بقلم د.خضر ياسين
إن الدستور هو الذي ينشئ السلطات العامة ويوزّع الصلاحيات فيما بينها، ويحدد الحدود لتلك الصلاحيات كي لا تتعدى سلطة على أخرى. والدولة هي عبارة عن كيان سياسي وقانوني ذو سلطة سيادية معترف بها على رقعة جغرافية محددة، تقيم عليها مجموعة بشرية معينة، وهذا الكيان تحكمه مجموعة من القواعد التي تنص على صلاحيات وواجبات الذين يديرونه( أي السلطات العامة)، وكذلك حقوق وواجبات الجهات الأخرى التي تتعامل معه. وتنقسم عناصر الدولة إلى أربعة عناصر: الأقليم، الشعب، السلطة السياسية، الإعتراف الدولي.فماذا يشمل الأقليم؟ وكيف تتصرف السلطات العامة؟ يشمل الأقليم بصورة رئيسية الأقليم الأرضي، أي الجزء اليابس، وكل ما يحتويه من معالم طبيعية كالجبال والبحيرات والأنهار وكل ما في باطن الأرض.وبالإضافة إلى ذلك، وفيما يتعلق بالدول الساحلية(منها لبنان)، يشمل الأقليم أيضآ جزءآ من البحر الذي يمتد من ساحل الدولة إلى مساحة (١٢) ميل بحري، وهو ما يعرف (بالبحر الأقليمي) والخاضع لسيادة الدولة. كما يشمل أقليم الدولة طبقات الجو التي تعلو الجزء اليابس والبحر الأقليمي. ويوجد حدود لكل دولة، ولهذه الحدود أهمية سياسية وقانونية كبرى، لأن الدولة تمارس سيادتها داخل حدودها، وعند الحدود تنتهي سيادة الدولة لتبدأ سيادة دولة أخرى، ولذلك يهتم القانون الدولي بتحديد حدود الدولة، لأن عدم وضوح الحدود التي تفصل بين أقاليم الدول يمكن أن يؤدي إلى نزاعات مسلحة، والأمثلة على ذلك كثيرة، كالنزاعات بين الهند والصين، وبين الجزائر والمغرب، وبين الهند وباكستان، وبين أثيوبيا والصومال، وغيرها. فسيادة الدولة تمتد خارج أقليمها البري، إلى المنطقة البحرية الملاصقة لشواطئها، والمسماة بالبحر الأقليمي الذي حددت عرضه المادة (٣) من إتفاقية قانون البحار لعام ١٩٨٢(بإثني عشر ميلآ بحريآ). أما المنطقة الإقتصادية الخالصة فهي تلك المنطقة الواقعة وراء البحر الأقليمي وملاصقة له، ويحكمها نظام قانوني أقرته إتفاقية قانون البحار لعام ١٩٨٢، حيث حددت المادة (٧٥) منها عرض المنطقة الإقتصادية الخالصة بما لا يزيد عن (٢٠٠) ميل بحري، والأهم أن المادة (٥٦) من الإتفاقية نصت على حقوق الدولة على المنطقة الإقتصادية الخالصة وأسمتها (بالحقوق السيادية)، فيعود للدولة فيما يتعلق بمنطقتها الإقتصادية الخالصة، مجموعة من الحقوق السيادية تتعلق باستكشاف واستغلال الموارد الطبيعية للمياه التي تعلو قاع البحر ولقاع البحر وباطن أرضه، وحفظ هذه الموارد وإدارتها، والإستثمار والإستغلال الإقتصادي لها، وهذا يعني أن للبنان حقوقآ سيادية بالإستكشاف والإستخراج والإستثمار لكافة الموارد والثروات الطبيعية الموجودة في (كافة ومعظم) منطقته الإقتصادية الخالصة. هذه المنطقة حددتها الدولة اللبنانية بموجب المرسوم رقم (٦٤٣٣) تاريخ ٢٠١١/١٠/١، وتم إيداعه لدى الأمين العام للأمم المتحدة، ولكن نتيجة توافر معطيات حديثة أكثر دقة لها علاقة بتحديد هذه المنطقة، تبين ان للبنان مساحة إضافية إلى تلك التي سبق تحديدها بموجب المرسوم(٦٤٣٣)، تبلغ (١٤٣٠)كلم٢، يعود الحق باستغلالها واستخراج الثروات والموارد الطبيعية الموجودة فيها الى الدولة اللبنانية فقط استنادآ إلى المادة (٥٦) من إتفاقية قانون البحار، (طالما أنها ضمن منطقتها الإقتصادية الخالصة). الدستور اللبناني أكد في الفقرة (ط) من مقدمته على سيادة القانون، وهذه العبارة تعني خضوع الشعب والسلطات العامة للنظام القانوني السائد في الدولة دون إستثناء أحد، وهذا يؤشر أيضآ على مفهوم آخر هو (دولة القانون)، التي من إحدى ركائزها ومبادئها (مبدأ سمو الدستور)، حيث تكون جميع الأعمال والتصرفات التي تقوم بها السلطات العامة مرتكزة على الدستور، وتستمد شرعيتها منه، أي أن عمل هذه السلطات يجب أن يكون متوافقآ مع الأحكام الدستورية ومنسجمآ معها، وإذا تعارضت معه تكون الأولوية للقواعد الدستورية. والدستور فيما يتعلق بموضوع الأقليم اللبناني بكافة أنواعه، واضح وصريح، حيث تنص المادة (٢) منه على ما يلي:(لا يجوز التخلّي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه)، فكيف يمكن مقاربة المرسوم (٦٤٣٣) بالإستناد إلى هذه المادة؟ إن إبقاء المرسوم (٦٤٣٣) كمستند رسمي صادر عن الدولة اللبنانية لدى الأمم المتحدة بشأن تحديد المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان كما هو عليه، دون سحبه وتعديله استنادآ للمعطيات الحديثة، من خلال إضافة مساحة (١٤٣٠) كلم٢، يعني تنازلآ ضمنيآ عن هذا الجزء الذي يعود للدولة اللبنانية، أي يشكل تعارضآ مع المادة (٢) من الدستور، ولذلك يتوجب على الدولة اللبنانية الإسراع بسحب المرسوم (٦٤٣٣) وإقرار مرسوم بديلآ عنه، يضيف إلى المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان المحددة بموجب المرسوم (٦٤٣٣)، مساحة (١٤٣٠) كلم٢، وإلاّ نكون أمام إجراء قانوني يخالف الدستور، في ضوء ظهور المعطيات الأكثر دقة بشأن ترسيم المنطقة الإقتصادية الخالصة للبنان، ويشكل تنازلآ عن جزء من أقليم الدولة اللبنانية.