تهاتف البارحة الرئيسان ميشال عون ونبيه برّي كي يلتقيا اليوم، ثم ارجآ الموعد الى الخميس او الجمعة تفادياً لسوء التفسير، بالتزامن مع صدور حكم المحكمة الدولية. بعد بيان آل الحريري، يقول برّي ان القلق اقل، والغلواء اقل، والحرص اكبر
بعدما أخطر به الموفدين الدوليين الثلاثة الاسبوع الفائت، يقول رئيس مجلس النواب نبيه برّي على الملأ ان لا مرشح له لرئاسة الحكومة الجديدة سوى الرئيس سعد الحريري. لا يشكل موقفه هذا صدمة لأحد. كان مع الحريري في حكومة 2019، وضد استقالته في تشرين الاول عامذاك، ومع اعادة ترشيحه لرئاسة الحكومة التالية من غير ان يتحمّس لأي مرشّح، وازعجه احجام الحريري عن ترشيح نفسه، الى ان وصل الى آخر السطر الآن. معه بلا تردد.
يتجنّب برّي القول ان الحريري مرشح الثنائي الشيعي – مع انه كذلك اولاً بأول – ويصر على انه مرشحه ومرشح كتلته النيابية. لكنه يضيف: «ليسمِّ الآخرون مرشحهم». ويضيف: «لا مرشح جدياً حتى الآن الا هو. عندما يكون مرشح احد، لا يسعه القول انه لا يريد او يفرض شروطاً. لم اسمع انه طرح شروطاً، بما في ذلك ما قيل انه يريد صلاحيات استثنائية. هذا غير صحيح ابداً. اذا كانت ثمة شروط، فهي للبنان فقط. اولها الاصلاح، وثانيها الاصلاحات، وثالثها الاصلاح، ورابعها الاصلاحات، الى آخره… ترشيحي له اعلنت عنه في اتصالاتي مع كل من جاء الى عندي من الموفدين الدوليين، وقلته للرئيس ميشال عون». وشدّد على أن «الاصلاح ليس مطلباً داخلياً، بل دولي ايضاً. هو الباب الذي يُفتح على صندوق النقد الدولي، ودول العالم كلها. اضف انه موضع وحدة بين اللبنانيين. ليس ثمة لبناني لا يريد الاصلاح بدءاً بالكهرباء، لأنها وراء نصف الدين العام».
يُفضّل رئيس المجلس ان لا يسهب في مواصفات الحكومة الجديدة، ما دام ليس ثمة بعد رئيس مكلف لتأليفها منبثق من الاستشارات النيابية الملزمة. من بعيد يرسم بعض ملامحها: «حكومة جامعة. لا قيود من احد على تأليفها. قوية تتخذ قرارات. من سياسيين ومن غير سياسيين. من مجلس النواب ومن خارجه. المهم ان تعمل في الفرصة الاخيرة المعطاة لهذا البلد. لا وقت للترف بعد الآن». الا انه يستعجل تأليفها «لأننا فقدنا القدرة على تحمّل تأخيرها اشهراً طويلة، كما في الماضي». بيد ان التكليف والتأليف عنده محطة عابرة «لا تغني عن حاجتنا الى جراحة في النظام اللبناني. ذلك ما قلته في جلسة الخميس الماضي، بعدما كنت كررته مراراً في الثمانينات والتسعينات. انا لا اطلب تغيير اتفاق الطائف، بل تطبيق دستور الطائف».
مستشهداً باقتراح قانون تقدّم به نائبا كتلته انور الخليل وابراهيم عازار، سيحيله اولاً الى اللجان ثم الى الهيئة العمومية للمجلس، اعاد برّي التذكير بالمادة 22 من الدستور عن قانون انتخاب وطني يليه استحداث مجلس للشيوخ، كان قد طرحه هو معدلاً على طاولة الحوار عام 2016، عشية انتخابات رئاسة الجمهورية، ووافق عليه الافرقاء الجالسون جميعاً الى الطاولة، واخطروه انهم سيسمّون في الغداة ممثليهم في اللجنة التي ستتولى العمل على هذا المشروع، الا ان فريقين اثنين من هؤلاء – يصر برّي على عدم ذكرهما – تنصّلا منه تماماً. مذذاك رقد المشروع الذي يرى برّي انه لا يناقض المادة 22، بل يفسّرها على النحو الذي يحفظ مقتضيات الوفاق الوطني: تزامن وضع قانون انتخاب وطني واستحداث مجلس للشيوخ، عوض ان يلي الثاني الاول في وقت لاحق.
مقتضيات الوفاق الوطني بحسب رئيس المجلس، تكمن في انها تقود الى «الدولة المدنية» التي طالب بها للمرة الاولى في الثمانينات، واعاد طرحها اكثر من مرة اخيراً، والتي «لا تعني في اي حال علمنة تفضي حتماً الى الخراب»:
«1 – قانون انتخاب وطني مناصفة في المقاعد بين المسيحيين والمسلمين، من غير تحديد مقاعد كل من المذاهب المسيحية والاسلامية. مآل ذلك تجريد البرلمان من المذهبية المتحكمة به. كأن نضع قانوناً يجعل لبنان دائرة انتخابية واحدة، او في احسن الاحوال الاعتماد على المحافظات الخمس دوائر انتخابية وطنية بما يؤمن الاختلاط بين الطوائف والمذاهب، ويجعل كلا منها حاجة للاخرى.
