رضوان مرتضى
أبلغ القاضي حبيب مزهر المحقق العدلي طارق البيطار بطلب رده المقدم من الوزير السابق يوسف فنيانوس، ما يعني تلقائياً كفّ يد البيطار مؤقتاً وتعليق التحقيق في ملف انفجار مرفأ بيروت لحين إبلاغ الخصوم والبتّ بطلب الردّ. فإذا قُبِل، يُنحّى القاضي، أو يستكمل عمله في حال ردّ الطلب، الأمر الذي قد يستغرق أسابيع طويلة. غير أنه تبيّن أن هناك ثغرة تتمثل بالتباس حصل في تكليف مزهر النظر في طلب الرد. فما هي القصة؟
تقدم الوزير السابق يوسف فنيانوس بطلب ردّ المحقق العدلي طارق البيطار أمام محكمة الاستئناف المدنية في بيروت للارتياب المشروع، فأُحيل طلبه أمام الغُرفة التي يرأسها القاضي نسيب إيليا. ولأن إيليا سبق أن أصدر قراراً في الدعوى نفسها، فذلك يعني إعطاءه رأياً مسبقاً في الملف ما يُحتّم تنحيه، ففعل. إلا أنّ الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف في بيروت حبيب رزق الله رفض تنحّيه في المرّة الأولى، من دون أن يُفهم سبب رفضه بداية، مع أنّ العُرف القضائي يُحتّم التنحّي.
في هذه الأثناء، قرر الوزير فنيانوس التقدّم عبر وكيله القانوني بطلب ردّ إيليا لإعطائه رأياً مسبقاً في الدعوى نفسها. علماً أنّ إيليا محسوب على حزب الكتائب قبل أن يحتضنه المطران الياس عودة، وهو ارتكب سابقة قضائية حين استحدث بدعة بقراره عدم إبلاغ الخصوم في طلب الرد السابق، في خطوة يعلم الجميع أنها تمت نتيجة تعرضه لضغوط سياسية وجراء خشيته من متظاهرين تجمهروا أمام منزله، ليُقرر أنّه «بالنظر إلى طبيعة طلب الرد وتداعيات على غير مستوى»، يجوز إلغاء أحد الإجراءات الأساسية المتمثلة بإبلاغ الخصوم، قبل أن يردّ الطلب شكلاً بذريعة «عدم الاختصاص النوعي».
عاد القاضي رزق الله وقبِل تنحّي إيليا ليُحال الملف إلى عضو مجلس القضاء الأعلى القاضي حبيب مزهر الذي كلّفه الرئيس الأول لمحاكم الاستئناف في بيروت ترؤس الغرفة الاستئنافية الثانية خلفاً لإيليا. وبناء عليه، عمد مزهر إلى إبلاغ طلب الرد للمحقق العدلي ووجوب توقفه عن العمل وإبلاغ الخصوم، مانحاً إياهم ثلاثة أيام لإبداء ملاحظاتهم.
وفق هذا القرار، يتم كف يد البيطار مؤقتاً ريثما يُصار إلى إبلاغ فرقاء الدعوى، ولحين بتِّ مزهر في طلب الردّ المقدم من فنيانوس. واستند مزهر في خطواته إلى مسوّغ قانوني، فتحدث عن مبدأ الوجاهية وحق الدفاع اللذين ينبغي احترامهما لتعلّقهما بالنظام العام القضائي. كذلك عمد مزهر إلى مخاطبة قلم المحقق العدلي طالباً منه إيداعه كامل ملف الدعوى للاطلاع عليه تمهيداً للبت بأسباب الردّ المثارة من طالب الرد ولتبيان أسماء الخصوم. وبدا أن مزهر تعمّد مخاطبة قلم القاضي بيطار تحت طائلة العقوبة إن لم يُستجب إلى طلبه، لكون البيطار كان يرفض سابقاً تسليم ملف التحقيق لأحد. حتى أنّه سبق أن رفض إعطاء الملف للنيابة العامة التمييزية للإطلاع عليه لتتمكن من إصدار مطالعتها بالدفوع الشكلية التي كان قد تقدم بها فنيانوس، مع أنّ ذلك حقّ مكرّسٌ لها قانوناً.
ووسط نقاشات جانبية تسود أروقة العدلية عن احتمال أن يكون تكليف مزهر النظر في طلب رد البيطار نتيجة لتسوية سياسية عقدها الرئيس نبيه بري مع البطريرك بشارة الراعي بعدما اقترح الأخير «ضبضبة» ملف جريمة الطيونة، تحدثت مصادر قضائية مواكبة للملف لـ«الأخبار» عن مجريات مختلفة. إذ أشارت إلى أنّ رزق الله كُلِّف النظر في طلب ردّ إيليا الثاني الذي تقدم به فنيانوس، قبل أن يتنحّى إيليا أصلاً، ولم يُكلّف مزهر بملف طلب رد البيطار. وهنا تقول المصادر أنّ التباساً نشأ بين رزق الله ومزهر ليدخل الأخير على ملف رد البيطار اعتقاداً منه بأنّه بمجرّد تنحي إيليا بات هو مكلّفاً النظر في الملف، ليتولى متابعته تلقائياً. ولا يُعرف إذا كان ذلك مختلقاً لفتح باب للهجوم على مزهر.
تجدر الإشارة إلى أنّ التباساً وقع فيه كثيرون معتقدين أنّ مزهر كفّ يد البيطار عن الملف، علماً أنّ مزهر لم يقم سوى بإبلاغ البيطار بالطلب المقدم لرده. بالتالي، فإنّ القانون ينصّ على أنّه فور تبلُّغه بالقرار تُكفّ يده مؤقتاً حتى صدور قرار المحكمة ليُكمل تحقيقه أو يُنحّى. تُضاف إلى ذلك مسألة ثانية، تتمثّل في أنّ مزهر حلّ مكان القاضي نسيب إيليا الذي يعاونه مستشارون سبق أن أعطوا رأيهم برفض طلب فنيانوس رد القاضي البيطار. فهل يُعقل أن يُبدّلوا رأيهم أم أنّهم سيتنحون لكونهم أعطوا رأياً مسبقاً في الملف نفسه؟ أما إذا كانوا باقين على قرارهم، فإنّ وجود مزهر لن يُغيّر كثيراً.
الأخبار