كتب حسن سرحان – مدير المعهد الفني التربوي – معركة

التزكية في زمن الأزمات: وعيٌ ومسؤولية

حسن سرحان: مدير المعهد الفني التربوي-معركة

لا نقاش في المبدأ، الانتخابات هي الوسيلة السلمية الديمقراطية للوصول إلى السلطة.
ولا شك أن إرادة الشعب هي مناط هذه السلطة، وأن الانتخابات تجلٍّ لهذه الإرادة.
لذلك، فالانتخابات قاعدةٌ، والتزكية استثناء. هذا من حيث المبدأ.
أما من حيث الواقع، وبما أن الإرادة الحرة شرطٌ جوهريٌّ في الانتخابات النزيهة، ولما كانت هذه الإرادة قد توفرت واحتُرمت في حالتي الانتخاب والتزكية، وكان انسحاب المرشحين لصالح الإجماع والتوافق والتزكية قد تم طوعًا، لا إكراه فيه، وقد تم بوعيٍّ عميقٍ بدقة المرحلة وخطورتها، كتعبيرٍ صادقٍ عن روح المسؤولية الاجتماعية، فإن شرط الإرادة في حالة التزكية مضمونٌ هنا، محترمٌ ومُصان.

فالمرحلة الراهنة لا تحتمل خلافات ولا تنازعات، ولا مزيدًا من التباين الذي يفاقم وجع الناس، ويوسّع جراحهم، ويضاعف من آلامهم، ويفتّ من عضدهم.
فهمُّ الجنوبيين كبيرٌ، والمسؤولية الملقاة في هذه المرحلة على عاتق المعنيين بهذا الهمّ أكبر.
إنّ وعيّ المرحلة يعني، بالنسبة إلى المرشحين والمنسحبين على حدٍّ سواء، التعاون والتضامن والتكافل وتضافر الجهود، وتجميع الطاقات والمهارات وتحشيد كل القوى، وتذليل العقبات لمواجهة التحديات وإيجاد حلول ناجعة لكافة المشكلات، والعمل على إعادة النهوض، الذي لن يخلو من مطبّات ومنعطفات وصعوبات.

الجنوب الجريح الصّامد والصّابر يستصرخنا.
يستصرخ ضمائرنا.
ألا نجيبه؟
ألا يستحق انسحابًا وتنازلًا لصالح وحدته، وبلْسمة جراحه؟

ففي زمن الأزمات والكوارث، لا يكون التنازع على المواقع أولوية، بل تكون الأولوية لوحدة الصف والكلمة، ولسلامة الناس وصون ما تبقّى من تماسكهم الاجتماعي.

ولأنّ الجنوب لا ينهض إلّا على التضحية والتسامح، لا على التنازع والتنافر، ولأنّ المرحلة تتطلّب تضافرًا واحتشادًا، لا تشظّيًا وابتعادًا، جاءت التزكية كأسمى تعبيرٍ عن الوعي، وأصدق تجلٍّ للانتماء الجنوبي.

وقد تكون التزكية اليوم، لا مجرد خيار، بل اختبارًا أخلاقيًا وإنسانيًا.
سيحكم على صدق إيماننا وانتمائنا، لا بانتصاراتنا على بعضنا البعض وعلى ذواتنا، بل بتنازلاتنا لبعضنا البعض، ومن أجل ذواتنا.
فالكل في هذه اللحظة الحرجة مرآةٌ للكل.

التزكية، وإن بدت خيارًا استثنائيًا في الشكل، إلّا أنها في المضمون، قرارٌ عقلانيٌّ ورصينٌ في السياسة، رشيدٌ وحكيمٌ في الإدارة، نبيلٌ وجليلٌ في الأخلاق، ينسجم مع روح القانون، ويستجيب لنداء الناس، ويلبّي طلبهم ورجاءهم، ويُعبّر، قبل كل شيء، عن ضميرٍ جنوبيٍّ جمعيٍّ حيّ ويقظ، لا يزال ينبض بحسّ المسؤولية.

ولِمَن لم ينسحب بعدُ، لا تزال الفرصة سانحة أمامه لاتخاذ الموقف المسؤول، وتغليب مصلحة الجماعة على المصلحة الخاصة، فالهمُّ مشترك، والغايةُ المرجوّة لا شكّ نبيلة.
فالانسحاب، حين يكون عن وعيٍّ وتبصّرٍ وإرادةٍ حرة، ليس خروجًا من الفعل، بل ارتقاءٌ في سُلَّم المشاركة، وسموٌّ في درب المسؤولية، وتعبيرٌ أصيلٌ عن روح التماسك الاجتماعي.

ففي كل انسحابٍ واعٍ، خطوةٌ نحو التلاقي، ونحو جنوبٍ واحدٍ موحّد، يتّسع لكلّ أبنائه.

By jaber79

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *