن حالة كهذه تتطلب تحقيقات واسعة تشارك فيها عدة أجهزة، خصوصاً أن لبنان في قلب معركة مع غزو استخباراتي إسرائيلي عبر تجنيد مئات اللبنانيين عبر جمعيات وهمية؟
إضافة إلى ما سبق، فقد تبين أن الضغوط الأميركية كانت سريعة ومكثفة، ما أدى إلى ترتيب الأمر لناحية إعطاء القضاء العسكري إشارة بإخلاء سبيل الموقوف رهن التحقيق ليلة 13 أيلول الجاري (أي بعد ساعات من توقيفه)، والإبقاء على هاتفه لدى المحققين، ليعود إلى الفندق الذي رفضت إدارته استقباله، فتوجّه إلى فندق آخر حيث أمضى ليلته قبل أن يعود صباح اليوم التالي إلى مقر الأمن العام لاسترداد هاتفه قبل أن يتوجّه إلى المطار ويغادر من دون أي عائق!
والسؤال: ألم يكن بمقدور الأمن العام والقضاء العسكري الإبقاء عليه محتجزاً طالما أن التحقيقات جارية ولم يجر تخطي المهلة القانونية للتوقيف المحددة بـ 48 ساعة، أم أن هناك من خضع لضغوط أميركية وبادر إلى إغلاق محضر التحقيق وإقفال القضية تسهيلاً لسفره برعاية السفارة الأميركية في بيروت وعبر الفريق الأمني العامل فيها؟
تفاصيل القضية
القضية التي اطلعت «الأخبار» على تفاصيلها، تتعلق بمواطن أميركي يحمل الجنسية الإسرائيلية يدعى شلومو زلمان، دخل إلى بيروت في زيارة خاصة لمدة 24 ساعة، وأوقف بالتعاون بين فرع مخابرات الجيش في الحمرا حيث كان ينزل المشتبه فيه، وبين الأمن العام الذي تولى توقيفه والتحقيق معه قبل إطلاق سراحه بناء لإشارة مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي، بعد اتصالات مكثفة أجرتها السفارة الأميركية في بيروت. كما تردد أن مسؤولين أميركيين في واشنطن أجروا اتصالات مع لبنان.
وفي التفاصيل أن دورية تابعة للأمن العام أوقفت زلمان يوم الثلاثاء، في 13 أيلول الجاري، قرب أحد فنادق شارع الحمرا. وكتبت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية أنه «طالب ديني التحق أخيراً بمدرسة في القدس»، وقد دخل لبنان عن طريق مطار بيروت الدولي يوم الاثنين 12 أيلول، بعدما أمّن حجزاً في فندق Winner house الحمرا عن طريق الإنترنت.
دخول «شلومو» مطار رفيق الحريري الدولي كان طبيعياً. فلدى وصوله إلى ممرّ الزوّار، قدّمَ إلى عناصر الأمن العام جوازه الأميركي الذي مُهِر بسمة الدخول، ثم سُمِح له العبور. بعدها، توجه في سيارة أجرة إلى الفندق في شارع الحمرا. عند وصوله، اطلع الموظف على بيان الحجز الإلكتروني، ليسمح له بعدها بالصعود إلى غرفته. لكن الموظف اكتشفَ أثناء التدقيق في الأوراق أن «النزيل» أجرى حجزاً من داخل «إسرائيل» وأن اسم عائلته بدا مختلفاً عما هو مدوّن في جوازه الأميركي. وورد بحسب وثيقة الحجز الأصلية التي حصلت عليها «الأخبار»، أن النزيل إسرائيلي الجنسية، ووجهة قدومه «إسرائيل»، طلب الحجز باسم شلومو سيزمنت (يعتقد أنه اسمه الحقيقي). كما تضمن الحجز أيضاً طلب غرفة لشخص واحدة لمدة 24 ساعة.
