على رغم الستار الكثيف من الكتمان الذي يغلف مجريات الاتصالات والمشاورات لتأليف الحكومة الجديدة والتي يبدو ان الرئيس المكلف مصطفى أديب يحرص على إبقائها في منأى عن الاستنزاف الإعلامي اليومي ولعبة حرق الأسماء، بدأت تتجمع معطيات جدية في شأن الأسبوع الثاني والنهائي من “مهلة ماكرون” لانجاز تشكيل الحكومة بما يفترض معه توقع الولادة الحكومية في نهاية الأسبوع الحالي او مطلع الأسبوع الطالع على ابعد تقدير، ذلك ان البارز في ما تسرب لـ”النهار” من معطيات عن مناخ استحقاق تشكيل الحكومة يتمثل في ان مهلة الأسبوعين التي اتفق عليها بين الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والقيادات السياسية والحزبية اللبنانية في قصر الصنوبر تفترض ولادة الحكومة ما بين 16 و20 أيلول الحالي كحد اقصى الامر الذي يضفي على العد العكسي الجاري لانجاز استحقاق التأليف جدية استثنائية لم يسبق ان جرت عملية تشكيل حكومة في ظل مهلة مماثلة لها وبهذا الالتزام السياسي شبه الجماعي اقله امام الرئيس الفرنسي.
وتبعا لذلك ترجح المعطيات المتوافرة لـ”النهار” ان يضع الرئيس المكلف تصوره الأول لتركيبته خلال الساعات المقبلة وان يزور رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لاطلاعه عليه. وبات في حكم المؤكد تقريبا ان الرئيس المكلف الذي لم يقتنع بتركيبة حكومية موسعة من 22 او 24 وزيرا كما اقترح عليه الرئيس عون في لقائهما السابق يتجه الى وضع تصوره من 14 وزيرا لاختصاصيين غير حزبيين وغير منتمين سياسيا الى أي جهات ويعتمد اختيارهم على معيار الاختصاص والكفاءة. وفي المعلومات أيضا ان أديب يتولى الاتصالات اللازمة بالمرشحين المحتملين لتولي حقائب وزارية من داخل لبنان وخارجه أيضا تبعا للاختصاصات وأصحاب الكفايات.
ومن النماذج على محاولات استقطاب أصحاب كفاءات عالية ان البروفسور جمال الأيوبي رئيس مركز الجراحة النسائية وطفل الأنبوب في جامعة باريس المعروف أيضا بنشاطه البارز مع الإدارة الفرنسية في تقديم الدعم الصحي والطبي والاستشفائي الى لبنان تلقى اتصالات من الرئيس المكلف في مجال اقتراح انضمامه الى الحكومة العتيدة ولكنه اعتذر متعهدا المضي بلا كلل في توفير كل مجالات الدعم للقطاع الصحي والاستفائي في لبنان. كما ان أديب يبدو حريصا على استكمال فريق اختصاصيين منسجم ومتماسك ما لم تخترق الحسابات السياسية او بعضها خطته. وتفيد معلومات في هذا الصدد بان أديب يراهن على ان يلاقيه الافرقاء كما وعدوا بالتسهيلات لتأليف فريق عمل منتج ومنسجم ولكن اذا تعذر عليه تشكيل هذا الفريق الوزاري بسبب قيود او شروط فانه سيعتذر عن تأليف الحكومة . ويبدو كما توافرت معلومات لـ”النهار” ان ثمة معطيات برزت في الساعات الأخيرة تشير الى امكان قبول الثنائي الشيعي باعتماد المداورة في الحقائب بما يعني قبوله بذهاب وزارة المال الى غير وزير شيعي وذلك لقطع الطريق على أي فريق اخر للتمسك باي حقيبة كما ان الأحزاب والقوى السياسية لن تسمي مرشحين. وتشير هذه المعطيات الى ان “حزب الله” يبدي حرصا شديدا على عدم اغضاب الجانب الفرنسي اذ يبدي الحزب ارتياحا كبيرا لوساطة ماكرون.
