فؤاد بزي
انتهى اجتماع روابط أساتذة التعليم المهني والأساسي الذي عُقد أول من أمس مع وزير التربية والجهاز الإداري فيها على “تربيح جميلة” بمضاعفة بدل المراقبة خلال الامتحانات الرسمية مرتين، في مقابل محاولات لتمرير فكرة عدم دفع نصف الراتب خلال أشهر الصيف كونه مرتبطاً بالحضور، بينما يكون الأساتذة في إجازة. نبرة عالية طغت على حديث موظفي الوزارة مع الأساتذة والروابط ممثلةً برؤسائها، منعاً للسؤال أو الاعتراض عن بدلات الانتخابات المتأخرة. وفي نهاية الاجتماع “هجوم على الصورة التذكارية”، وسباق على إرسال البيانات الواتسآبية للتأكيد على حوافز أصبحت أشبه بالشحادة وفرصة لفرض أعراف على الأساتذة مخالفة للقوانين، ومحاولة تعميم أجواء إيجابية غير موجودة لتمرير الامتحانات الرسمية كما مُرّرت الانتخابات.
هذه هي الأجواء التي يتناقلها الأساتذة في ما بينهم على أبواب استحقاق الامتحانات الرسمية، فيما لا يزالون ينتظرون تقاضي بدل أتعابهم عن مشاركتهم في تسيير أمور العملية الانتخابية.
دولة توزيع الوعود
انتهى شهر أيار ومرّ الأسبوع الثاني على إنجاز موظفي الدولة الانتخابات النيابية التي لم تكن ممكنة لولا مشاركتهم، المتنوّعة بحسب الأسلاك (قضائية، عسكرية أو إدارية). وبعدما كانت الدولة قد وعدت عبر وزارتي الداخلية والمالية بصرف بدلاتهم عند انتهاء العملية، من دون أن تصدق إلّا مع السّلك العسكري إذ تقاضى العسكريون صباح اليوم الانتخابي مستحقاتهم، لم يحصل الموظفون المدنيون إلّا على وعود تتلاشى قيمتها مع تهاوي قيمة العملة الوطنية.
وزّعت الوزارات المعنيّة بالعمليّة الانتخابية الوعود يميناً ويساراً قبل الانتخابات، فاجتمع وزير المالية مع رابطة التعليم الثانوي وقال: “إنّ مستحقات الأساتذة المشاركين لن تتأخر”. ووعدت وزارة الداخلية الموظفين المكلّفين بدفع المستحقات على الشكل الآتي: رؤساء الأقلام 3.600.000 ليرة، الكتبة 3.400.000 ليرة وذلك عند تسليم صناديق الاقتراع بعد انتهاء العملية الانتخابية مباشرةً في سرايات الأقضية، ولكن لم تتحوّل الوعود إلى حقائق وبقيت في خانة السّراب مع تراجع الداخلية الأول قبل انطلاق العملية الانتخابية والقول إنّ “المستحقات ستتأخر لأسبوع واحد حتى انتهاء عملية الفرز”، وبدأت الأسابيع بالتوالي والليرة بالانهيار، ثمّ فجأةً تحوّل النقاش من سرعة الدفع نحو مكان الدفع، وتمّ إلهاء الموظفين وتضليلهم بقنابل دخانية من نوع أنّ القبض سيكون من السّراي الذي تسلّموا منه التكليف، “فأكلوا الطعم” حسب إفادة مشارك في الانتخابات، وبدأوا بالبحث عن طرق للوصول إلى سراي القضاء حيث فُرزوا وموعد القبض لم يُحدّد بعد.
لا أموال في المالية
14887 موظفاً ينتظرون صدور آلية الدفع التي تأكّد فيها أمر واحد حتى الآن، وهو أنّهم سينتقلون للمرّة الثالثة إلى سرايات الأقضية في المناطق لقبض مستحقاتهم متكبّدين المزيد من المصاريف واستهلاك البنزين والسّيارات للحصول على 128 دولاراً (والقيمة آخذة في الانخفاض). وبحسب أستاذة انتقلت إلى منطقة صور خلال الانتخابات “دفعت مليوناً وخمسمئة ألف ليرة يوم الانتخاب بدل وقود فقط، واليوم سأدفع ما يزيد عن ستمئة ألف ليرة لتسلّم مستحقاتي”. ما يمكن أن تفعله وزارة الداخلية لتسهيل الأمر على الموظفين السماح بأن يتقاضى الزملاء مستحقاتهم بعضهم عن بعض عبر إبراز صور هوية الزميل(ة) مع تفويض خطي منه. في المقابل، يتساءل العديد من الموظفين عن سبب عدم إرسال الأموال إلى السّراي الأقرب لأماكن السّكن سيّما أنّ عناوينهم واضحة تماماً لدى الإدارة العامة، وهذا موضع تشاور اليوم بين وزارتي الداخلية والمالية. لكن ما ورد لن يتحقق، في حال صحّت الأخبار الواردة من وزارة المالية عن عدم وجود أموال لدفع هذه البدلات، واليوم بحسب مصادر جريدة «الأخبار» هناك جهد يُبذل لـ”جمع الأموال من هنا وهناك، ويحتاج الأمر إلى أيام إضافية قبل أن يتأمّن المبلغ المطلوب”.
