كلمة لنائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم خلال الاحتفال التكريمي الذي أقامه حزب الله لفقيد الجهاد والمقاومة الحاج مصطفى فوعاني (المختار) في حسينية بلدة كونين الجنوبية، بحضور مسؤول منطقة الجنوب الأولى في حزب الله الحاج عبد الله ناصر، وعدد من العلماء وعوائل الشهداء وفعاليات وشخصيات، وحشد من الأهالي، وقد جاء فيها:
إنني سأتحدث بأربع نقاط:
أولاً، تطالعنا ذكرى يوم الشهيد في 11 تشرين الثاني بعد أيام، يوم شهيد حزب الله، الشهيد الذي قلب المعادلة من خذلان إلى عز، ومن إحباط إلى أمل، ومن هزيمة إلى نصر، ومن استسلام إلى صمود وموقف، فنحن لم نعرف في تاريخنا هذا المستوى من العز إلاّ ببركة الشهداء وعطاءاتهم وعوائلهم والجرحى وكل المجاهدين الذين عملوا بهذه البيئة التي حضنت أولئك الذين قاموا في طاعة الله تعالى.
إن بلدة كونين لها تاريخ عريق في هذه المساهمة العظيمة في درب الشهداء، حيث أسر المجاهدون في سنة 1986 جندين إسرائيليين ببراعة وثبات، واحتلت إسرائيل 17 قرية خلال ستة أيام، ثم اضطرت أن تخرج بسبب دفاع المجاهدين، وفي وقتها كان الأمر معقّد وصعب جداً، وكانت النتيجة أن حصل تبادلاً بهذين الجنديين، مرة على معلومات عن حياتهم أو موتهم، ومرة تم التبادل بهما، وخرج عدد من الأسرى وأجساد الشهداء والأخوات المعتقلات في أنصار، وعليه، فإن هذه البلدة بمجاهديها وعوائلها هي واحدة من البلدات المضيئة في ساحة الجهاد والشهادة، وقد أثبت هذا الخط أنه قادر على أن يصنع لنا المستقبل.
إننا نستطيع أن نقول اليوم بالفم الملآن، إن أشرف قضية هي قضية المقاومة، لأنها ترفع من مقامنا، وتحرر أرضنا وإنساننا، وتعيد لنا كرامتنا، وتهيء المستقبل لأطفالنا، وأما أولئك الذين يسارعون إلى التطبيع مع العدو الإسرائيلي، سواء بشكل علني أو بشكل سري أو بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، فإنهم يخونون قضية فلسطين وقضية الأمة ومستقبل الأجيال، ونحن ندعوهم إلى نصرة أجيالهم وبلدانهم، لأنهم إذا ظنوا أنهم بالتطبيع يحافظون على ممالكهم ومستقبلهم، فهم خاطئون، لأن إسرائيل ما دخلت بلداً ولا تعاملت مع نظام إلاّ وأصبحت هي الممسكة وهي التي تغيّر وتبدل، ولذا سنسمع في القريب العاجل ربما في السنوات القادمة، كيف أن إسرائيل أقالت أميراً وغيرت أمير، وبدّلت ملكاً، وجاءت بملك آخر على قاعدة أن إسرائيل إذا دخلت بلداً، تحكمت به، خاصة أنها مدعومة من أميركا، وأن دول العالم الكبرى تتآمر مع إسرائيل، لتوسع من سيطرتها ونفوذها، ولكن إن شاء الله لا نرى هذا اليوم، لأنه نكون قبلها قد انتهينا من إسرائيل، فلا نحتاج أن نراها تبدّل الأمراء وتغيّرهم.
ثانياً، لقد سببت السعودية مشكلة للبنان، عنوانها الاعتراض على تصريح لوزير الإعلام جورج قرداحي قبل أن يكون وزيراً، اعتبر فيه أن ما يحصل في اليمن هو حرب عبثية، فهذا الموقف السعودي الظالم في مواجهة الوزير قرداحي الشريف الواضح في فكره وقناعاته والذي لم يخطئ لا بحق المملكة ولا بحق غيرها، هو موقف عدواني على لبنان.
نحن نفهم أن بلداً يسحب سفراءه لأنه حصل على سبيل المثال مشكلة عسكرية أو قتل وقتال أو اعتداء معيّن، ولكن لبنان لم يفعل شيئاً، وكل ما في الأمر أن تصريح عادي من التصريحات التي يقولها أي إنسان، ولبنان بلد الحريات، ومن حق أي شخص أن يقول رأيه في الحرب مع أو ضد، مؤيّد أو معارض، وهذا لا يبدّل ولا يغيّر في الأمر شيئاً، وقد تبيّن بعد ذلك من خلال تصريحات وزير الخارجية السعودية، أن المشكلة لديه هي حزب الله ووجوده في لبنان وقدرته في لبنان، ولكن احتاروا كيف يدخلون على البلد بمحاولة اعتداء، ولا دليل ولا مشكلة مباشرة مع حزب الله، فاختاروا طريق تصريح عادي، ولكن لأنه انكشف أنه ادعاء سخيف ولا قيمة له، اضطروا أن يوضّحوا بأن المشكلة هي مع حزب الله.
