شهد التعليم تطورًا نوعيًا عندما تم إدخال تقنيّات التّعليم والتعلّم عن بُعد منذ زمن بعيد في بعض دول العالم، وأنّه استخدم بهدف تقديم فرصٍ تعليميّةٍ وتدريبيّةٍ وتوعويّةٍ للمعلمين والمتّعلّمين على حدٍ سواء دون الإلتزام بوقتٍ ومكان محدّدين.
فهل يستطيع هذا النوع من التّعلّم أن يشمل مراحل التّعليم كافة؟
وماذا عن التّعليم عن بُعد في لبنان؟
إن الانتقال من المناهج التّعليميّة التقليديّة إلى التّعلّم عن بُعد، يحتاج بكل تأكيدٍ إلى عملية تغيير جذري تبدأ بإنقلاب جوهري في الاساليب والطرائق والمناهج، والنظر إلى المتعلّم وطريقة عمل المعلّم وآليات التّقويم والكتاب والحقيبة المدرسيّة. وهنا لابد من الإشارة إلى أن الدولة اللبنانيّة غير جاهزة نهائيًا لهذا النّوع من التّعليم حتى الآن، وهي أصلًا لم تعدّ العدّة السّليمة حتى لمواكبة متطلّبات تطوّرات عصر المعلوماتيّة والتّكنولوجيا بشكل عمليّ وبنيويّ، فضلًا عن أنّ ما نحن عليه أعتمد منذ حوالي ثلاثين عامًا ولكنّه يستند إلى مناهج أجنبيّة عمرها عشرات السّنين.
شروط ومزايا التّعليم والتّعلّم عن بُعد
?المساواة من خلال المشاركة والتّعبير والتّفاعل وتاليًا حصول المتعلّمين على المعلومات بشكل عادل بينهم وبين اقرانهم.
?السماح للتلاميذ بالتواصل مع زملائهم، ومع المعلمين وإجراء نقاشات وتحفيزهم على طرح المواضيع وتقديم الإقتراحات ووجهات النظر.
?كسر القيود بين المعلم والمتعلم، وجعل التّعليم شيقًا، وعدم حصره في وقت محدد، مع إمكانية تعدد وتنوع الأساليب والتقنيات التّعليمية.
?يجعل التلميذ في حالة استقرار نفسي، وبيدًا عن الضغط الدراسي من خلال (التقيد بكافة جوانب العملية التّعليمية).
?لا يؤخذ بعين الإعتبار حضور التلاميذ المباشر في الغرف المدرسية.
?أن يتم القدرة على ضبط جودة التّعليم، وإمكانية تقويم تلك العملية من قبل الجهات العليا
معوقات التّعليم عن بُعد:
?الحاجة إلى بنية تحتية واسعة وتوفرالأجهزة وسرعة الاتصال بالانترنت.
?تدريب المعلمين والإدارة والطلاب وكل من له علاقة.
?نظرة المجتمع إلى هذا الاسلوب من التّعلّم وإعتباره أنه غير جدي.
?صعوبة تحويل المناهج الورقية إلى رقمية وكلفتها العالية، وعدم وجود برامج تعليمية باللغة العربية.
?نظرة المتعلم إلى أن الفرص الوظيفيه لا يمكن الحصول عليها عن طريق هذا النمط من التّعليم.
?عدم الاعتراف به من قبل وزارة التربية والتّعليم العالي في لبنان.
صعوبة التّعليم التفاعلي، وعدم العدالة في التقويم، وتعذر أن يبقى التلميذ محور العملية التّعليمية التّعلّمية.
?عدم وجود قوانين تنظم عملية التّعليم عن بُعد.
والأهم من كل ذلك أن التّعليم والتّعلّم عن بُعد يمكن أن يتحقق لمراحل الدراسات العليا في المجال النظري وليس في المقررات التطبيقية، ولكنه يستحيل ذلك في مراحل ما دون الجامعة، بحيث يتحول إلى عبأ على التلاميذ وأهاليهم وحت على نفس المعلم.
وإنطلاقًا مما تقدم نطرح السؤال التالي:
هل تستطيع الدولة اللبنانية تبنّي اسلوب التّعلّم عن بُعد لمتابعة المنهج التّعليمي واستكمال العام الدراسي في ظل إنتشار فيروس كورونا؟
من الأهمية بمكان التنويه بجهود الأساتذة في كافة مراحل التّعليم في لبنان وإهتمام المؤسسات التربوية على اختلافها بمتابعة المنهج الدراسي للتلاميذ تحسبًا لفرضية إطالة أزمة فيروس كورونا مما قد يؤدي إلى خيارات موجعة. ولكن لا بد هنا من طرح مجموعة من التساؤلات، وأهمها:
ما هي الاساليب التي يمكن اعتمادها في عملية التّعليم عن بُعد؟
وهل ينطبق التّعليم عن بُعد على جميع مراحل التّعليم؟
هل يوجد شبكة انترنت تخدم هذه العملية؟
ثم هل يستطيع جميع التلامذة تأمين وسائل الاتصال والتواصل (كمبيوتر- هاتف- ايباد..)؟
ثم ماذا عن إمكانيات الاساتذة الادارية واللوجستية لجهة استخدام برامج العرض وأساليب التواصل الفعالة؟
السؤال المحوري:
هل أنظمة التّعليم عن بُعد فعالة وذات جدوى في لبنان والبلدان الغير مؤهلة لذلك؟
في الواقع تتعدد التساؤلات وتتشعب الاجابات غير أن النتيجة المباشرة لكل تلك التساؤلات هو أننا في لبنان غير مؤهلين لتنفيذ عملية التّعلّم عن بُعد ولا يوجد مخطط أو مشرع لدى السلطات المعنية للقبول أو التفكير في مثل هذا الخيار. وأيضًا لا توجد البنية التحتية التي تتيح هذا النوع من التّعلّم، كما أن المنهج والتلامذة والمعلمين ليس لديهم أية فكرة عن هذا المشروع. وعليه ومع وجود هذا التحدي أما كافة المعنيين من طلاب وأهل إلى معلمين ومؤسسات تربوية وسلطات ادارية عليا فإنني أضع بين أيديكم الاقتراحات والتوصيات التالية:
?لا بد من لفت الإنتباه إلى أن التّعليم عن بُعد وجد ليستهدف طلبة الدراسات العليا والموظفين والراغبين بتطوير قدراتهم التدريبية غير الممنهجة والنظامية وبالتالي فمن الصعوبة بمكان فرض هذا النظام على المستويات الأدني من التّعليم الجامعي وذلك لعدم وجود حافز وادراك تام لأهمية التّعليم ولو عن بُعد.
