فيولا مخزوم:أستاذة جامعية.
لقد اجتاحت جائحة كورونا العالم بأكمله، وقلبت عاداتنا اليومية، نمط حياتنا العملية والاجتماعية والمهنية رأسًا على عقب. وفرضت الجائحة نمطًا جديدًا في تعامُلنا وتواصُلنا مع الاخرين، وكان “التعلُم عن بعد” من ثمار التغيّر القسري بعد أن أقفلت المدارس والجامعات أبوابها، وبات العام الدراسي الحالي مهددًا أيضًا.
كيف إستجاب قطاع التعليم محليًا وعالميًا بعد مُضي ما يُقارب العشرة أشهر على إنتشار جائحة كورونا؟
لمّا كان التعليم عن بُعد هو وجود المتعلّم في مكان يختلف عن المصدر الذي قد يكون الكتاب أو المُعلّم أو حتى مجموعة المُتعلمين موجودين فيه. فإنّنا بحاجة الى صلة وصل فيما بينهم، لنقل المعلومات وتبادلها. مما اضطر المؤسسّات التعليمية الى توفير منصات التعلّم عن بعد للطلاب كبديلٍ للعملية التعليمية عن قُرب، وكوسيلة لإنقاذ العام الدراسي الماضي، وتحسُبًا لما سيكون عليه الحال في العام الحالي.
غير أنّ العامل الأساس في إنجاح هذه العملية هو توفر التكنولوجيا المناسبة لها، وهذا ما جعل عملية التعليم عن بعد مُتاحة في بعض الدول، ومستحيلة في أخرى، وذلك يعود الى مدى أجهزة الكمبيوتر لدى الطلبة، وتوافر الشبكة وسرعتها لكي يتسنى للمُعلّم إرسال المحاضرات، أو إجراء محاضرات مباشرة مع الطلاب، أو تسجيل الفيديوهات لكي يتمكن الطالب من الوصول اليها عندما تتوفر لديه الوسيلة المناسبة. كل هذه العوامل تُشكّل تحديًا بحدّ ذاته للمُعلّم والطالب معًا. والسؤال الأساس الذي يطرح نفسه هل المُعلمّين والطلبة على إستعداد لإستخدام هذه التقنيات؟ وهل تمّ تدريبهم عليها خلال العطلة الصيفية تحضيرًا للعام الحالي؟ وهل كافة المدارس والمعاهد والجامعات في العالم كانت تلحظ وسائل تكنولوجيا التعليم باعتبارها شرطًا لإكتساب مهارات القرن الحادي والعشرين، وعمدت الى إدخالها على مناهجها، وخططها التربوية والتعليميّة بشكل مباشر؟.
لذلك، تواجه المدارس في لبنان خيارًا صعبًا لأنّه إذا لم يتم التعلّم عن بُعد، فسيخسر جميع الطلاب أشهرًا من المناهج الدراسية. إن فعلوا ذلك، سيتم استبعاد مجموعة كبيرة من الطلاب المحرومين بالفعل وسيتأخرون أكثر، وهذا بدوره سيُحدث أيضًا فجوة رقمية ما بين الجيل الواحد. كما أنّ هذه الفجوة لا تقتصر فقط على وصول الطُلاب الى الإنترنت، بل إنها تتعلق أيضًا بقدرة الأهل على مساندة أولادهم والإشراف عليهم في المنزل لإنهاء واجباتهم الدراسية. فمن الواضح جدًا ان هذا التعليم لن يصل إلى الجميع، ولا يقتصر الأمر على الوصول إلى الأجهزة. فإذا كنت كفرد لا تعرف كيف تتعلّم بنفسك، وإذا كنت لا تعرف كيفية إدارة وقتك، وإذا لم يكن لديك أي دافع جوهري لذلك، فلن تكون ناجحًا جدًا في هذه التحولات المستجدة في العملية التعليمية.
هل التعلّم عبر الإنترنت فعّال؟
يكون هذا النوع من التعليم فعّالًا بالنسبة الى الطلاب الذين لديهم إمكانية الوصول الى شبكة الإنترنت، إذ تشير بعض الأبحاث الى أنّ الطلاب يحتفظون بالمواد التعليمية لديهم أكثر بنسبة 25-60٪، عند التعلّم عبر الإنترنت مقارنة بـ 8-10٪ فقط في الفصل الدراسي. هذا يرجع في الغالب إلى قدرة الطلاب على التعلّم بشكل أسرع عبر الإنترنت؛ كما يتطلّب التعلّم الإلكتروني وقتًا أقل للتعلّم بنسبة 40-60٪ ممّا هو عليه في الفصول الدراسية التقليدية لأنّ الطلاب يمكنهم التعلّم بالسرعة التي تناسبهم أو العودة وإعادة القراءة أو التخطي أو التسريع من خلال المفاهيم التي يختارونها.