على الفور، خابر الموظف مدرائه، وجرى إبلاغ مركز قريب لاستخبارات الجيش. وأجريت اتصالات مع الأمن العام الذي أرسل دورية إلى الفندق، فتبين أن النزيل غادره للسير في شارع الحمرا، قبل أن توقفه الدورية. أخضعَ الموقوف للتحقيق بتهمة قدومه من «دولة مُعادية»، ووجهت أسئلة إليه حول طبيعة دخوله الأراضي اللبنانية وأسبابها والغاية منها ولماذا اختار اسمه الحقيقي لطلب الحجز الفندقي. وبحسب المصادر، ادعى «شلومو» أنه دخل لبنان عن طريق دولة الإمارات في إطار جولة يقوم بها تشمل فلسطين المحتلة والإمارات العربية المتحدة وقبرص ولبنان والعراق ودولاً أخرى. وكحال أي توقيف مشابه، أثار وجود المواطن الأميركي شكوكاً لناحية احتمال أن يكون مكلفاً بمهمة ما. ولكن، لسبب ما، أغلق محضر التحقيق وأفرج عنه بعد الاستماع إليه بناء على إشارة القضاء المختص، ليغادر ليلاً إلى الحمرا قاصداً الفندق نفسه حيث أبلغه الموظفون أنه لا مكان لديهم، فقرر الانتقال إلى فندق Lavender hotel حيث بات ليلته في الغرفة 602 قبل أن يغادر عند الخامسة والنصف عصر اليوم التالي إلى مقر الأمن العام حيث تسلم هاتفه ومن هناك إلى المطار ليغادر إلى دولة الإمارات.
وقالت مصادر أمنية رسمية إن خللاً حصل عندما عبر المسافر نقطة الأمن من دون تدقيق، إذ كان يفترض أن يلفت اسمه (شلومو) نظر العنصر المسؤول عن ختم جواز السفر. وأفادت المصادر بأن الفرع الفني في الأمن العام أفرغ محتويات هاتف الموقوف. وتضاربت المعلومات حول تضمنه فيديوهات تُظهر مشاركته في تظاهرات في القدس ضد الفلسطينيين، وهو ما نفته مصادر الأمن العام، التي أكدت أنه لم يُعثر في الهاتف على ما يثير الريبة، مشيرة إلى أنّ الارتياب الأساسي بشأنه كان مسألة قدومه إلى لبنان لمدة 24 ساعة. وذكرت أنّ مراجعة كاميرات الفندق بيّنت أنّه لم يقم بأي أمر من شأنه لفت النظر أو إثارة الشبهة، لكونه طلب كوباً من القهوة في اللوبي قبل أن يصعد إلى غرفته ثم خرج ليسير في شارع الحمرا.
من تدخل لإطلاقه؟
ما حصل أثار الارتياب وعلامات استفهام حول سلوك الأمن العام الذي لم يصدر بياناً يوضح الملابسات كما درجت العادة في أحداث مشابهة، إضافة إلى فرض تعتيم على آلية التحقيق ودور القضاء العسكري. وعزز هذه الشكوك ما كشفته صحيفة «جيروزاليم بوست»، أول من أمس، بأن شلومو أوقف للاشتباه به بالتجسّس لصالح «إسرائيل» وأن إخلاء سبيله أتى بعد ضغوطات مارسها مسؤولون أميركيون وأعضاء في الكونغرس.
وبينما لم تحسم المعطيات حول كيفية علم السفارة الأميركية بالأمر، قالت المصادر الرسمية إن العرف يقضي بأن يتصل الأمن العام بسفارة أي موقوف أجنبي ويبلغها بحالة التوقيف وسببها. لكن مصدراً آخر قال إن الموقوف طلب من المحققين السماح له باستخدام الهاتف وخابر السفارة الأميركية أثناء احتجازه، قبل أن تبادر الأخيرة إلى التحرك على مستويات رفيعة للإفراج عنه.
مصادر قضائية على صلة بالتحقيق، قالت إن قرار الإفراج عن «الأميركي» جاء بعد التثبت من عدم تخطيه للقوانين اللبنانية أو ضلوعه في أعمال تجسّسية أو ذات أبعاد أمنية. وأشارت إلى أنه لو كان ينوي تنفيذ عمل أمني، ما كان دوّن في طلب الحجز الفندقي تفاصيل خاصة به كجنسيته الأولى (الإسرائيلية) ومكان إقامته (إسرائيل). وفي المقابل، قدرت مصادر أخرى في حديث لـ«الأخبار» أن «شلومو» قام بالحجز الفندقي أثناء وجوده في الإمارات العربية المتحدة وليس في «إسرائيل»، وإن من تولى تقديم الحجز شركة تقديم خدمات سياحية إماراتية، ما يحتمل أن يكون «الجاسوس المفترض» على غير علم بما دون في طلب الحجز.
عبد الله قمح – الاخبار