يتهددُ السجناءَ فيروسُ كورونا الذي حوّل حياتهم إلى جحيم. يخشى هؤلاء من خطأ قاتل قد يرتكبه حارسٌ أو زائرٌ أو حتى «كيس» بلاستيكي ملوّثٌ بالكورونا يُدخله أحدهم إلى السجن. وأي خطأ سيعني حتماً أنّ آلاف السجناء باتوا في خطر. لذلك تستوجب هذه الظروف غير المسبوقة، حرصاً على حياة السجناء والعناصر الأمنية، قراراً استثنائياً لإخراج ثلاثة آلاف سجين على الأقل. فهل ستكون الحكومة على مستوى التحدي؟عشرات السجناء قطّبوا شفاههم إيذاناً بإعلان الإضراب المفتوح حتى إعلان العفو العام. التصعيد لا يقف هنا. يتحدث عدد من السجناء عن توجهٍ لتعليق مشانقهم احتجاجاً! لا يُريدون سوى العفو العام. ومنذ الكشف عن فيروس كورونا الشديد العدوى، لم يهدأ نزلاء سجن رومية المركزي. يرون في الفيروس تهديداً محدقاً بحياتهم. لذلك يسعون، بكل ما أوتوا من قدرة، إلى الاتصال بالعالم الخارجي، طالبين إيصال صوتهم. مئات الاتصالات ترد يومياً إلى صحافيين ومحامين ومسؤولين سابقين وحاليين للمطالبة بالضغط لإقرار العفو العام. لم يردعهم حتى الرصاص المطاطي الذي استُخدم لقمع التمرد الذي اندلع منذ أسبوعين. يعتبر هؤلاء السجناء أنفسهم أمواتاً مع وقف التنفيذ. لديهم يقين بأنّ الموت قادمٌ مع كورونا إن لم يكن هناك قرار استثنائي يفرغ نصف السجون على الأقل. وفي اتصال مع أحد السجناء في مبنى المحكومين، قال لـ«الأخبار»: «نعاني من الاكتظاظ والمرض وقلة أدوات النظافة الشخصية والعامة، وتلازمنا حالة من القلق خوفاً من تسلل وباء كورونا». وأضاف السجين: «إذا كان العفو العام متعذراً حالياً، فنرجو تخفيض مدة الأحكام إلى النصف وتحديد سقف زمني للمحكومين بالسجن المؤبد أو بالإعدام». سجين آخر محكوم بالإعدام طالب بإيلاء ملف السجن أهمية استثنائية، مشبهاً السجن ببرميل بارود قد ينفجر في أي لحظة، على اعتبار أنّ مجرد إصابة أي سجين ستعني انتقال العدوى إلى باقي السجناء والعناصر الأمنية أيضاً. قضية أخرى يحملها السجناء الأجانب أيضاً. إذ إنّ هؤلاء الذين تبلغ نسبتهم نحو ٣٥٪ من سجناء لبنان، ينقسمون إلى فئات تُجمع على طلب العفو. وواحدة من أبرزها مجموعة السجناء السوريين التي تطالب بتطبيق المعاهدة مع سوريا وتسليمهم إلى دولتهم لقضاء العقوبة هناك، طمعاً بمرسوم عفو قريب قد يصدره الرئيس السوري بشار الأسد أسوة بمراسيم العفو السابقة.
حال السجناء ليس أفضل من ذويهم. فقد اتصل عدد من أهالي السجناء، الذين يأكلهم القلق على أبنائهم، بـ«الأخبار»، متحدثين عن انقطاع التيار الكهربائي عن عدة مبانٍ داخل السجن جراء عطل لم يتمكنوا من إصلاحه بعد. وذكر الأهالي أن أبناءهم السجناء يعيشون في ظروف صعبة، جراء غياب التدفئة، خلال موجة الصقيع الأخيرة وانعدام الماء الساخن للاستحمام.
الأزمة ليست في السجون وحدها. إذ إنّ نظارات التوقيف ليست أفضل حالاً. لحد الآن لم يصدر أي قرار شجاع بإفراغ النظارات التي تعتبر تهديداً حقيقياً قد ينقل الفيروس إلى الموقوفين ومنهم إلى آخرين، وخاصة القوى الأمنية.
