هدوء صباحات الأيام العادية، لا سيما يوم الجمعه منها، يفاقمه الحجر في زمن كورونا، كان يعمّ الحيّ السكنيّ الشعبيّ، بمبانيه المتلاصقة أفقياً والمتراكمة الطبقات عمودياً، على امتداد زاروب أفعواني لا يتسع سوى لسيارة، ولا يفضي إلى مكان كعنق زجاجة، بما يوحي بهامش الخصوصية الضيق لسكان الحيّ، كما في كل الأحياء الشعبية حيث لا يمرّ شيء ولا أحد خفيٌّ عن الأعين والآذان سوى ما تتمكن من أن تكتمه جدران البيوت. دكان السمانة مفتوح، ومجموعة نسوة يحتسين قهوتهن الصباحية على شرفة المنزل، حديثهن بصوت منخفض لا يعكر شيئاً من هذا الهدوء.
يصعب جداً تخّيل أنّ جريمة وقعت هنا، لولا وجود سيارات الشرطة، ومجموعة رجال بوجوه مقطّبة، لا يرغبون في الحديث إلى الإعلام، ولا بأن يتم التقاط الصور. يقول الخبر الوارد صباحاً إن لينا عرابي (مواليد 1973) وابنتها القاصر مروى سلوم (موالد العام 2004) قد قضتا قتلاً بالرصاص، في الصباح الباكر في بيتهما في جديتا، فيما الابنة الثانية جنى (مواليد العام 2000) مصابة وبحال حرجة في المستشفى.
يضيف الجيران معلومة مروّعة، يهمسون بأن “بكر العائلة ووحيدها، الشاب العشريني محمود هو الذي أطلق النار على أمه وأختيه، ولاحقَ الأخت الناجية إلى المستشفى”. ويزيدون، دائماً همساً، بأن جنى تمكنت من الهرب والوصول إلى الطريق العام حيث أسعفها لحّام في الحيّ ونقلت إلى المستشفى، واكتُشفت الجريمة. ليبقى سؤال معلقاً: كيف يعقل أن يطلق أحدهم النار، ثلاث مرات على الأقلّ، ولا يستقيظ أحدٌ من سكان الحي المكتظ؟ الجواب كشفه التحقيق مقدِّماً معلومة أفظع من هويّة القاتل.
على مقربة من مستشفى شتورا الذي نقلت إليه أخته الناجية، أوقفت مخابرات الجيش الأخ المشتبه فيه. اعترف في التحقيق الأوليّ بجريمته ولم يدل بالدوافع، وأخبر بمكان تخلصه من المسدس الذي استخدمه عيار 7 ميللمترات، وعندما عثر على المسدس، تبين بأنه استخدم كاتماً للصوت. فيستنتج التحقيق الأوليّ بأنه كان قد خطط لجريمته، ووضع لها سيناريو أفشله نجاة أخته التي لحقها إلى المستشفى ليتأكد من أنها توفيت وبالتالي لن يفتضح أمره، لولا أنها كانت قد أدلت بهوية مطلق النار لمسعفيها، قبل أن تدخل إلى العناية الفائقة، ما سمح لجهاز المخابرات بتوقيف المشتبه به سريعاً.
يكشف تقرير الطبيب الشرعي علي سلمان بعضاً من التفاصيل الرهيبة للجريمة، فقد قتل الإبن والدته برصاصة في جبهتها. قضت الأم خلال نومها على فرشة في أرض غرفة الجلوس، حيث تتراصف على منضدة صور العائلة. الأخت الصغرى مروى، ابنة الـ 16 سنة، قضت برصاصة في جبهتها، كما أصيبت برصاصة في يدها وأذنها للجهة اليسرى. يبدو أنها استفاقت وحاولت أن تحمي نفسها. أما جنى الناجية، فهي لم تتلقف فقط رصاصة في جبهتها بل ضربها بجرة غاز في جبهتها، ربما ليمنع فرارها.
فتحت الجريمة المروعة سجلات العائلة، وعاد الجيران ليستذكروا الظروف الغامضة التي قضى فيها ربّ العائلة المنكوبة. فقبل أسبوع من رمضان الفائت، أي في مثل هذه الأيام، عُثر عليه صريعاً برصاصة في البطن في جبل جديتا الذي يقصده للصيد، وقُيّدت وفاته في حينها كحادث صيد.
المصدر: “النهار”-دانييل خياط