إن أول نداءٍ إلهيٍ خاطب به اللّهُ سبحانهُ وتعالى البشرية من خلال الرسول الاكرم محمد (ص) هو: إقرأ، بكل ما تعنيه هذه الكلمة من حثٍ على التدبُر والتفكير والتعلم وتطوير القدرات والإستفادة من الموارد المتاحة خدمة للمجتمع والإنسان، ومنذ وقت بعيد قال سيسترو (إن أعظم هبةٍ يمكنْ أن نقدمها للمجتمع هي تعليم أبنائه)، فالمعلمُ منذ أن وجد التعليم ما زال يقدّم خدمةً مهنيةً لمجتمعهِ من خلالِ تمكينِ التلاميذ من اكتساب مهارات التفكير والنقد والمواطنة والديمقراطية والتسامح وتذوق معنى الحريةِ وتحملِ المسؤولية وغيرها من الغايات والأهداف التربوية.
ونظرًا للتطور المعرفي الهائل وظهور الكثير من نظريات التعليم والتعلم أصبح التعليم مهنة لها أصولها وقواعدها ومناهجها العلمية، فقد ظهرت الكثير من الاتجاهات المتطورة في مجال التعليم والتعلم والتي تؤكد على ضرورة مجاراة العصر وملاحقة التطورات العلمية والتربوية والتقنية ومنها مواكبة التكنولوجيا على أنواعها والاستفادة من الشبكة العنكبوتية (الانترنت) لنشرالعلوم والبحث العلمي، مما يتيح للمتعلمين الاستفادة القصوى بهدف تطوير قدراتهم وففًا لإمكانياتهم المادية والمعرفية واللوجستية.
ومع إنتشار فيروس كورونا بدأ الحديث بفعّالية عن ضرورة اعتماد التعليم والتعلم عن بُعد وذلك للمساهمة في الحد من إنتشار الفيروس، وثانيًا لمتابعة متطلبات المنهج التعليمي للتلاميذ لتفادي خسارتهم للعام الدراسي.
فهل يكون التعليم والتعلم عن بُعد حل ناجع لتعويض النقص المفاجىء في تنفيذ البرامج وإتمام العام الدراسي؟
هل تعتبر الطرق المتوفرة هي الحل الأمثل؟
ما هي التحديات التي تواجه هذا النوع من التعلم؟
تعريف التعليم والتعلم عن بُعد؟
نظرًا لأهمية التعليم المستمر حاولت المجتمعات البحث عن صيغٍ جديدةٍ للتعليم تعتمد على المتعلم نفسه، والتعلم مدى الحياة لتمكين أكبر عدد ممكن من الأفراد وتلبية احتياجاتهم التعليمية والمهنية دون التقيد بمكان وزمان معينين.
فبحسب اليونسكو التعليم عن بُعد هو عملية تعليمية لا يحدث فيها اتصال مباشر بين الطالب والمعلم، بحيث يكونان متباعدين زمانيًا ومكانيًا، ويتم الاتصال بينهما عن طريق الوسائط التعليمية على أنواعها.
ويوجد خطأ شائع في اعتبار أن التعلم عن بُعد هو مرادف للتعليم عبر الإنترنت، وفي واقع الأمر فإن التعليم من خلال الانترنت هو أحد وسائل التعلم عن بُعد و لكن نظرًا لإنتشار الأول فإنه أعتُبِرَ في أحيان كثيرة مرادفا للتعليم عن بُعد.
وعليه فإن توظيف التكنولوجيا في عملية التعليم والتعلم عن بُعد لإختصار الزمن وتقليل التكلفة المادية تبدو مهمة سهلة نظرياً، ولكن تطبيق التعليم عن بُعد باستخدام التقنيات الحديثة من وسائط وإتصالات يتطلب من الطلاب والمعلمين إمتلاك خبرةً تجاه التقنيات ورغبةً في التغيير نحو الأفضل.
تاريخ التعليم والتعلم عن بُعد
يعود تاريخ التعليم والتعلم عن بُعد الى أكثر من قرن حيث بدأت جامعة شيكاغو في أمريكا عام 1892 بإيصال الدروس التعليمية الى الطلبة عبر الرسائل البريدية. بعد ذلك انتقلت عملية التعليم عن بُعد من خلال الإذاعات التي لاقت نجاحًا باهرًا، ليُسجل بذلك العام 1921 إنضمام مدرسةٍ تعليميةٍ جديدةٍ بعناصر مبتكرة. وبعد مرور حوالي نصف قرن أي في العام 1970 حدثت نهضة حقيقية في ميدان التعليمِ بشكل عام والتعلمِ عن بُعد على وجه الخصوص، حيث تبنت بعض الجامعات التعليم عبر أجهزة التلفاز، وهذا ما لاقى رواجًا في الإذاعات العربية والعالمية. أما النقلةُ النوعيةُ في مجال التعليم والتعلم عن بُعد فقد تجلت من خلال ثورة التكنولوجيا في أواخر تسعينيات القرن الماضي، حيث استطاعت الشبكة العنكبوتية (الانترنت) الدخول كوسيط بين المؤسسات التعليمية والباحثين عن المعرفة والتعلم بأشكالهما، حيث لم يعد يقتصر التعلمُ فقط على الطلاب وإنما غدا إسلوبَ حياةٍ يلجأُ اليه كافةُ الراغبين بالبحث والتعلم وعلى مدى الحياة. وفي العام 2008 تم إطلاق أول مساق (MOOC) تعليمي مفتوح عبر الإنترنت.
أهداف التعليم عن بُعد وأهميته:
ينظر إلى التعليم والتعلم عن بُعد أنه يحقق الأهداف التالية:
?إتاحة فرص التعليم للجميع وجعله مستمرًا بصرف النظر عن المعوقات الزمانية والمكانية والعمرية.
?فتح الآفاق أمام طلبة الدراسات العليا لمتابعة تحصيلهم العلمي عن بُعد خاصة دول العالم بعدنا أصبح الكون الى قرية صغيرة بفضل العولمة.
?تخفيف الأعباء المالية على الطلبة، من خلال الانتقال الى المدن أو السفر بهدف التعليم وخاصة التعليم الجامعي.
?المرونة في تخطي المعوقات البيروقراطية والروتين وإجراءات العمل المعتادة، واختيار أدوات الإتصال والتواصل التي تتناسب معه.
?التوسع في عملية التعلم وعدم حصرها بالجانب الأكاديمي والإنتقال الى ما يعرف بتطوير الذات وتحسين القدرات الثقافية والإجتماعية.
?تحفيز العاملين والموظفين وكافة الطامحين الى تعزيز قدراتهم من خلال التعليم والتعلم المستمر وعن بُعد.
?الإسهام في محو الأمية، وتعليم كبار السن، والمعوقين، وأولئك الذين لا تتوفر لهم فرصة التعلم بسبب السكن أو الاوضاع المادية.
وعليه وإنطلاقًا مما تقدم؛ هل تستطيع المؤسسات التربوية إستكمال العام الدراسي؟
هل تلبي الإجراءات التي اقترحتها وزارة التربية حاجات المتعلمين؟
ثم ماذا عن البنية التحتية وإمكانيات الاساتذة والطلاب التقنية واللوجستية من جهة أخرى؟
هذا ما سوف نستعرضه في المقال المقبل بإذن الله .
وفي الختام نؤكد على أهمية التشدد في الإلتزام بكافة التدابير الوقائية التي أوصت بها منظمة الصحة العلمية وتؤكد عليها وزارة الصحة اللبنانية منعًا لإنتشار فيروس كورونا حمايةً لأنفسكم ومجتمعكم.