مئات الموقوفين في النظارات مسجونون بموجب جنح وجرائم مرتكبة لا توجب التوقيف في هكذا ظروف تمسّ بحياتهم. فلماذا لا تُعلّق العقوبة أو يصدر قرار قضائي بترك الموقوفين بسند إقامة؟ كيف يمكن تخفيف الاكتظاظ في الوقت الذي لا يزال فيه القضاة يأخذون إجراءات متشددة؟ إخلاء سبيل شخصين أو أكثر لن يغير في المعادلة، إذا لم يكن القرار واضحاً بإفراغ السجن أو ترك نصف السجناء على الأقل. كذلك أشارت المعلومات عن وجود توجيهات للنيابات العامة بعدم التوقيف أو الطلب بإخلاء الموقوفين على اعتبار أن التوقيف الاحتياطي استثناء، بينما الحفاظ على الحرية هو الأساس، وخاصة في هذه الظروف. وكشفت مصادر خاصة أن رئيس الجمهورية ميشال عون جاهزٌ لتوقيع قوانين عفو خاص اسمية، إلا أنها ستكون محدودة لتطاول بعض المرضى والمسنّين. وأكدت المصادر أنه إلى اليوم لم يُبحث العفو العام.
يشكّل الفيروس تهديداً حقيقياً للسجناء المرضى وكبار السنّ في حال أصابهم. وفي هذا السياق، أعدت لجنة لائحة بالمرضى الذين يعانون داخل السجون، بناءً على طلب وزير الداخلية محمد فهمي، لتخلص إلى وجود نحو 250 سجيناً معرضين للخطر الجدي في حال التقاطهم الفيروس. وكشفت المصادر أن ورشة انطلقت لدراسة ملفات السجناء، مشيرة إلى أن عدداً من قضاة التحقيق والنيابات العامة باشروا ببعض الإجراءات إلكترونياً، ولا سيما التواصل من خلال الواتساب والـ«فيديو كونفرنس» مع الموقوفين.
المتخصص في إدارة السجون، الزميل عمر نشابة، يقترح أن يُخلى سبيل آلاف السجناء. أي قرار لتحقيق ذلك، سيكون إجراءً غير قانوني، لكنه إجراء استثنائي». وكشف نشابة أنه «يجري البحث عن الإطار القانوني العام والعادل لتنفيذه من دون فتح مجال بطريقة عشوائية للاستنسابية». أضاف: «أنا قلق كثيراً ولست مطمئناً وأسعى لإصدار إجراءات بأسرع وقت. أنا خائف فعلاً على السجناء، ولدينا اكتظاظ خانق». وأشار نشابة إلى أنّ هناك اجتماعاً مرتقباً عقده الثلاثاء المقبل بين وزيرة العدل ووزير الداخلية والمدير العام للسجون في لبنان لتقديم خطط تتضمن إجراءات وقائية للسجون. وكشف أنّ القوى الأمنية قامت الأسبوع الماضي بتعقيم السجون، لكنه اعتبر أنّ «ذلك غير كافٍ»، بل يجب وضع مذكرات توجيهية. والمطلوب إخلاء سبيل نحو 4 آلاف سجين، لأن السجون اللبنانية لا تصلح لإيواء أكثر من 3 آلاف سجين، فيما هي تضمّ اليوم نحو 7 آلاف محكوم وموقوف. ويستحيل، في ظروف السجون الحالية، القيام بأي إجراءات وقائية تحول دون الانتشار السريع لـ«كورونا».
ورأى نشابة أنه يجب على قوى الأمن والسلطات القضائية العمل لإيجاد صيغة لتخريج إخلاء سبيل السجناء في أقرب وقت، قائلاً: «نعم أنا أطلب المستحيل، لكن في وضع استثنائي يهدد كل الناس، يجب أن نفعل المستحيل لإنقاذهم، ولا سيما أن القضية تتعلق بحياة هؤلاء». يستعيد الخبير الجنائي ما جرى في إيطاليا، مشيراً الى حصول ثورة في ٢٧ سجناً، توفي فيها قرابة عشرة سجناء جراء هذا التمرد الذي اندلع بعد وفاة أشخاص داخل السجن بسبب فيروس كورونا.
تجدر الإشارة إلى أنّ عدداً من دول العالم لجأت إلى إصدار عفو عن آلاف السجناء، ما أدى إلى إفراغ عدد كبير من السجون خوفاً من انتشار فيروس كورونا في صفوفهم. فماذا ينقص الحكومة اللبنانية لتحذو حذوها، بدافع إنساني وحرصاً على حياة المئات من السجناء والعناصر الأمنية، مع الحرص على عدم التفريط بالحقوق الشخصية وعدم الإفراج عمّن تلطخت أيديهم بالدماء أو ارتكبوا جرائم تمسّ بالأمن القومي، وعلى رأسها التعامل مع العدو الإسرائيلي؟
رصوان مرتضى – الأخبار