في بعبدا المشهد ليس كما هو في بكركي. في القصر الجمهوري أزمة حكم وفي مقر البطريركية المارونية دعوة إلى التصدي لهذه الأزمة. في قصر بعبدا تعبير عن عجز عن إدارة الأزمة وغرق في مستنقعات التأليف والتحالفات المعاكسة للطبيعة السيادية، وفي بكركي صرخة لمقاومة الإنقلاب الحاصل على الطائف. وهي ليست المرة الأولى التي يعلو فيها صوت بكركي فوق أصوات المنهزمين أمام محور الممانعة الذي يريد أن يغير هوية لبنان وصورة الكيان. أمس قالت بكركي كلمتها في البيان الصادر عن الإجتماع الشهري لمجلس المطارنة الموارنة. وهي صرخة وجع واستنهاض للهمم ودعوة مباشرة للبنانيين لحماية بنية الدولة ومحاولة إزالة لبنان السيادة والإستقلال: “يرى الآباء أن لبنان الحرية والسيادة والاستقلال وسلامة الأراضي بات على مشارف الزوال، وأن ثمة قوى إقليمية ومحلية تابعة لها وراء ذلك. ويدعون شعب لبنان إلى التصدي لها بما أوتي من قوة، ومهما بلغت التضحيات. فالقضية اليوم إنما هي قضية المصير وبالتالي قضية حياة أو موت. لذا يناشد الآباء المجتمع الدولي المبادرة سريعاً إلى احترام القرارات الدولية المتعلقة بلبنان والعمل على تنفيذها بقوة وحزم، إسهاماً في حماية بنية الدولة اللبنانية، ومصيرها ومصير أهلها، بعيدا عن الحسابات والتجاذبات الدولية والإقليمية التي لم تدفع بلبنان إلا إلى الخراب”.
هذا الكلام ليس الأول، قبله في 5 تموز 2020 دعا البطريرك الراعي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون إلى تحرير الشرعية من الأسر ولكن بعد أكثر من عام لا تزال الشرعية في الأسر وكأن لا حياة لمن ينادي عليه الراعي.
كلام المطارنة في بكركي كان يوزع بينما كان رئيس الجمهورية يستقبل في بعبدا وفد الكونغرس الأميركي برئاسة السيناتور كريس مورفي الذي أعلن قبل مغادرة لبنان: “إن قلبي يشعر بالأسى لما يمر به الشعب اللبناني الآن، فحين مررنا عبر مدينة بيروت لاحظنا الطوابير التي تنتظر دورها على محطات المحروقات والانقطاع في التيار الكهربائي عن أرجاء المدينة بمعظمها”. قبل ذلك كان مكتب الإعلام في قصر بعبدا يوزّع أن عون أبلغ الوفد ان عملية تشكيل الحكومة الجديدة قطعت شوطاً كبيراً وان الكثير من العقبات قد ذللت، معرباً عن امله في ان تُشكل الحكومة هذا الاسبوع، وأنه حريص على أن تجرى الإنتخابات في موعدها… المكتب أضاف أن أعضاء الوفد نقلوا الى الرئيس عون تحيات أبناء الولايات التي يمثلونها وبينهم اعداد كبيرة من اللبنانيين الذين يلعبون دوراً مهماً فيها، كما نوهوا بدور الرئيس عون وتاريخه النضالي من اجل السيادة والحرية والاستقلال، وبالحكمة التي يدير بها شؤون لبنان في هذه الفترة من تاريخه. كما اكدوا انهم سوف ينقلون الى زملائهم أعضاء لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ مواقف الرئيس عون وشروحاته، مجددين التزامهم الوقوف الى جانب اللبنانيين عموماً ودعم الجيش خصوصاً”.
هذا الكلام وكأنه يأتي من عالم غريب عن الواقع يبتعد كل البعد عما يحصل في البلد. ثمة حروب كثيرة تدور حول محطات المحروقات كما حصل بين عنقون ومغدوشة. وثمة عمليات خطف لـ”السيترنات” التي تنقل البنزين كما حصل بين حولا وميس الجبل امس في الجنوب… وعلى رغم كل ذلك كأن عملية تشكيل الحكومة تدور في حلقة مفرغة.
في المعلومات أن عملية التأليف تدور بين صنّاع الحلول وصنّاع العقد، والتسريبات التي أوحت بقرب ولادتها تبيّن لاحقاً انها تدور بين حدي “استعصاء الاسماء واستعصاء الخلاف السياسي المعبّر عنه ببيان رؤساء الحكومات السابقين”.
وأوضح مصدر مطلع على اجواء التأليف “ان حركة الوسيط الحكومي اللواء عباس ابراهيم لم تتوقف وهو قام امس بأكثر من زيارة بين بعبدا ووسط بيروت لتدوير الزوايا حول اسمي الوزيرين اللذين سيشغلان حقيبتي الاقتصاد والتجارة والشؤون الاجتماعية”.
وقال المصدر “ان اللقاء الرابع عشر بين الرئيس عون والرئيس المكلف لن يحصل قبل حل هاتين العقدتين، وحلهما يجري من خلال تثبيت عدم التمسك بالاسماء انما جعلها مروحة واسعة يمكن انتقاء الافضل والاقل تبعية من بينها”.
واشار المصدر الى ان “استمرار الخلاف على اسمي الوزيرين للاقتصاد والشؤون يخشى ان يؤدي الى تغيير في الموقف من حقائب اخرى بحيث نصبح امام مشهد جديد يؤدي الى خلط الامور. ولفت المصدر الى ان “بورصة التأليف تحسب كل ساعة بساعتها صعوداً في التفاؤل او التشاؤم، والجهد ينصب على التقاط سريع لفرصة الحل للعقدتين، وفي حال حصول ذلك فان اللقاء بين عون وميقاتي يعقد في أي لحظة ليكون حاسماً”.
نداء الوطن