إن السعودية قامت بكل الإجراءات السلبية من دون سبب وجيه، وخلافاً لكل الأعراف الدبلوماسية، ومن دون احترام لا لوزارة الخارجية ولا لرئاسة الوزراء، ولا إعطاء علم، بل طرد السفير اللبناني في السعودية طرداً، وهذا كله يعتبر في خانة الإساءة من السعودية للعلاقات مع لبنان.
لبنان لم يرتكب شيئاً، وليس مسؤولاً عن شيء، وليس مطلوباً من المعتدى عليه ألا وهو لبنان أن يتنازل ويتذلّل ويعتذر، بل المطلوب من المعتدي الذي هو السعودية أن تتراجع وتعتذر للشعب اللبناني، وهذه فضيحة إذا ارتكبتها السعودية.
نحن في كل الأوقات كنا مع علاقات عادية وطبيعية مع السعودية ومع غيرها لكن بكرامة، ولا نقبل أي علاقة فيها شروط أو إملاءات، وإنما علاقة بين دولتين مستقلتين، وهذا هو لبنان اليوم إذا كانوا لا يعرفونه، لبنان القوي الحر السيد المستقل الذي حرر أرضه، ورفع رأسه، وطرد إسرائيل والتكفيريين.
إننا نقول لبعض المسؤولين في لبنان، خففوا من الانبطاح أمام المتجبرين، لأن هؤلاء لا يرضيهم شيئاً، وإذا أعطيتموهم بذل، سيطلبون الأكثر، وهم ليسوا على حق، ومن هنا ندعو إلى معالجة موضوعية، والمسؤولية تقع على السعودية، وعلى كل حال فإن السعودية ليست راضية لا عن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ولا عن كل الحكومة، ولم تكن راضية عن تشكيل الحكومة السابقة من قبل الرئيس سعد الحريري، وبالتالي لا يرضيها شيء من كل هذا التشكيل القائم، لأن لديها رئيساً للحكومة كانت تريده في لبنان، ولم يتمكّن من أن يصل إلى الرئاسة.
ثالثاً، إننا كنا من أكثر المتحمّسين لتشكيل الحكومة اللبنانية، وكنا نطالب دائماً بتعجيل ولادتها، ومن البداية سهلنا لها، ولم نضع شروطاً، وارتحنا بعد أن تشكلت بعد تأخير طويل لم نكن سبباً له، والآن حصلت مشكلة أدت إلى أن تتوقف اجتماعات الحكومة، والمطلوب أن تبادر الحكومة إلى معالجة المشكلة، لا أن تجلس جانباً، فالحكومة هي مسؤولة عن مسار البلد وسياساته وعن عدم إيصاله إلى التعقيدات والمشاكل والفوضى.
اليوم نحن أمام محقق عدلي هو طارق البيطار، يتصرف باستنسابية وعمل سياسي، ويستهدف جماعات محددة، ويعمل خلافاً للقانون، وبالتالي يجب أن نفتش عن حل لهذه المعضلة والمشكلة، فعندما تكون هناك 14 دعوى للرد والارتياب المشروع ضد هذا القاضي، فهذا يعني أنه مشكلة، وبالتالي يمكن أن يُفتّش عن قاضٍ آخر وتحل المشكلة، وأما أن يتفرّج البعض أو يدعي أنه يريد الحقيقة، فليس بهذه الطريقة تحصل على الحقيقة، فالحقيقة تتطلب قاضياً نزيهاً عادلاً لا يسيّس عمله، ويكون الأطراف المعنيّون راضين عن تكليفه ومتابعاته.
إن فتنة القوات اللبنانية في الطيونة هي من نتائج القاضي بيطار، الذي كاد أن يجر البلد إلى حرب أهلية لولا حكمة وصبر ودقة عمل حزب الله وحركة أمل، بحيث سحبا الفتيل من الشارع لمصلحة أن تستمر الحياة طبيعية في البلد.
رابعاً، نحن متمسكون بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، وسنعمل لنجاحها، ولنثبت مرة جديدة مدى شعبيتنا وثقة الناس بنا، ونقول لمن يستنجدون بالخارج، ويقبضون الأموال من السفارات، ويأخذون التوجيهات، ويستخدمون الأجانب من أجل الضغوطات والعقوبات وتشويه الصورة، ويستغلون مواقع الدولة من أجل الإساءة لبعض الأطراف، لم تنفعكم كل هذه الأحابيل في تعديل موقعكم الانتخابي، لأن الانتخابات هي من الشعب، وهذا الشعب الطيب لن يعطي إلاّ لمن يؤمن به ويقتنع به.
نحن واثقون من شعبنا، ونعتبر أنه سيوصل إلى الندوة البرلمانية من هو كفؤ ومن وجدير أن يمثّله، وكل هذه الأعمال التي تأتي بالخارج لقلب الكفة، لن تؤدي إلى نتيجة إن شاء الله تعالى، لذلك نحن متمسكون بالانتخابات النيابية، ونعتبر أنه يجب أن نشارك في العملية الانتخابية، وننتخب، ونثبت مرة جديدة بأن كل الدعايات والادعاءات والحصار والأعمال الشنيعة ضدنا، لا يمكن أن تقدّم ولا أن تؤخر، وفي النهاية من يكون في ثلاثي الجيش والشعب والمقاومة، ينجح في الجبهة وفي الانتخابات وفي كل المواقع.