ومع ذلك، تختلف فعالية التعلّم عبر الإنترنت بين الفئات العمرية. وهذا ما أجمعت عليه الأبحاث العلمية التي تناولت الفئات العمرية للطلبة حيث توصلت الى نتيجة مفادها بأنّ الأطفال وخاصة الصغار منهم، بحاجة الى البيئة المنظمّة للعملية التعليمية، لأنهم لا يستطيعون التركيز كطلاب المراحل الثانوية أو الجامعية، لا سيّما أنّ الأطفال يستخدمون حواسهم على نطاق واسع للتعلّم، لذلك فقد تكون زيادة التكامل الذكي للألعاب أمرًا هامًا للأطفال مما يجعلهم يقعون بالفعل في حب التعلُم عن بُعد. ولا شك أن المؤسسّات التعليمية التي تمارس التعليم الإلكتروني في الأوضاع الطبيعية ستكون أكثر جاهزية للانتقال إلى التعلُّم عن بعد، إذا اعتاد معلّموها وطلبتها استخدام مصادر إلكترونية للتعلّم في الصف أو خارجه، كما أنّ هنالك فروقا بين المراحل التعليمية المختلفة، مدرسية أو جامعية. وأول ما يتمّ التفكير به عند التخطيط لممارسة التعلّم عن بعد هو الأدوات والوسائل الإلكترونية التي سيتّم استخدامها، وتحديداً المنصّات الملائمة لهذا النوع من التعلّم، وهي كثيرة، وتكاد تكون جميعها تحقّق الأهداف نفسها.
ماذا عن العلاقة ما بين المُعلّم والطالب في ظل هذا التحوّل الى التعليم عن بُعد؟
أعتقد أنه إذا أردنا أن نُعطي الطلاب والمعلمين فرصة للنجاح من خلال هذه التجربة (أي التعلُم عن بعد)، فإنّ المعلّم سيكون مفتاح نجاح التجربة، خاصة في السنوات الأصغر سنًا مثل المدارس الابتدائية. لذا على المُعلّم إختيار المنصة الأنسب للتواصل المباشر مع طلابه، لا سيّما التواصل وبشكل جماعي وكأنّهم في غرفة الصف، ويتم شرح الدروس، والقيام بأنشطة تعلميّة، ويتفاعل المشاركون في ما بينهم. لأنّ العلاقة بين المُعلم والطالب متى قامت على أسس سليمة واضحة فالنتيجة تنعكس إيجابيَّاً على الرسالة التعليميَّة، وإدراك الطالب لواجباته ودوره فيها، ممّا يترك آثاراً طيِّبة على تحصيله العلمي من جانب، ومن جانب آخر مقدرة المُعلِّم على أداء رسالته التعليميَة بشكل مناسب، وفي المقابل فإنَّ عدم تحققّها بالشكل المناسب يترك آثاراً على عمليّة التعليم بشكل عام، وعلى الطالب ومستقبله الدراسي بشكل خاص، حيث توجد فجوة شعورية ونفسيّة بين المعلّم والطالب، وبين الطالب ورسالة العلم، ممّا يؤثر سلباً على تحصيله العلمي.
ماذا عن مستقبل العام الدراسي الحالي في لبنان؟
إنّ العام الدراسي الحالي مهدد بالفشل تمامًا كالعام الدراسي السابق، بل قد يكون أسواء من العام السابق. وعليه نحن أمام خيارين، وكلاهما بحاجة الى معجزة لإكمال هذا العام. فإذا أردنا الإكمال بالتعليم المباشر أي التعليم الحضوري، فنحن أما خطر المواجهة بشكل مباشر مع جائحة كورونا التي تفشت بشكل أوسع إذ طالت كافة المدن والقرى في لبنان وأصابت كافة الفئات العمرية، بالإضافة الى الكارثة التي حلت بلبنان وتحديدًا إنفجار مرفأ بيروت الذي أدى الى وتضرر حوالي 40 ألف مبنى، أي ما يعادل 200 ألف شقة سكنية، وتشريد نحو 300 ألف عائلة، و8 آلاف طفل بحسب احصاءات اليونيسف، وأيضًا الوضع الإقتصادي الذي فاقم الوضع وجعله من سيء الى أسواء مما أدى الى زيادة في أسعار الكتب والقرطاسية. أما إذا كنا نريد الإكمال عبر التعلُّم عن بُعد فكان من الواجب إستغلال العطلة الصيفية والإستثمار بها من خلال تثقيف جيل الشباب لتقبّل هذا الواقع الجديد في العملية التعليمية لنقل المعرفة والمعلومات، وتوفير الوسيلة المناسبة لهذه العملية، وتطويرها لتتناسب مع التعليم والتدريب المهني، ومع إمكانية إتاحتها للجميع، كون التعلّم هو للجميع وليس حكرًا على أحد. علمًا إنّ تغييرات كهذه كانت ستستغرق أعوامًا من التخطيط في الظروف العادية، إلاّ أنّ سرعة تفشي هذا الفيروس تفرض علينا السرعة في التخطيط والإنجاز.