أدخل زمن كورونا مصطلح “التعليم عن بُعد” على حياة اللبنانيين، فبعدما فرض فيروس كورونا أجندته التعطيلية على القطاع التعليمي وعلّق مصير العام الدراسي، أُلزمت مدارس وجامعات لبنان في القطاعين الخاص والرسمي بتفعيل أنظمتها التعليمية لتتماشى مع المرحلة، ووجد القطاع التعليمي نفسه أمام تجربة جديدة فرضها الوباء العالمي. كيف يمكن تقويم تجربة التعليم عن بُعد في لبنان؟ هل يمكن لها أن تشكّل بديلًا عن حضور الطلاب إلى المسارح التعليمية؟ وهل تتيح استكمال العام الدراسي عن بُعد؟
وزارة التربية تعتبر التعليم عن بُعد، بمثابة تدابير مرحلية تواكب فترة بقاء الطلاب في منازلهم بانتظار تبيان المسار الذي سوف يسلكه الوباء في لبنان ليبنى على الشيء مقتضاه، ولذلك أطلقت مسارات ثلاثة، البثّ التلفزيوني المنصات الإلكترونية والوسائل التقليدية. الوزارة تفعل ما بوسعها في ظل هذه المرحلة، حسنًا، ولكن لنترك نظرياتها وبياناتها وحسن نواياها جانبًا، ولنعد إلى أرض الواقع، التعليم عن بعد يحتاج إلى توافر جملة عوامل في مقدمها الإنترنت والكهرباء، وهذان العاملان حدّث ولا حرج، يتنافسان على تبوء قائمة التصنيف الأسوأ. هذا واقع يدركه كل لبناني إلى أي فئة اجتماعية إنتمى، وإن كان الميسورون قادرين أكثر من غيرهم على تلقي خدمات التعليم عن بُعد عبر الوسائط الإلكترونية.
الضغط الأكبر يكمن لدى طلاب الشهادات الرسمية، وفي محاولة لمعرفة صدى هذه المحاولة توجّهنا بالسؤال إلى طالب في صف الثالث ثانوي فرع علوم عامة في أحدى المدارس الخاصة في بيروت، فقال “لم يبادر جميع الأساتذة إلى شرح الدروس عبر الإنترنت، فبعض المواد الأساسية بالنسبة لنا كالرياضيات والفيزياء لم يباشر بعد أساتذة هاتين المادتين في التواصل معنا على الإطلاق، فقط معلمة مادة الكيمياء باشرت منذ أسبوع بشرح دروس جديدة في وقت محدّد من كل يوم، ولكن من دون التفاعل فيما بيننا، فقط نستمع للشرح، ونواجه مشكلة أساسية في الإنترنت عبر wifi بحيث يصل الشرح متقطّع بين الحين والآخر، أمّا خدمة 4G فهي مكلفة جدًا لا سيّما وأنّ الشرح يستمر حوالي سبعين دقيقة لكل حصّة”. سألناه عن الحصص التعليمية عبر تلفزيون لبنان فقال ” هي الأسوأ بحيث لا يمكن رؤية الكلمات والأرقام على الشاشة بشكل واضح”.
طالب آخر في مدرسة خاصة في البريفيه خارج بيروت يقول “تتوزع الحصص بين ملفات تُرسل إلينا عبر البريد الإلكتروني لإنهاء واجبات وفروض لدروس قديمة، وبين حصص على الإنترنت لبعض المواد، وهنا نواجه مشكلتين الكهرباء التي لا تتوافر بشكل دائم، وخدمة الإنترنت البطيئة جدًّا، والتي يستحيل معها أن نواكب الشرح”.