حكومة اختصاصيين: حتى الآن، يمكن الجزم بأنّ نوع الحكومة لم يُحسم بعد، إذ ما زالت تركيبتها متأرجحة بين رغبة رئيس الحكومة المكلّف وقناعته بحكومة اختصاصيين وفريق عمل متجانس، وبين رغبة اطراف سياسية بحكومة تكنوسياسية اكثريتها من الاختصاصيين واصحاب الخبرة والكفاءة، مع اقلية محدودة جداً من السياسيين، وهذا ما يُطالب به رئيس الجمهورية والثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر.
وفي الموضوع، لفتت مصادر معنية بالملف الحكومي لـصحيفة “الجمهورية”، إلى أن كفة الاختيار بين هذين الامرين، قد تميل الى التسليم بحكومة اختصاصيين متفاهم عليها بين الجميع.
وقالت المصادر: “انّ التزام الاطراف جميعهم بالمبادرة الفرنسية وانجاحها، والتعجيل في تشكيلها، يضاف اليه الضغط الخارجي الكبير، وتحديداً من قِبل الفرنسيين للتعجيل بالحكومة، يُضعف اي احتمال لأي اشتباك حول شكل الحكومة، او اي اصرار على اشراك سياسيين فيها. وبما انّ التوجّه العام لدى مختلف القوى السياسية هو تجنّب الدخول في عملية شدّ الحبال، كما كان يحصل من قبل حول الحكومة بشكلها وتركيبتها واسماء وزرائها وتوزيعة حقائبها، فعلى قاعدة التسهيل، من غير المستبعد التسليم بالذهاب بسلاسة الى حكومة اختصاصيين بالكامل، مؤيّدة بغطاء سياسي من خارجها، ممتد على كل القوى التي سمّت اديب لرئاسة الحكومة”.
وتخالف المصادر ما يُقال عن انّه في الذهاب الى حكومة اختصاصيين، كسراً لأي طرف، او انّ هذه الحكومة هي حكومة تكنوقراط تشبه بشكل او بآخر حكومة حسان دياب بتركيبتها.
لا اسماء: ولفتت مصادر “اللواء” الى ان لا اسماء حسمت كما ان موضوع الفيتو في ما خص بعض الأسماء المتداولة عار من الصحة لان الرجلين لم يدخلا بعد في الاسماء. وقالت ان ما يطرحه الرئيس المكلف على الرئيس عون يبحث وفق الاصول المتعارف عليها. حتى ان “حكومة اختصاصيين” التي يفضلها الرئيس المكلف، لم تحظ تماماً، بموافقة رئيس الجمهورية. تفضل أوساط بعبدا التفاهم على الأسماء، في سياق البحث عن الحقائب والتوزيعات. اما المداورة، فوفقا لهذه الأوساط، تكون شاملة بين كل الوزارات والطوائف، أو لا تكون.
لقاء مفصلي: الى ذلك، توقعت مصادر مواكبة لمشاورات التأليف لـ”نداء الوطن” أن يزيد منسوب الحماوة والضغوط خلال الأيام المقبلة على الرئيس المكلف “لتحصيل ما يُمكن تحصيله منه على مستوى تمثيل المكونات السياسية في تشكيلته على اعتبار أنّ تعطيل التأليف خيار غير متاح فرنسياً ولعبة استنزاف الوقت غير قابلة للحياة خارج نطاق مهلة الـ15 يوماً التي حددها الرئيس إيمانويل ماكرون”، مؤكدةً أنّه “خلال الساعات الثماني والأربعين المقبلة ستتبلور الكثير من التوجهات في ضوء ما سيخلص إليه اجتماع قصر بعبدا المرتقب بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف”، وسط ترجيح أن يسبق أو يلي هذا الاجتماع “لقاء مفصلي” بين الرئيس المكلف وباسيل يحدد الأخير بموجب نتائجه اتجاه الأمور على صعيد “الارتباط أو فك الارتباط” بينه وبين حكومة أديب في حال عدم الأخذ بالحد الأدنى من مطالبه الوزارية.