?على وزارة التربية التصرف بأن أزمة كورونا قد تطول، وعليه يجب تشكيل خلية أزمة لوضع البدائل واتخاذ القرارات اللازمة، والتفكير بأساليب وطرق مختلفة عن التّعليم التقليدي خاصة خلال هذه الفترة.
?تدريب الاساتذة والطلاب على برنامج يستطيع تنفيذ عملية التّعلّم عن بُعد قدر الامكان.
?الأخذ بعين الإعتبار أن ما يحصل الآن من خلال آليات التّعلّم هو مجرد مبادرات فردية واجتهادات قد لا تؤدي إلا إلى ارباك الاهل والطلاب والاساتذة.
?تقليص ما تبقى من المنهج التّعليمي والاقتصار على المواد الضرورية جدًا.
اتوقع أن أكثر المواد التّعليمية قد انجز ما بين 50 و 65 % من البرامج التّعليمية، وعليه يجب عدم التفكير بمنح إفادات رسمية للطلاب فيما يتعلق بصفوف الشهاات الرسمية.
?فيما يتعلق بباقي الصفوف يمكن الاعتماد على تقويم المدرسة على أن يتم الاستعاضة عن النقص مع بداية العام الدراسي المقبل.
?يمكن إعتبار فترة التّعليم عن بُعد وبالوسائل المتاحة والمتنوعة فرصة أمام الطلاب لإجراء مذاكرة للمعارف والاهداف التّعليمية التي سبق لهم أن تمكنوا منها، ذلك أن تمكينهم من أهداف تربوية في بعض المةاد دونه صعوبات جمَة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر كيف لنا أن نتابع طلاب التّعليم المهني والتقني أصحاب الاختصاصات العملية من الاهداف التّعليمية التي تستوجب وجودهم في المصانع وبإشراف المعلمين.
وأخيرًا نؤكد أنه يجب على الدولة اللبنانية والمتمثلة بوزارة التربية الاعتراف بهذا النوع من التّعليم وللمستويات المعتمدة عالميًا لما لهذا النوع من التّعليم فائدة على المتعلمين ويفتح فرض أمام رواد التّعليم من تطوير قدراتهم والاستفادة من الوسائل المتاحة.
وعليه وإنطلاقًا مما تقدم فإن التّعليم عن بُعد بوضعيته وصورته الحاليتين لا يعتبر هو الحل الأمثل للتعليم كما أنه يشكل عبئًأ على التلاميذ كما أولياء الامور، إن مثل هذه الخطوة في لبنان بدل أن تصبح فرصة لمتابعة المنهج قد تتحول إلى تهديد لبعض الطلاب خاصة تلامذة المدارس الرسمية لكون المؤسسات الخاصة قد تجد بدائل وأساليب تعليمية تواكب الاهداف والمنهج التّعليمي فيما هنا يفتقد التّعليم إلى المساواة والعدالة، لذا أن تعذر على وزارة التربية تمديد العام الدراسي لفترة تسمح بتغطية المنهج الذي يجب أن يعدل، فإنها بالضرورة يجب أخذ قرارات جريئة تراعي خلالها كافة المخاوف التي تحدثنا عنها في متن المقال.
وهنا نطرح السؤال المستقبلي متى تفرج السلطات العليا عن القوانين التي تساهم في تطويرالمناهج التّعليمية؟
في الختام، إن صحة المواطنين والطلاب هي أولوية على كل ما عداها، ذلك أنه يمكن تعويض ما فات على الطلاب بأكثر من طريقة وأسلوب إلا أننا الآن في وجه تحدي خطير وهو مواجهة فيروس كورونا ومنعه من الإنتشار، وهذا يتطلب الوعي والحرص والتعاون والتكافل بين جميع اللبنانيين، والاستفادة من هذا التحدي لكي يتحد اللّبنانيون ومن جهة أخرى لا بد من التّفكير مستقبلًا بخطط وبرامج تربوية وتعليمية تعود بالفائدة على الوطن والانسان.
نتمنى أن يبعد الله الأذى عن جميع اللبنانيين وأن يوفق الباحثين والتربويين لإيجاد المخارج الناجعة لتمكين التلاميذ من متطلباتهم التّعليمية وحصولهم على شهاداتهم التي يستحقونها بكفاءة وجدارة.