ادى سماحة نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى العلامة الشيخ علي الخطيب صلاة عيد الفطر السعيد في مقر المجلس والقى خطبة العيد التي قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كما هو اهله وكما يستحقه والصلاة والسلام على سيد انبيائه ورسله المبعوث رحمةً للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين واصحابه الذين اتبعوه بإحسان الى يوم الدين.
الحمد لله الذي وفقنا لصيام شهر رمضان ونسأله ان يكون قد وقع محل قبوله ورضاه وان نكون ممن استحق بفضله العفو والمغفرة ونال منزلة القربى منه ، ونحن اليوم ننتظر الجائزة التي وُعِدَ المتقون بها كما جاء في الحديث القدسي (كل عمل ابن آدم له الا الصوم فإنه لي وانا اجزي به ) فما هي الجائزة وما فرق عبادة الصوم يا تُرى عن سائر العبادات ؟!!! حتى اْختُصَّ بأن يكون لله وبالتالي استحق ان يكون جزاؤه من الله تعالى وما معنى ان يكون لله، اليست العبادات كلها اخذ فيها أن تكون خالصةً له سبحانه؟
اليست الصلاة اول ما يُسأل عنه المرء عند الحساب ؟ اذاً فكيف يكون كل عمل لابن آدم له الا الصيام، لقد ورد في كتاب الله تعالى في اية تشريع الصيام قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون )، ما يمكن لنا ان نستفيد منه الجواب على هذا التساؤل فقوله ( كما كتب على الذين من قبلكم ) انما اراد به تخفيف الامر على المخاطبين، ومن شرع هذا التكليف بحقهم لثقله على النفس حيث تحرم عليها جملة من الامور التي منها ما كان محللا لها في غيره وما اعتادت عليه وما تطلبه وتحبه كالاكل والشرب وغيره مما تطلبه وتهفو اليه فترة من الوقت تستوعب النهار كله لمدة شهر قمري كامل ، وهو امر يشق على النفس تحمله اضف الى ذلك ان يحجز الانسان نفسه ويقيد حريته وتصرفاته في اهم حاجاته لذلك استخدم الله تعالى في مخاطبة عباده هذا الأسلوب، وان هذا التكليف لم يكن مختصا بهم فقط ، وقد فرضه سبحانه على من سبقهم من الأمم. من هذا المنطلق يمكن لنا ان نفهم الجواب على التساؤلات المتقدمة حول هذا الاهتمام الذي خص الله تعالى به شهر رمضان وانه من باب التشجيع والترغيب على القيام بهذا الواجب الالهي وعدم التواني في امتثاله لما له من ثواب عظيم عند الله تعالى بخلاف غيره من التكاليف حيث كان اداؤها اقل ثقلا ومشقة على النفس ، ومنه يفهم الجواب عن الجائزة التي وعد الصائمون بها حيث تركها مجهولة دون تحديد ليعطينا الانطباع عن عظمتها وانها فوق ما يمكن لنا تصوره او تخيله فهنيئاً لمن لبى وامتثل فاستحق ان يكون له هذا المقام وأن يكون اليوم ممن شملهم كرم الله ونالوا جائزة الرضا والقبول منه ولديه.
فقد ورد في خطبة شهر رمضان لرسول الله (ص) قوله مخاطبا المؤمنين ومبينا لهم موقعهم عند الله تعالى في هذا الشهر الكريم:” هو شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله وجعلتم فيه من اهل كرامة الله “، فأي مقام اسمى من هذا المقام الذي لا يدرك معناه سوى اولئك الذين ذاقوا حلاوة طعم الايمان وارتقوا في درجات القرب والتقوى فهنيئا للصائمين الذين ادوا شهر الله حقه فصامت جوارحهم عن ارتكاب ما حرم الله عليهم وتمسكوا بمكارم الاخلاق ومرضي الأفعال، كما قال (ص):” ومن حسَّن فيه خلقه كان له جواز على الصراط “، ولم يكونوا من اهل الشقاء الذين قال فيهم رسول الله (ص) :” فأن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر” .