وبينما حسم معظم الأطراف الداعمة للتكليف توجهاتهم إزاء التأليف، سواءً بعدم المشاركة كـ”المستقبل” و”الاشتراكي” أو بالمشاركة كثنائي “حزب الله” و”حركة أمل” تحت ستار ”ميثاقية التوقيع الثالث” في وزارة المالية، كشفت المصادر أنّ الوزير السابق علي حسن خليل أبلغ الرئيس المكلف صراحةً بأنّ الثنائي الشيعي يعتبر “وزارة المال خارج أي مفهوم للمداورة ولا مجال للتراجع عن ذلك”، لافتةً إلى أنّ “ما عزز هذا الموقف هو ما استُشف من الاتصالات الفرنسية المواكبة لعملية التأليف بأنّ باريس لا تعارض هذا الأمر لرغبتها بأن تحظى حكومة أديب بغطاء سياسي لمهمتها الإصلاحية لا سيما على مستوى التعاون المطلوب بينها وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري لإقرار القوانين والمراسيم ذات الصلة بهذه المهمة”.
من ناحيتها، تؤكد مصادر التقت الرئيس المكلف لـ”نداء الوطن” أنه يرى الأمور متجهة نحو خواتيم إيجابية ضمن سقف المهلة الفرنسية الممنوحة للتأليف، كاشفةً أنه “سيواصل هذا الأسبوع عملية استمزاج الآراء دون حسم أي من توجهاته، لا في الشكل ولا في تقسيم الحقائب والمداورة، على أن يضع ما يراه مناسباً من تعديلات على تصوره الأولي لحكومته تمهيداً لبلوغ مرحلة إسقاط الأسماء على الحقائب الأسبوع المقبل قبيل زيارته بعبدا حاملاً تشكيلته النهائية”.
كسر الاعراف: وتحدثت صحيفة “الأخبار” عن أن “مجموعة خلافات ما بين رئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب والقوى السياسية الرئيسية تحول دون التوافق على التشكيلة الحكومية. وقت المبادرة الفرنسية ينفد، لكن ما أنجز وفق ضغوط وتهديدات خارجية ينتظر اليوم أوامر أخرى للوصول الى خواتيمه السعيدة. وفي الوقت الضائع، تتسابق القوى الرئيسية على رفع سقف التفاوض لتعزيز موقعها وحصتها في الحكومة المقبلة”.
وأشارت الى انه “مرّ أسبوع من أصل 15 يوماً على “فترة السماح” الفرنسية لتأليف الحكومة منذ زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون الأخيرة الى لبنان. لم يعد الوقت ترفاً، لا لرئيس الحكومة المكلف مصطفى أديب ولا لرؤساء الأحزاب الذين يتفاوضون وإياه على التشكيلة المقبلة. رغم ذلك، تباعد النظرة الى الحكومة بين الطرفين يحول دون الاتفاق على تفصيل صغير فيها؛ وبالتالي كسر الجمود السائد مرتبط بخرق ما خارجي. تلك باتت عادة. الخلاف الرئيسي اليوم يتمحور حول عدة نقاط أبرزها مداورة الحقائب السيادية والأساسية”.
ورأت أن “أديب يصرّ على كسر الأعراف السائدة قديماً حول تمسك طائفة معينة بوزارة ما، أو تمسك حزب سياسي بحقيبة”.
الثلث المعطل: من جهة أخرى، كشفت مصادر سياسية متابعة لـ “الجريدة”، أمس، أن “الرئيس عون يصر على الثلث المعطل لأنه في حال كانت الحكومة من 14 وزيراً، وسمت باريس 4 وزراء (الأشغال، الاتصالات، الطاقة والعدل) كما يتداول، فلن يكون لدى أي طرف سياسي مع حلفائه القدرة على تعطيل الحكومة”.
وأشارت المصادر إلى أن “عون يدرك أن نادي رؤساء الحكومة السابقين يمونون على أديب وبإمكانهم حثه على الاستقالة متى أرادوا ولا يريد أن يكون رهينة مزاجهم السياسي»، لافتة إلى أن “حزب الله يدعم عون في هذا التوجه”.