2 – استحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه العائلات الروحية، اي الطوائف اللبنانية، بما يجعل كل طائفة ومذهب ينتخب ممثليه في المجلس، يُتفق لاحقاً على عدد اعضائه بالتساوي. ناهيك بأن قراراته تتخذ بالاجماع، او اقرب ما يكون الى النصاب الموصوف. اما الصلاحيات المنوطة به، فتنحصر بالقضايا المصيرية. صلاحيات منفصلة عن تلك التي لمجلس النواب، مستقلة عنها، ولا تتقاطع معها. هذا يعني اننا لن نكون على صورة فرنسا مثلاً، بحيث تجتمع الغرفتان، الجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ، ويشكلان البرلمان. عندنا البرلمان برلمان، ومجلس الشيوخ مجلس للشيوخ. لكل منهما صلاحيات خاصة به، يشرّع بناء عليها وباستقلال تام عن الآخر. اي ان كل ما ليس قضايا مصيرية يصبح في اختصاص مجلس النواب وحده. كل ما يرتيط بالاحوال الشخصية يظل عند مجلس الشيوخ. ليس صعباً العثور على القضايا المصيرية التي نجدها في مقدمة الدستور، وفي بعض ما ورد في المادة 65 منه عن القضايا الاساسية.
3 ـ اجراء انتخابات متزامنة للمجلسين معاً وفق قانون خاص بكل منهما، يُعدّان بالتزامن ايضاً».
عندما يُسأل رئيس المجلس: هل في وسع الوضع الحالي تحمّل صدمة كهذه يمثّلها مشروعه، يجيب: «هل مَن يشكك من اللبنانيين في ان لبنان هو بلد الاقليات المتحدة؟ هل مَن يشكك في ان الفساد والطائفية توأمان؟ هل مَن يشكك في ان لبنان كله الآن كانتونات مع وقف التنفيذ؟ لناديا تويني عبارة في احد دواوينها، هي ان وطني حروب اقدم من مياه نهر الاردن».
بعد ان يعود بالذاكرة الى تواريخ الحروب الاهلية في لبنان منذ اكثر من قرن الى الامس القريب، يعزو برّي «سببها الدائم» الى «الشعور الطائفي الذي احالنا الى طوائف متناحرة. خلاصنا هو في هذه الجراحة في نظامنا التي ادعو اليها، لأنها دستورية اولاً، ولأننا لا ننشىء منها دستوراً جديداً، ولأن حقوق الطوائف والاديان محفوظة. فوق ذلك كله، يقتضي ان لا ننسى ان خصم كل منا داخل طائفته. ما مانع عدم الذهاب الى الدولة المدنية اذاً؟ لا حل سوى هذا. ذلك ما حدثت به الموفدين الدوليين الثلاثة الذين حضروا. مثلما تكلمت معهم عن زلزال المرفأ والموضوع الحكومي، تطرقت ايضاً الى هذا الامر. الى حاجتنا الى الدولة المدنية».
وعما آل اليه ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل في ضوء محادثاته مع وكيل وزارة الخارجية الاميركية للشؤون السياسية دافيد هيل والزيارة المرتقبة لمساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى دافيد شنكر اواخر هذا الشهر، اجاب: «هذا الملف بين يدي منذ 11 عاماً. اولى مشكلاته بيني وبين الامم المتحدة لاقناعها بمسؤوليتها عن ترسيم الحدود. دخل الاميركيون في السنة السادسة على الخط، وبلغ عدد المتعاقبين على هذا الملف نحو خمسة مسؤولين. الآن وصلنا الى الخواتيم. نحن اليوم في مرحلة تحديد موعد الاعلان عما اتفقنا عليه، وهو اطار محادثات الترسيم وآليتها، وليس بعد الترسيم النهائي. ما ان يصير الى هذا الاعلان، اتخلى انا عن الملف وينتقل للفور الى المراجع المعنية بالتفاوض، كرئاسة الجمهورية والحكومة والجيش. لا تعود لي عندئذ اي علاقة. لست انا مَن يرسم الحدود، بل المفاوضات التي تجريها السلطة الاجرائية. وضعت الاطار والآلية الضروريتين لمصلحة لبنان وحقوقه فقط. قلت هذا الكلام للرئيس (ايمانويل) ماكرون عندما اجتمعت به في حضور رئيسي الجمهورية والحكومة».
يختم رئيس المجلس ان زيارة شنكر «غير مؤكدة بعد. موقف دافيد هيل امامي كان ايجابياً للغاية، كما لو ان الامر انتهى. شنكر هو الذي يمسك اليوم بالملف. اذا تأكد مجيئه، قد يحمل معه موقفاً اسرائيلياً مفيداً».
نقولا ناصيف – الاخبار