لدى الجامعة اللبنانية تبدو الأمور معقّدة أيضًا، تواصلنا مع الطالبة ميرا أرناؤوط، في كلية الآداب والعلوم الإنسانية – الفرع الثالث اختصاص أدب عربي، بحيث لخّصت لنا انطباعات زملائها حيال تجربة التعليم عن بعد في الجامعة اللبنانية التي تخوض تجربة جديدة في هذا السياق، فقالت ” نحن كطلاب منقسمون لفئتين، الأولى معارضة للتعليم عن بُعد، بسبب سوء الانترنت وعدم قدرة جميع الطلاب على تأمين هذه الخدمة نظرًا لأوضاعهم المادية، خصوصًا بظل قرار رئاسة الجامعة بوجوب أن لا يقل وقت المحاضرة الواحدة – أونلاين عن 80 دقيقة. أمّا الفئة الثانية من الطلاب فهي تؤيّد التعليم عن بُعد لقدرتها على توفير خدمة الإنترنت، وخوفًا من الضغط التي قد نتعرض له عند استكمال البرنامج بعد إنتهاء أزمة كورونا”.
برأي ميرا، هذه التجربة سيئة ولا تشكّل حلًّا موقتًا وتعرّض الطالب لضغط نفسي، عندما يتابع حصة تعليمية أونلاين يسمع خلالها بعض الكلمات ولا يسمع الكلمات الأخرى، فتصل الجمل متقطعة، لذلك تفضّل ميرا تمديد العام الدراسي على خيار استكمال الدراسة عن بعد. عن الوسيط المعتمد تقول ميرا “سنعتمد على تطبيق يدعى microsoft teams، وإدارة الكلية لا زالت تحاول جمع البريد الإكتروني للطلاب، وهناك تفاوت في متابعة التعليم عن بعد بين الإختصاصات والطلاب، هناك اختصاصات بدأت واختصاصات أخرى لم تباشر بعد، ولا زالت الأمور غير واضحة والتنظيم سيء إلى حدّ ما”.
ميرا لا تلقي باللوم على إدارة الجامعة التي تفعل ما بوسعها، وتلفت إلى جهد بعض الأساتذة الذين يحاولون تسهيل المهمة، ولكنّ التجربة ليست ناجحة، “وترهق الطالب وتخضعه لضغط نفسي عندما لا يتمكن من سماع الشرح أونلاين بسبب ضعف الإنترنت، كما أنّ البرنامج الموقت الذي وُضع مكثّف لحصص متتالية، وقت كلّ منها 80 دقيقة”.
آراء الأهل تتفاوت وفق إمكانياتهم لتأمين خدمة الإنترنت، وبعضهم يتذمر من عدم مواكبة مدارس أولادهم الخاصة لهذه التجربة أسوة بالمدارس الأخرى رغم الأقساط الباهضة، لاسيّما فيما يتعلق بطلاب البريفيه والترمينال، بحيث يُترك هؤلاء لمصيرهم بينما يتابع زملاءهم البرنامج ، الأمر الذي يخلق تفاوتًا. المحامية مايا جعارة مسؤولة العلاقات والإعلام في اتحاد هيئات لجان الأهل في المدارس الخاصة، اعتبرت أنّ التعليم عن بّعد فكرة إيجابية كونها تُبقي الطالب في جوّ الدراسة عوض تلهي الطلاب بالإلعاب الإلكترونية طيلة النهار. وعبر “لبنان 24” تقول “تجربتي الشخصية مع هذه الوسيلة ناجحة، إذ أنّ المدرسة حيث يتابع أولادي دراستهم نظّمت virtual class للصفوف التكميلية والثانوية، وهذا يتناسب وقدراتهم. فيما اعتمدت منصّة المدرسة لإرسال الدروس online مرفقة بروابط، تضمّنت شرحًا للدروس للصفوف الإبتدائية بما يساعد على استكمال البرامج عوض حال المراوحة”.
بالمحصلة قد تكون التجربة في بداياتها، ناجحة بالنسبة للبعض وفاشلة بالنسبة للبعض الآخر، ولكن بطبيعة الحال كشفت أنّ لبنان بمساحته التعليمية الجغرافية الرسمية والخاصة، غير مؤهل للإعتماد على التعليم عن بُعد لإستكمال العام الدراسي، كونه غير مهيأ في بنيته التحتية لهذه التقنية التي أثبتت جدواها في العديد من دول العالم.
لبنان ٢٤