وعودة الى تفاصيل هذه الخطبة يلاحظ فيها القصد الى التركيز على تحويل الايمان من اعتقاد تجريدي الى عاملٍ مؤثرٍ في صناعة الشخصية الإنسانية وسلوكها الاجتماعي الايجابي والبنَّاء غير معزول عن شؤون الحياة تستدعيه الحاجة للخلاص من الشعورٍ وليس ناشئاً من الحاجة للخلاص من الشعور بفراغ نفسي قاتل والتعبير عنه بطقوس وعادات لا علاقة لها بصناعة الحياة وانما تنتمي الى عالمٍ اخر يمكن تسميته بالوقت الميت من حياة الامم .
ايها الاخوة المؤمنون، ان لهذا الصيام متممات، وان لهذا العيد واجبات يجب القيام بها، فكما كان شهر الصيام زكاة للابدان، ففي عيد فطره زكاة للأموال كخطوة عملية أولى تعبّر عن الاثر السلوكي للصيام في حياة المؤمن بالتخلي عن واحدٍ من اكثر الامور التي يتعلق بها قلبه، وهو المال، كما ورد في الذكر الحكيم دقيقاً في وصف هذه العلقة والارتباط فهي بتعبيره علقةٌ قلبيٌة وعلاقة حب وود قال تعالى: ( وتحبون المال حباً جما )، بما يدل على شدة الارتباط وصعوبة الفصل بينهما وفي آية اخرى قرن بين المال والبنين في كونهما زينة الحياة التي تنشدها النفس والغريزة فقال تعالى: ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا) ثم اتبعها بالتوجيه والإشارة الى ما هو خير منها فقال: ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير املا ) تعزيزاً للقيم المعنوية ودعوة للحد من الاهتمام بالقضايا والقيم المادية على حساب القيم الأخلاقية والمعنوية التي تتجلى هنا.
ان في زكاة الفطرة ومشاركة الفقراء وأصحاب الفاقة اخوانهم ممن انعم الله عليهم فرحة يوم الفطر فلا يعيشوا الإحساس بالحرمان والنقص مما يسبب التفكك الاجتماعي وحالة النقمة ويستدعي الفوضى والمشاكل الأخلاقية والاجتماعية.
ان هذا التكافل هو الذي يخلق هذا الشعور بالفرحة لدى المؤمن الذي قدر عليه رزقه بما له من تأثير معنوي ونفسي في داخله وانه غير متروك لقدره اكثر من قيمته المادية، فالشعور بالوحدة وافتقاد الدعم النفسي امر قاتل ومدمر، وانا اعتقد ان الكثير من الأمراض النفسية التي يعاني منها كثير من الناس في هذا العصر ناتج عن هذا الشعور، ولهذا نجد التركيز قرآناً وسنةً على التعاون والإتيان بالعبادات جماعةً تعبيراً عن هذا التوجيه والاهتمام بالمشاركة، وان المؤمنين يشكلون جسداً واحداً اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الاعضاء بالسهر والحمى الذي تؤديه الزكاة في يوم الفطر حتى يكون للمؤمن ان يفرح.
ولا بد لنا اذاً ان نقوم بهذا الواجب الديني والاخلاقي والإنساني، خصوصا في هذا الوقت الذي تخلت فيه الدولة عن مسؤولياتها اتجاه مواطنيها وتركتهم لمصيرهم، وهم الآن محتاجون لكل شيء فلا مجال لإدارة الظهر او لقول حيدي حيادي، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، وعلينا بالتعاضد والتكاتف والتكافل حتى يفعل الله امرا كان مفعولا فان عليه المعول، وهو نعم المولى ونعم النصير، ونحن في امتحان وابتلاء وسنخرج منه مفلحين منجحين اعزاء بإذن الله طالما كنا في جنب الله ومتكلين عليه ومفوضين امورنا اليه فهو ملجؤنا ومولانا ولن يخيب ظننا به ولن نناشد قوى الخيبة والعجز التي امتهنت كل شيء الا ان تكون على قدر المسؤولية الوطنية الذين ينتظرون الحلول وفقا لمسار التسويات الاقليمية والدولية عسى ولعل ان تأتي وفق ما يشتهون لانهم لم تكن لهم الإرادة يوما ان يبنوا بلدا حرا مستقلا كما يزعمون.
