بقلم د.خضر ياسين
لم تتوصل اللقاءات بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف إلى تشكيل الحكومة، حيث بلغت مهلة التكليف الخمسة أشهر، بعد أن تمت تسمية الرئيس الحريري لتأليف الحكومة بتاريخ ٢٠٢٠/١٠/٢٢ من قبل (٦٥) نائبآ، وعند تأليفه لها تكون الحكومة الرابعة التي يترأسها منذ العام ٢٠٠٩. أثبتت الحياة السياسية اللبنانية أن التوافق السياسي هو الركيزة الأساسية لحسن سير عمل المؤسسات الدستورية وانتظامها، فالتفاهم السياسي أدى إلى إنتخاب الرئيس ميشال سليمان رئيسآ للجمهورية بعد فراغ استمر لحوالي ستة أشهر، والتفاهم ذاته أوصل الرئيس ميشال عون إلى سدة الرئاسة الأولى بعد فراغ رئاسي استمر لحوالي سنتين ونصف، وكذلك فإن الحكومة العتيدة التي ينتظرها اللبنانيون والعديد من الدول لن تبصر النور إلاّ من خلال التفاهم السياسي المنتظر. وهذا الموضوع، أي إبقاء مهمة التأليف دون سقف زمني هو إحدى الثغرات الموجودة في الدستور اللبناني، علمآ أن التوجه في مدينة الطائف كان يميل نحو تقييد صلاحية رئيس الحكومة المكلف تشكيل الحكومة بمهلة زمنية محددة، أسوةً بالمهلة الزمنية المقررة لإعداد البيان الوزاري وهي شهر واحد، لكن الرئيس الراحل صائب سلام إعترض بشدّة وأصر على رفض تقييد رئيس الحكومة المكلف بمهلة زمنية للتأليف، لأنه إذا كان رئيس الحكومة المكلف على خلاف مع رئيس الجمهورية، وكانت هناك مهلة محددة للتأليف، فإن رئيس الجمهورية قد يماطل ويرفض التشكيلة المقدّمة من رئيس الحكومة المكلف حتى تنقضي المهلة، حينها يستطيع رئيس الجمهورية أن يلغي أمر تكليفه.
ولهذا السبب نصت المادة (٦٤) من الدستور في فقرتها الثانية على أن رئيس الحكومة المكلف يجري الإستشارات النيابية لتشكيل الحكومة ويوقع مع رئيس الجمهورية مرسوم تشكيلها، وبالتالي لم تقيّد المادة (٦٤) رئيس الحكومة المكلف بأي مهلة لتشكيل الحكومة، كما أنه لا يوجد أية مادة في الدستور أو أي عرف دستوري يتيح لرئيس الجمهورية صلاحية سحب التكليف المستند إلى الأكثرية النيابية، وبالتالي إن عدم تحديد مهلة زمنية لتشكيل الحكومة، يطيل في أمد حكومة تصريف الأعمال التي لا يحق لها استنادآ للدستور أن تمارس كامل صلاحياتها. وفي موازاة هذه الثغرة الدستورية، لا يتضمن الدستور أيضآ أي مهلة زمنية محددة يتوجب خلالها على رئيس الجمهورية أن يدعو المجلس النيابي إلى الإستشارات النيابية من أجل تسمية الرئيس المكلف بتشكيل حكومة جديدة، وإنما اكتفت المادة (٥٣) من الدستور في فقرتها الثانية بالنص على ما يلي: يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادآ إلى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسميآ على نتائجها. لكن من المؤكد أن عدم ورود نص دستوري يحدد المهل الزمنية لعملية تشكيل الحكومة ليس الغاية منه تعطيل عمل المؤسسات الدستورية، لأن المنطق يقول بضرورة الإسراع في إنجاز الإستحقاقات الدستورية في أسرع وقت ممكن تماشيآ مع المبدأ القانوني الهام القاضي بإستمرارية عمل ونشاط الدولة وفقآ لسياقها الطبيعي والمعتاد، غير أن الممارسات السياسية أثبتت أن هذه الثغرات الدستورية قد انعكست بشكل سلبي لهذه الناحية، مما يقتضي معها ضرورة معالجة هذه الثغرات في القريب العاجل ضمن رؤية دستورية وسياسية تستهدف المصلحة العامة دون أية اعتبارات أخرى.