لم يخرج لقاء مصطفى أديب بالخليلين بأي إيجابية. المراوحة لا تزال مستمرّة، وبدلاً من حل عقدة وزارة المالية، صارت الأمور أكثر تعقيداً. الموقف السعودي أول من أمس اتبع بموقف أميركي بالمضمون نفسه أمس: حزب الله يقوّض مصالح الشعب اللبناني. البحث عن ترجمة هذه المواقف في الداخل، يتطلب انتظار رد فعل سعد الحريري، التائه بين رغبته بالعودة إلى رئاسة الحكومة وبين البحث عن رضا سعودي لا يبدو أنه آتلم يسبق أن كُلّفت شخصية بهذا الضعف لتشكيل الحكومة. مصطفى أديب شخصية تفتقر إلى أدنى صفات القيادة. كثر هم من يسيّرونه. وهو لا يدعي ما لا يملكه، ولا يخجل بذلك. لا يعطي كلمة لأحد من دون الرجوع إلى مرجعيّتين على الأقل: سعد الحريري والفرنسيين. حتى عندما وافق الفرنسيون والحريري على أن يكون وزير المالية شيعياً، لم يتلقف المبادرة بمفهومها العملي. خلاصة لقائه بالخليلين بعد ظهر أمس، انتهت برفضه استلام لائحة بعشرة أسماء يختار من بينها وزيراً للمالية. شكّل ذلك نقزة لضيفيه. إذ يفترض أن يكون ذلك جزءاً من الاتفاق مع الفرنسيين الذين دبّروا اللقاء أصلاً. إذ اتصلوا بأديب لحثه على اللقاء، ثم أبلغوا الخليلين بضرورة التواصل معه للاتفاق على موعد. كان يفترض للاجتماع أن يكون أسهل، وان ينتهي بحل عقدة المالية. لكن بحسب المعلومات، لم يكن أديب إيجابياً، كما لم يجب بشكل واضح على التساؤلات التي طرحت عليه. تحدّث بالعموميات عن أهمية التضامن والإجماع لمواجهة المرحلة الصعبة، لكنه عند الجد طلب استمهاله لتسلّم اللائحة، موحياً أن التسمية يجب أن تأتي من عنده. ذلك كان في صلب «مبادرة» الحريري (أن يسمي هو الوزير الشيعي) التي رُفضت سريعاً من الثنائي. كان الجميع يُدرك أن موافقة الحريري ومن خلفه الفرنسيين على أن يكون وزير المالية شيعياً، يعني أن الثنائي سيكون معنياً بالتسمية، بغض النظر عن الديباجة الكلامية لبيان الحريري.
بالنتيجة، لم يتحقق أي خرق في الملف الحكومي. وحتى زيارة أديب المقررة اليوم إلى القصر الجمهوري لا يبدو أنها ستحقق تقدماً، لكنها يفترض أن ترسم أفق المرحلة المقبلة. فإما يعود إلى آلية التأليف المتعارف عليها، أي التواصل والتنسيق مع الكتل الأساسية في المجلس النيابي، لضمان الحصول على ثقتها، أو تذهب الأمور إلى مزيد من التأزم. إلى أين يمكن أن يوصل هذا الدرب؟ لا أحد يعرف. لكن الأكيد أن أسهم اعتذار أديب عادت إلى الارتفاع. وهذه المرة على خلفية قناعة تزداد ترسخاً لدى أكثر من طرف: الحريري لا يريد لأديب او غيره أن ينجح في تشكيل الحكومة. أولويته العودة بنفسه إلى الرئاسة الثالثة، لكن شرط الحصول على ضمانة دولية بالدعم والمساعدات.
ذلك لا يلغي أن الضغط ازداد على الحريري بعد كلام الملك السعودي أول من أمس عن أن «هيمنة حزب الله الإرهابي التابع لإيران على اتخاذ القرار في لبنان بقوة السلاح، أدت إلى تعطيل مؤسسات الدولة الدستورية». وفيما لم يتبيّن بعد كيف سيتعامل الحريري مع هذا الموقف وكيف سيكون تأثيره على دوره في التسوية الداخلية المدعومة فرنسياً، فإن مصادر مطلعة نقلت وجود خشية حتى عند الفرنسيين بأن يؤثر هذا الموقف سلباً على الحريري. وما يزيد القلق أن الموقف السعودي أتبع بموقف أميركي على المنوال نفسه، فاتهم مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل حزب الله، خلال جلسة استماع أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، بتقويض مصالح الشعب اللبناني من خلال تكديس الأسلحة، والأنشطة المزعزعة للاستقرار في جميع أنحاء المنطقة.
وأكد أن أميركا «ستستخدم جميع الأدوات المتاحة لمحاسبة أولئك الذين يسهّلون أنشطة حزب الله». أضاف: «هذا الشهر، فرضنا عقوبات على وزيرَين لبنانيين سابقين لدورهما الفاسد في دعم حزب الله، سياسياً ومالياً، على حساب الدولة. كما نواصل الضغط على شركائنا في جميع أنحاء المنطقة والعالم للاعتراف بالواقع وتصنيف حزب الله بأكمله منظمةً إرهابية، واستخدام سلطاتهم القانونية لتقييد المجموعة من العمل على أراضيهم». واعتبر هيل أن «الانفجار المأساوي في مرفأ بيروت هو أحد أعراض المشاكل المؤسِّسة في لبنان، والموجودة منذ فترة طويلة جداً: عقود من سوء الإدارة والفساد والفشل المتكرّر للقادة اللبنانيين في تنحية مصالحهم الضيقة والقيام بإصلاحات هادفة ومستدامة». أضاف: «الشعب اللبناني يستحق الأفضل، ومطالبه بالتغيير لا يمكن أن تكون أوضح. تتضامن أميركا مع أولئك الذين طالبوا منذ فترة طويلة بإصلاحات ملموسة وحكومة تستجيب لمطالبهم المشروعة. عندما نرى أن القادة اللبنانيين ملتزمون بتغيير حقيقي قولاً وفعلاً، ستكون أميركا وشركاؤها الدوليون على استعداد للمساعدة وتقديم العون لتحقيق إصلاح حقيقي».
الأخبار