تعويضات زهيدة
من هنا يسأل الأساتذة الذين أخذوا بصدورهم تنفيذ استحقاق الانتخابات النيابية، من دون مقاطعة، عن موازنة الامتحانات الرسمية بعد صدور قرار عن وزير التربية حدّد فيه التعويضات للعاملين فيها للشهادتين الثانوية والمتوسطة. فهم يعملون بشكل شبه مجاني على كلّ المستويات، وهناك توجه يتنامى بينهم، من دون أن يكون منظّماً حتى السّاعة بعدم المشاركة ولا سيّما “بعد طُعم الانتخابات” حسب ما يعبّر إبراهيم أستاذ التعليم الثانوي، الذي يضيف: “الأرقام مهينة حقاً كيف لنا أن نذهب إلى المراقبة بـ160 ألف ليرة فقط عن كلّ نهار، فالوصول إلى مركز الامتحانات يتطلّب منّا دفع مبلغ أكبر بسبب ارتفاع سعر البنزين وبُعد المسافات، فنحن نتوزّع على مناطق بعيدة عن الأماكن التي نُدرّس فيها، وتكلفة سيارة الأجرة ذهاباً وإياباً أعلى من قيمة البدل”، ويسأل “أين هي الروابط التي منعتنا حتى من التفكير في مقاطعة الانتخابات النيابية”؟
أمّا بالنسبة إلى تصحيح المسابقات، فالبدلات على عكس تلك الخاصة بالمراقبة، لم تتغيّر حتى عن العام الماضي، ويُبدي الكثير من الأساتذة ندمهم على كتابة عبارة “أرغب بالمشاركة” على الجداول التي وردت في بداية العام الدراسي إلى المدارس والثانويات، وتبعاً للتقليصات التي حصلت على المناهج تقلّص الوقت المخصّص لكلّ امتحان ما أدى بالتالي إلى انخفاض البدل المخصّص للتصحيح، على سبيل المثال يُدفع على تصحيح مسابقة الكيمياء للمرحلة الثانوية (فرعي علوم الحياة والعلوم العامة) 5750 ليرة فقط ويُمنع الأستاذ من تصحيح أكثر من 50 مسابقة كلّ 4 ساعات ما يجعل حاصل يوم عمل يساوي 287500 ليرة لبنانية.
مقاطعة التصحيح؟
هذه الأرقام دفعت الأساتذة في العام الماضي لمقاطعة التصحيح جزئياً، ودفعت الوزارة إلى نقل مسابقات من منطقة إلى أخرى لتصحيحها (نُقلت مسابقات الكيمياء من بيروت إلى الشمال). ولو قارنّا الوضع الاقتصادي اليوم بما كان عليه منذ سنة لأمكننا القول بأنّنا سنكون أمام حركة مقاطعة أكبر هذه السّنة.
حتى اليوم تتعامل وزارة التربية مع الاستحقاقات التربوية وكأنّنا في عام 2018، ما قبل الأزمة، لناحية الطلبات التي لا تنتهي من الأساتذة أو اعتبار أنّ ما يحصلون عليه من مستحقات هو أكثر من كافٍ للقيام بواجبهم وحبة مسك، وفي حال هدّدوا أو ارتفع صوتهم توجّهت الوزارة نحو الاستعانة بكلّ الخارج مثل المرسوم الأخير المتعلّق بالسّماح لأساتذة القطاع الخاص بمراقبة الامتحانات الرسمية مع ما أثاره من حنق شديد لدى أساتذة القطاع العام الذين شعروا بأنّهم طُعنوا في الظهر من زملائهم.
الاخبار