حسان الحسن – الميادين –
هناك أكثر من 100 ألف نازح من المسجلين لدى الأمم المتحدة، غادروا عبر مطار بيروت الدولي على دفعاتٍ منذ العام 2011 حتى آب/أغسطس الفائت.
الحكومة اللبنانية حسمت أمرها، وأعادت ملف عودة النازحين السوريين من لبنان إلى بلادهم، إلى عهدة المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، وسط استمرار السجال الحاد بين فريق عمل رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، ووزير شؤون المهجرين في حكومته، عصام شرف الدين، من جهة، وبينه وبين وزير الشؤون الاجتماعية هيكتور حجار من جهةٍ ثانيةٍ، في شأن الملف المذكور آنفاً، تحديداً لجهة صلاحيات الوزارة المختصة في متابعة هذا الملف، على اعتبار أن متابعة شؤون النازحين، هي من اختصاص وزارة الشؤون الاجتماعية، كونها على تنسيق مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في الأمم المتحدة، ومختلف المنظمات غير الحكومية والجمعيات، التي تعنى بإغاثة النازحين.
كذلك، تتابع الوزارة المذكورة، شأني إحصاء هؤلاء النازحين، وتحديد أماكن إقامتهم مع جهاز الأمن العام اللبناني أيضاً. وفي الوقت عينه، يؤكد وزير المهجرين أنه حاز على تكليفٍ رسميٍ، بالتنسيق مع الجانب السوري، لإعادة النازحين إلى بلادهم، متهماً ميقاتي بعرقلة العودة المأمولة، نتيجة ضغوط خارجية على رئيس الحكومة، صاحب المصالح المرتبطة بالخارج، لذلك سيعرقل إتمام العودة، خوفاً على مصالحه، واسترضاءً لدول الغرب التي نصّبته رئيساً للحكومة، التي تمنع بدورها هذه العودة، وتربطها بـ “الحل السياسي” للأزمة السورية، بحسب أوساط شرف الدين. ناهيك بالأرباح الطائلة التي تحققها بعض الجمعيات، وسواها من الجهات والأشخاص المستفيدين من أزمة النزوح السوري إلى لبنان.
وفي الحقيقة، فإن كلام شرف الدين، لم يأت من فراغ. ولا ريب في أن التجارب مع ميقاتي غير مشجعةٍ على الإطلاق. وهنا، يذكر أن في العام 2013، في عهد الرئيس العماد ميشال سليمان، وخلال تولي ميقاتي رئاسة حكومته الثانية، طرح المجلس الأعلى اللبناني- السوري، بشخص أمينه العام نصري خوري، على الحكومتين اللبنانية والسورية، مبادرة لإعادة النازحين المنتشرين في لبنان إلى ديارهم السورية، على أن يصار بعدها إلى تسمية لجنة مشتركة لبنانية- سورية، للتنسيق بين الجانبين، لتسهيل العودة، غير أنه بعد موافقة دمشق على هذه المبادرة، انسحب منها الجانب اللبناني، بذريعة ممارسة ضغوطٍ خارجيةٍ على الحكومة اللبنانية آنذاك، لثنيها عن تسهيل العودة المرتجاة.
إذاً، ما يقوله شرف الدين ليس غريباً عن ممارسات ميقاتي، فحتى الساعة، لم تعقد حكومته اجتماعاً واحداً على مستوى وازنٍ مع الحكومة السورية، للتنسيق في شأن المصالح والشؤون المشتركة بين البلدين، من أجل تفعيلها، وفي مقدمة هذه الشؤون، ملف عودة النازحين، الذي يشكل عبئاً كبيراً على الخزينة اللبنانية، في وقت يعاني لبنان أزمةً اقتصاديةً ومعيشيةً غير مسبوقةٍ في تاريخه الحديث.
