أغنية فيروز «لا تندهي ما في حدا. بابُن مسكّر والعشب غطّى الدراج» تنطبق بحرفيّتها على واقع قصور العدل مع بداية السنة القضائية. فعلياً، لا جديد بين انتهاء العطلة وبداية السنة الجديدة. قاعات المحاكم مقفلة بسبب اعتكاف القضاة مع فقدان مقوّمات العمل داخل هذه القصور
يوم الجمعة الماضي، بدأت السنة القضائيّة الجديدة. لا شيء تغيّر بين يومَي الخميس والجمعة: قصور العدل أشبه بـ«مدن أشباح». قلّة قليلة من القضاة التزمت الحضور إلى مراكز عملها في ظل التزام نحو 450 من 560 قاضياً بالاعتكاف الشامل.
في بلاد «طبيعية»، كان يُفترض أن تكون السلطة السياسيّة قد أنهت تشكيلاتها القضائيّة لتضجّ قصور العدل، بعد انتهاء العطلة، بـ«الروبات السود»، وأن يُسمع صدى المطارق في الأروقة. لكن لا شيء من ذلك حصل، بل على العكس تماماً: «كبّ الإبرة بتسمع رنّتها»، يقول أحد المساعدين القضائيين في «العدلية» باستهزاء. بالقرب منه رجل «يداوم» يومياً في انتظار القاضي الذي يفترض أن ينظر في ملف زوجته لإخلاء سبيلها في دعوى مقامة ضدّها، وامرأة أُوقف ابنها في المطار لدى قدومه من الخارج قبل نحو شهر «بسبب تشابه أسماء»! منذ شهر، تنتظر القاضي الذي «سيطلق سراحه فور اطلاعه على الملف… لكن المشكلة أن القاضي لا يأتي».
يقول أحد الموظفين إن «الناس تَمْسَحَت… البعض يأتي ويصرخ ثم يخرج كما دخل»، أما من يحضر من الموظفين فـ«كرمى لبدل الإنتاجيّة، لأن لا عمل يُمكن القيام به». وفيما يستبعد أن يفكّ القضاة اعتكافهم، أشارت معلومات إلى أن مجلس القضاء الأعلى قد يدعو إلى جمعيّة عموميّة هذا الأسبوع لمطالبة «الزملاء» بالقيام باستثناءات في العمل كإباحة السفر والتوقيع على طلبات إخلاء السبيل. فيما لم يُقرّر القضاة بعد ما إذا كانوا سيلبّون مطلب المجلس، وخصوصاً أن السلطة «لم تُحرّك ساكناً أثناء الاعتكاف ولم تخض معنا مفاوضات كما فعلت مع الموظفين الآخرين» يقول أحد القضاة، وخصوصاً أن «الوضع لم يعد مقبولاً»، لافتاً إلى أن رواتب القضاة تتراوح بين مليون و600 ألف للمتخرجين، ومليونين و500 ألف ليرة للقضاة الأصيلين، و7 ملايين و500 ألف ليرة للقضاة من ذوي الدرجات العُليا. و«على مدى 3 سنوات كنا ندفع من جيوبنا لتلبية احتياجات المتقاضين في قصور العدل، ولكن وصلنا إلى مرحلة التوقف القسري لأنّ رواتبنا لا تكفينا للوصول الى مراكز عملنا».