نداء الوطن
رغم “هضامة” رئيس المجلس النيابي نبيه بري و”قفشاته” الظريفة في الهيئة العامة، غير أنّ “نكتة” الأمس التي لم يهضمها أكثرية المغرّدين أتت من قصر بعبدا مع إبداء رئيس الجمهورية ميشال عون “ارتياحه لانطلاق مسار العملية الانتخابية في أجواء من الديمقراطية التي لطالما ميزت النظام اللبناني على مر السنوات”، وهو الذي اشتهر بتعطيل هذه العملية والتنكيل باللعبة الديمقراطية والمهل الدستورية بالتكافل والتضامن مع “حزب الله” على مدى ما مجموعه 65 جلسة انتخاب رئاسية، 20 منها في العام 2007 حتى حصوله على مكتسبات سياسية في “تسوية الدوحة” عام 2008، و45 جلسة من العام 2014 حتى وصل إلى سدة الرئاسة الأولى في العام 2016، وأوصل معه البلد وأبناءه إلى قعر “جهنّم” في خلال أعوام عهده الستة… و”الأظرف والأنكى” في تعليقه على مجريات الجلسات الرئاسية أنه لم يتوانَ عن الإعراب عن أمله بأن يتمكن النواب من انتخاب رئيس جديد للجمهورية يُكمل “المسيرة التي بدأت منذ ست سنوات”!
أما في وقائع الجولة الرئاسية الأولى وما أفرزته في صناديق الاقتراع، فظهر جلياً أنّ تكتلات وكتل المعارضة الرئيسية ربحت هذه الجولة بعدما نجحت في تسجيل عدة نقاط سياسية في مرمى فريق السلطة الذي بدا حابساً الأنفاس وكاتماً “أصواته” النيابية بورقة بيضاء تحت وطأة عدم اتفاق مكوناته على مرشح رئاسي واحد، مقابل ذهاب قوى المعارضة والتغيير بترشيحات جدية إلى الجلسة تقدمها النائب ميشال معوّض الذي حاز بنتيجة التصويت على 36 صوتاً، تلاه مرشح تكتل “نواب التغيير” سليم إدة بـ11 صوتاً، قبل أن تسارع كتل 8 آذار وفي طليعتها نواب “الوفاء للمقاومة” إلى تطيير نصاب الدورة الثانية، متسلحةً بـ63 ورقة بيضاء لتثبيت حجمها النيابي، وليبادر رئيس المجلس تالياً إلى تلقف كرة التعطيل من فريقه السياسي، معلناً رفع الجلسة و”مودّعاً” النواب “على الواقف” بكلمة أشبه بـ”تعليمة” رئاسية مفادها أنه لا ينوي الدعوة إلى جلسة انتخاب رئاسية ثانية قبل أن يتأكد من حصول “توافق… وإلا فلكل حادث حديث”.
و”لم يكن تفصيلاً”، بنظر مصادر المعارضة أن يحظى مرشح “يتمتع بمواصفات سيادية من الطراز الرفيع كميشال معوّض بنسبة أصوات كانت ستبلغ 40 صوتاً في الدورة الأولى لولا تغيّب بعض النواب، وكان من المرجح أن ترتفع أكثر إلى حدود الـ50 صوتاً في الدورة الثانية في حال انعقدت، خصوصاً وأن معوّض عبّر بالفم الملآن من المجلس النيابي (عقب انتهاء الجلسة) عن المبادئ والخيارات التي يمثلها بدءاً من مبدأ السيادة والإصلاح ورفض الاستقواء، وصولاً إلى التأكيد على تبنيه خيار التوافق لكن على أن لا يُبنى على أساس وجود سلاح خارج الشرعية أو فرض أيديولوجيات على اللبنانيين، واضعاً ترشحه تحت سقف ركيزة سيادة دولة المؤسسات والدستور والطائف وإعادة ربط لبنان بالشرعيتين العربية والدولية”، معربةً من هذا المنطلق عن ارتياح المعارضة إلى نتائج الدورة الانتخابية الأولى باعتبارها تشكل “حجر الأساس” في توجهاتها حيال الاستحقاق الرئاسي بانتظار تبلور صورة “الاتصالات المستمرة مع سائر تكتلات ونواب المعارضة والتغيير والمستقلين للتقدم خطوات إضافية باتجاه الوصول إلى توافق أوسع على مرشح مشترك لرئاسة الجمهورية”
أما على الضفة المقابلة، فدشّن “حزب الله” من خلال جلسة الانتخاب الأولى أمس خطواته الرسمية على طريق فرض الشغور في سدة رئاسة الجمهورية، على أن يستمر في مسيرة استنزاف المهل الدستورية والترشيحات الرئاسية ضمن صفوف فريقه حتى تقطيع الوقت الفاصل عن موعد نهاية الولاية العونية نهاية تشرين الأول الجاري، ولهذه الغاية “أعدّ العدّة الحكومية اللازمة لإدارة مرحلة الشغور” كما أكدت أوساط مواكبة للملف الحكومي، موضحةً أنّ ضغوط حارة حريك على رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وصلت إلى خواتيمها وستسفر خلال الأيام المقبلة عن استئناف الرئيس المكلف نجيب ميقاتي مشاوراته الرئاسية في قصر بعبدا لوضع اللمسات الأخيرة على التشكيلة الوزارية المرتقبة، تمهيداً لولادة حكومة أصيلة قادرة على تسلّم زمام السلطة التنفيذية وصلاحيات رئاسة الجمهورية بعد نهاية العهد.
ونقلت مصادر واسعة الاطلاع معطيات متصلة بأجواء الاتصالات التي أدت إلى تجاوب باسيل مع رغبة “حزب الله” في تسهيل تشكيل الحكومة الجديدة والتراجع عن الشروط والعراقيل التي وضعها في سبيل الموافقة على تأليفها، مشيرةً إلى أنّ رئيس “التيار الوطني الحر” وافق على مجاراة قيادة “حزب الله” حكومياً لأنه يريد أن “يقبض الثمن” رئاسياً، من خلال وعد تلقاه باستمرار دعم “الحزب” له بعد نهاية العهد وعدم السير بأي مرشح لرئاسة الجمهورية ما لم يحظ بموافقة مسبقة من باسيل… “مهما طال أمد الشغور”