فقد أصبح 82% من اللبنانيين تحت خط الفقر، و91 % من النازحين السوريين كذلك، جلّهم مقيم في المخيمات والأكواخ في الظروف المناخية القاسية، ويبلغ مجمل عددهم المسجل رسمياً نحو 863 ألف نازح، بحسب أرقام جهة رسميةٍ لبنانيةٍ معنيّة بملف النزوح. وتكشف أن حجم مجمل المساعدات المخصصة للنازحين إلى لبنان، لم يتعد 8 مليارات دولار منذ اندلاع الأزمة السورية في منتصف آذار/مارس 2011 حتى العام 2022، علماً بأن أعباء النزوح إلى لبنان، رتّبت على الخزينة نحو 45 مليار دولار، وفقاً لتقديرات جهات رسمية لبنانية معنيّة، من خلال استفادة هؤلاء النازحين من الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة وفي طليعتها مصرف لبنان، وشركة الكهرباء والبلديات، كدعم المحروقات، والطحين، والدواء، والكهرباء من دون رسوم، ورفع النفايات عن الطرق، على سبيل المثال، لا الحصر.
ويبدو أن الحكومة اللبنانية متجهةً إلى رفع الدعم عن الطحين أيضاً عاجلًا أو آجلاً، ما سيفاقم الأزمة المعيشية، ويرفع منسوب الجريمة في البلد، والتي ارتفعت أصلاً بفعل النزوح. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومات اللبنانية المتعاقبة، كانت ولا تزال توقع على “خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية”، وهي أحد برامج الأمم المتحدة لدمج النازحين في المجتمع اللبناني. ولحفظ “ماء الوجه” أمام الرأي العام اللبناني، وقّعت الحكومات على هذه الخطة، مكتفيةً بكلمة “بتحفظ على صفة لاجئ بدلاً من نازح”.
وفي هذا الصدد، ضبط الأمن العام أكثر من 200 ألف نازح سوري في لبنان، كانوا يحملون بطاقة لاجئ من الأمم المتحدة، بحسب تأكيد معلومات رسمية.
إثر هذا السجال العقيم المذكور آنفاً، عاد ملف النازحين إلى الجهاز الأمني المعني بمتابعة أوضاع الأجانب الموجودين في لبنان عموماً. كذلك، فإن الآلية الوحيدة عملياً لعودة النازحين تمر عبر طريق الأمن العام. والأهم من ذلك، يكتب للأمن العام واللواء إبراهيم تجربة ناجحة في تأمين عودة النازحين إلى بلادهم، بعدما أعاد نحو 15 ألف نازحٍ مسجلٍ لدى مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، ما بين العامين 2018 و2019، ضمن قوافل العودة، غير أن تفشي جائحة كورونا، حال دون الاستمرار في عملية إعادة النازحين التي بدأها الأمن العام.
وفي السياق، لا بد هنا من الإشارة، إلى الأرقام التقديرية للنازحين العائدين من لبنان إلى سوريا منذ بدء الأزمة السورية في العام 2011 وحتى آب/أغسطس الفائت من العام 2022، وفقاً لمعلوماتٍ رسميةٍ، وهي على الشكل الآتي: هناك نحو 15 ألف نازح من المسجلين لدى الأمم المتحدة، أعادهم الأمن العام ما بين 2018 و2019، كما ورد آنفاً، كما سجّلت خلال العامين المذكورين، عودة نحو 50 ألف نازحٍ من غير المسجلين.
وهناك أكثر من 100 ألف نازح من المسجلين لدى الأمم المتحدة، غادروا عبر مطار بيروت الدولي على دفعاتٍ منذ العام 2011 حتى آب/أغسطس الفائت. وهناك نحو 7 آلاف نازح أعادتهم الأجهزة الأمنية اللبنانية إلى سوريا، عملاً بقرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في 24 نيسان/أبريل 2019 الذي يمنع دخول السوريين بطريقة غير شرعية. وسجّلت أخيراً، عودة نحو 15 ألف نازح من المسجلين ما بين العامين 2021 و2022.
تجدر الإشارة إلى أن هذه الأرقام ليست نهائية، بل تقديرية.
وفي السياق، يكشف مرجع قريب من محور المقاومة أن لديه معطياتٍ تؤكد أن هناك مباركةً عربيةً لعودة الملف إلى عهدة اللواء إبراهيم، لما لديه من علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المعنية بهذا الملف، أضف إلى ذلك، أنه يتمتع بمهارةٍ عاليةٍ في إدارة التفاوض، فقد حقق نجاحاتٍ عديدةٍ، كتحرير راهبات معلولا من الخطف، لدى “جبهة النصرة” في تنظيم “القاعدة” في العام 2014، هذا على سبيل المثال لا الحصر.
