أظهرت الدراسات أن الفرد الأوروبي يقرأ بمعدل 35 كتابًا سنويًا. وأن الفرد الصهيوني يقرأ بمعدل 40 كتابًّا سنويًّا. بينما لإنهاء قراءة كتاب واحد في العام العربي فنحن بحاجة الى ثمانين شخص!!.
تشكل القراءة عاملاً أساسيًّا في صقل شخصيّة الفرد لما لها من أهميّة في بناء الفكر، وتوسيع المدارك المعرفيّة، وتنوع الثقافة العامّة، كما أنها عنصرًا فعّالًا في في تقدم المجتمعات وتطوّر الأمم. وقد حثت جميع الأديان السّماويّة على التّعلم والمعرفة، وقد خاطب الله (عزّ وجلّ) الرّسول الأكرم محمد (ص) في أول آية أنزلها عليه بأن: ﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الذي خَلَقَ ﴾، وهي دلالة واضحة على أهميّة القراءة وزيادة المعرفة، وهي السّبيل الأوحد لمخاطبة الشّعوب المتّنوعة والمختلفة والتّعرف والبحث في تاريخهم وعاداتهم وتراثهم.
فما هي الآثار الإيجابيّة للقراءة على الفرد والمجتمع؟
وما هي الأسباب التي تحول بيننا وبين القراءة؟ وهل يكون الحجر المنزليّ الوقائيّ فرصة لإعادة الإعتبار للقراءة؟
تعدّ المطالعة من أهم عمليّات الإنتاج الفكريّ، حيث تساعد القارىء على التّفاعل بأسلوب شيّق وممتع يؤدّي الى الفهم الصحيّح والنّقد السّليم، ويمكن لنا أن نوظّف القراءة والمطالعة في مجالات حياتنا المتنوّعة، وللإفادة منها في مواجهة الصّعاب وحلّ المشكلات.
وتشكل المطالعة فرصة مهمّة للحصول على المعرفة من خلال الاتّصال بالعلوم والمعارف الإنسانيّة التي تراكمت منذ بداية عصر المعرفة، والقراءة وسيلة للإستفادة من تجارب الشّعوب، ونسج علاقات مع ماضيهم وحاضرهم، وفرصة لبناء المستقبل إنطلاق من كلّ تلك الموروثات العلميّة والثّقافيّة والفكريّة، والأهم أنها تعطي قوة دفعٍ لفهم العقيدة والدّين اللّذين يرتبط بهما الإنسان مع ربّه.
ومن الآثار الإيجابية لعملية القراءة والمطالعة نورد الآتي:
1- تعمل على تقوية الوصلات العصبيّة التي تحفّز الدّماغ للقيام بمهامه، وتُطوّر القدرات الدّماغيّة التّواصليّة والتّحليليّة، خصوصاً لدى الأطفال واليافعين.
2- تعزّز التّركيز، ما يؤدي إلى تنمية القدرات التّأمّليّة والتعبيريّة الكتابيّة منها والشّفويّة.
3- تحفّز القدرات الإبداعيّة، إذ أنّ القراءة تمكّن الفرد من التّفكير بشكل غير مألوف، وتمكّنه أيضاً من الإتيان بما هو غير مسبوق نظراً لتجدد أفقه الثّقافي والفكريّ المستمر نتيجة القراءة والإطلاع.
4- تساعد في تنشيط الذاكرة، وتَحِدُّ من الإصابة بمرض الزهايمر.
5- تقاوم الإكتئاب والتّوتر العصبيّ، لأن الأفكار الجديدة التي يكتسبها القارىء تساعد في التّقليل من أفكاره السّلبية المتراكمة بفعل التجارب الشّخصية والعلاقات الاجتماعية.
6- يكتسب القارىء فصاحة اللّغة، وأسلوب المخاطبة وحسنُ المنطق والتّفكير.
7- تعتبر من الهوايات الجميلة والممتعة، الّتي تصقل شخصيّة القارىء وتمنحها القوّة والتأثير في الآخرين
8- هي أسلوب للتّعليم والتّطوير الذّاتيّ يغذّي الفكر والرّوح معا.