ولذلك فانه لاجدوى ترتجى من التعويل على قيامهم باي اجراء يمكن ان يخرج البلاد من هذا الواقع المر، فانا قد يئسنا منهم كما يئس الكفار من اصحاب القبور ولكن ذلك لا يعني يأسا من الحل الذي هو قادم حتما على ايدي ابناء الشعب اللبناني الذي يدفع وحده اثمان مفاسد هذا النظام الهجين الذي لا نظير له في العالم ويتمسك به هؤلاء الذين يسخرون كل طاقاتهم ويبتدعون اقذر الاساليب واخبثها لإقناع ابناء الشعب بضرورة الابقاء عليه فيما هم يستخدمونهم وقودا للحفاظ على مصالحهم الخاصة.
اننا غير يائسين من ان يأتي اليوم الذي يستيقظ فيه اللبنانيون من سباتهم ويتحرروا من قيودهم الطائفية ليبنوا دولة حقيقية دولة يحكمها العدل والقانون ويعتمدوا على انفسهم ويثقوا ببعضهم البعض ويتخلصوا من اوهام الخوف التي صنعها المتخلفون في واقعهم وحولوا حياتهم الى جحيم.
فكل عام وانتم بخير، اقول وقد خرجنا الى واقع افضل وحال افضل لان التغيير مرهون بإرادتكم ايها اللبنانيون وهو سنة الهية لا تتبدل يقول الله تعالى في ذلك: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) وقد راينا التغيير الكبير الذي صنعته المقاومة على ارضنا وكيف تبدلت موازين القوى على مستوى المنطقة، وها نحن نعيش ونرى في هذه اللحظات معركة العزة والكرامة التي يخوضها الشعب الفلسطيني في مواجهة العدو الصهيوني ويحطم طغيانه وجبروته ويدك بصواريخه قلاعه ومعسكراته التي يسميها بالمدن وما هي سوى معسكرات يملؤها بترسانات الأسلحة والعتاد الحربي تفجرها صواريخ المقاومة الفلسطينية التي توحدت على ارادة انزال الهزيمة النكراء بهذا العدو الذي بدا امامها نمر من ورق فاستحق الشعب الفلسطيني ومقاومته، تحية الاكبار والاجلال الذي اعطى هذا العيد معنى جديدا مليئا بالأمل والثقة بقدرة الشعب الفلسطيني على الانتصار الذي ستتردد اصداؤه في ارجاء المعمورة وسيكون الانتصار فطره المبارك في ساحات القدس والاقصى ان شاء الله فبورك عيدكم المعمد بدماء الشهداء وبمواقف العزة والكرامة والرجولة لتصنعوا مجدا جديدا لهذه الامة.
ان لبنان ضحية طبقة سياسية فاسدة كان همها وما يزال تكديس الثروات على حساب افقار المواطنين ونهب خزينة الدولة حتى وصلنا إلى اسوء مرحلة يعيشها اللبناني من البؤس والفقر والجوع، واذا أردنا ان نكون منصفين وجادين في تصويب مسيرتنا السياسية فلنسم الأمور بأسمائها، ان الفاسد والمرتشي والسارق للمال العام والمحتكر والمستغل والخائن للمسؤولية هم المجرمون الذين خربوا البلد وقدموا خدمة كبيرة للعدو الصهيوني وحققوا له ما يصبو اليه بالانتقام من اللبنانيين على خيباته المتراكمة بغية اخضاعهم للاملاءات والضغوط الاستعمارية التي تقف خلفها إسرائيل ومن يتحالف معها.
ورغم كل ذلك فإن هذا لا يعفي القوى السياسية من الوصول بأسرع وقت الى تسوية سياسيه تمهد الطريق لتشكيل حكومة وطنية إنقاذيه تلتزم الاصلاح كممر الزامي لاستعادة المال العام المنهوب ودعم النقد الوطني وتوفير مقومات العيش الكريم لكل اللبنانيين دون أن يرتهنوا لزعيم او فئة .