ولكن العامل المستجد والأهم الذي طرأ على الملف، هو التأييد العربي للبحث الجدي في عملية إعادة النازحين السوريين إلى ديارهم.
ويوضح المرجع عينه، أن التطور في الموقف العربي، جاء في إطار الرد على “الاندفاعة التركية” تجاه سوريا، بدعمٍ روسيٍ-إيرانيٍ، أو للحد من تأثيرها على الأقل، ومن حضور هذه الدول الثلاث في المنطقة، على حد تعبير المرجع.
وتعقيباً على ما ورد آنفاً، تحديداً لناحية “الدعم العربي” لعودة النازحين، تلفت أوساط المعارضة السورية إلى أن لا معلومات لديها في هذا الشأن حتى الساعة، وليس هناك أي تطور يلوح في الأفق، على حد قولها. وتعدّ إعادة الملف إلى اللواء عباس إبراهيم، أمراً متعلقاً بالتوازنات الداخلية اللبنانية، على اعتبار أنه موثوق به من غالبية الأفرقاء اللبنانيين، خصوصاً المتخوفين من دمج النازحين في المجتمع اللبناني، كالكنيسة المارونية، على سبيل المثال لا الحصر.
وهنا، تؤكد المصادر المعارضة أن الوضع المعيشي في لبنان بات صعباً ومرهقاً، خصوصاً بعد رفع الدعم عن المحروقات، وانقطاع الكهرباء والماء، وفقدان الخبز أحياناً، لذا فإن جلّ النازحين الموجودين في لبنان، يطمحون بالهجرة إلى أوروبا، لا أكثر من ذلك، تختم المصادر.
أما في شأن الموقف السوري الرسمي من هذا “التطور”، فهو واضح من دون أي التباس، فالدولة السورية أزالت كل العوائق أمام العائدين، كذلك قدمت جميع التسهيلات، وهذا ما أكده وزير الخارجية والمغتربين السوري فيصل المقداد، للمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي، خلال لقائهما الأخير، في الأيام القليلة الفائتة.
يذكر أن “المفوضية” جهزت، وما تزال، المدارس اللبنانية، لاستقبال التلامذة النازحين للعام الدراسي المقبل، ما يسهم في عرقلة “العودة”. فمعلوم أن عائقاً أساسياً يحول دون عودة النازحين من لبنان إلى سوريا، هو المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية وغير الحكومية إلى النازحين في لبنان، إذ يرفض نحو 500 ألف نازح سوري منتشرين في لبنان، أي (الثلث) تقريباً العودة فقط بسبب تلقيهم المساعدات، وليس لأي سببٍ آخر.
ويعزو سبب استمرار تدفق المساعدات الدولية على النازحين، إلى حثهم على عدم الاستجابة لكل المبادرات الرامية إلى عودة اللاجئين إلى بلادهم قبل عقد تسويةٍ سياسيةٍ في المنطقة.
أما في ما يخص دور السلطات اللبنانية في تأمين “العودة”، فهي ملزمة حكماً بالتواصل مع الحكومة السورية، لتسجيل زيجات، وولادات النازحين في لبنان لدى الدوائر المختصة في سوريا، ولإصدار بطاقات الهويات السورية لمن فقد هويته من النازحين إلى لبنان، وسواها من مستلزمات “العودة”.
ولكن، لم تتخذ الحكومة اللبنانية أي خطوةٍ جديةٍ وفعليةٍ في هذا المجال.
في المحصلة، في حال صدقت المعلومات بشأن المباركة العربية لإعادة النازحين السوريين إلى ديارهم، ولم تكن إعادة تكليف اللواء إبراهيم بمتابعة ملف إعادة النازحين، بهدف سحب هذا الملف من التداول السياسي فحسب، إثر السجال المذكور أعلاه، هل تبقى الجهات اللبنانية المتضررة من نجاحات المدير الأمن العام مكتوفة اليدين، أمام استمراره في تحقيق الإنجاز تلو الإنجاز، ما قد يؤهله لأن يؤدي دوراً سياسياً بارزاً، بعد إحالته إلى التقاعد من وظيفته الحالية؟الميادين