وهنا نشير الى تقرير أصدرته مؤسسة الفكر العربي أن متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنويا بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق وحسب إحصاءات منظمة اليونيسكو، بينما لا يتجاوز متوسط القراءة الحرّة للطفل العربي بضع دقائق في السنة، مقابل 12 ألف دقيقة في العالم الغربيّ.
وللإضاءة على إهتمام الدول في مجال القراءة نستعرض الترتيب التالي: حلّت الهند في المرتبة الأولى بمعدل قراءة 10.7 ساعات أسبوعيًا، تليها تايلاند بمعدل 9.4، فالصين بمعدل 8، بينما حلّت أمريكا في المرتبة الـ 23 بمعدل 5.7 ساعات قراءة في الأسبوع بحسب موقع ( Global English Editing).
وهنا لا بد من الإشارة الى أنّ بلاد العرب والمسلمين كان لهم اليد البيضاء في نشر العلوم والمعارف الرياضيات والكيمياء والطب والهندسة والفلسفة في كافة أصقاع المعمورة.
ولأننا في أمّة أقرأ هجرنا الكتاب والقرآن وحتى الدّين، فقد تأخرنا عن مواكبة النهوض العلمي والثقافي والمعرفي، ولأننا في ظروف استثنائية، وبهدف الإستفادة من فرصة الحجر المنزليّ للوقاية من خطر انتشار وانتقال فيروس كورونا، ولكي نعيد للكتاب رونقه وللقراءة مجدها وللمطالعة بهجتها، فإنّني أتوجّه الى جميع المهتمين من معلّمين وباحثين وتربويّين بالدعوة الى تحويل هذا التحدّي الى فرصة للإستمتاع بالقراءة والمطالعة المتنوّعة، كما أخصّ بالنّداء طلّابي وطالباتي الأعزّاء المقبلين على الحياة بشغف وشوق، فلا يمكن لنا مواجهة الحياة وصعوباتها من دون التزوّد بالمعرفة والثّقافة إلى جانب العلوم الأكاديمية. وإنطلاقًا مما تقدم أضع بعض الإقتراحات التي تساعد على تحسين القراءة ونوعيتها، وهي على النحو التالي:
-?ابحث عن الأدلة التي تكون لك قناعة عن أهمية المطالعة، وخذ قرارًا بالبدء في القراءة.
? ابحث عن الموضوع او الكتاب الذي يستهويك، ويتناسب مع مستواك اللغويّ والمعرفيّ.
?يجب أن يشكل لك الموضوع عامل جذب وتشويق، وأن يكون سهلاً ممتنعاً.
? اختر المكان والزمان المناسبين للمطالعة.
?إبتعد عن جميع أدوات التسويف وإضاعة الوقت والتشتّت.
? استخدم وسائل التكنولوجيا للقراءة وليس بالضرورة حصرها في الكتاب.
ولأننا في أجواء اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، الذي يصادف في 23 نيسان من كل عام، ولأنّنا في الحجر المنزلي خلال هذه الفترة لحين تبيان النتائج الطبية، فانّني اقدّم المبادرة والتحدي التالي:
? مشاركة قراءاتنا مع الأصدقاء بملخّصات للكتب التي نقرأها
? نشر مسابقات ثقافية
? اقامة العاب تربوية
-?حل كلمات متقاطعة
? الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي بهدف تفعيل وتحسين المطالعة.
? كما يمكن أن تهتم الدولة والجمعيات والمؤسسات التربوية ببث برامج توعويّة حول أهميّة القراءة وتوجيه الشّباب والطلّاب على الاستفادة القصوى من أوقات الحجر المنزلي.
وأخيرًا، هل لديك الاستعداد لخوض هذا التّحدّي وتحويل فترة الحجر المنزليّ الى فرصة لتفعيل وتحسين المطالعة والقراءة؟
ختاما، نتمنى الخير والصحة لجميع اللّبنانيّين، وأن يبعد شبح كورونا عن الكرة الأرضيّة.