البناء –
أنهى المبعوث الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان جولته اللبنانيّة بلقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري ناقلاً إليه حصيلة المباحثات التي أجراها، على قاعدة ما وصفه مصدر نيابي بارز بالتنسيق على التفاصيل بين بري وفرنسا والسعودية، على قاعدة القناعة المشتركة بأن مبادرة الرئيس بري هي خريطة الطريق الوحيدة لإنهاء الفراغ الرئاسي.
المواقف لا تبدو ناضجة لإحداث اختراق رئاسي بعد، وفقاً للمصدر النيابي مع مواقف معلنة لكل من حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب برفض الحوار، لأن مبادرة بري متكاملة، وقبول الحوار فيها شرط التخلي عن تعطيل النصاب في الدورة الثانية، لأنه يفتح الباب للتفاهم على مرشح أو أكثر. والتفاهم هنا يلغي مرشحي التحدي ويمهد الطريق لقبول الاحتكام لصندوق الاقتراع ولو بالأغلبية المطلقة، دون تعطيل النصاب، ورفض الحوار يعني بقاء التحدي سيد الموقف في الخيارات الرئاسية، وفي مناخ التحدّي دفاع عن مواقع وأدوار وثوابت، وتعطيل النصاب إحدى أدوات هذا الدفاع.
عن ما تداوله البعض منسوباً للمبعوث الفرنسي حول سقوط ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية والبحث عن مرشح ثالث، على قاعدة أن ترشيح الوزير السابق جهاد أزعور قد سقط حكماً، يقول المصدر النيابي إن حلف ترشيح فرنجية لم يبدل في خياراته الرئاسية ولا يزال عند موقفه الداعم لترشيحه، وإنه دقق بكلام لودريان فلم يجد ما يشير الى كلام عن سقوط ترشيح فرنجية، بل تأكيد لخلاصة جلسة 14 حزيران التي تقول إنه ليس باستطاعة أحد الطرفين الفوز بالرئاسة لحساب مرشحه، وهذا صحيح، وهو مبرر الدعوة لحوار، لكنه لا يعني سحب ترشيح يمكن أن يتمّ الاتفاق على ترشيحه عبر الحوار.
في عين الحلوة صمد وقف النار ليوم كامل ويدخل يومه الثاني، بعد تدخل رئيس مجلس النواب نبيه بري على خط العلاقة بين حركة فتح وحركة حماس، وفق ثنائية وقف النار وتسليم المطلوبين، بينما الملف المالي موضع أخذ وردّ بين صندوق النقد الدولي ووزارة المالية ومصرف لبنان، أمام تسليم بعدم تلبية موازنة 2023 و2024 للحدّ الأدنى من المطلوب في مواجهة التحديات.
واختتم الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان زيارته الى لبنان بعد جولة على مختلف الأطراف السياسية لكن مهمته لم تنتهِ على أن يعود بزيارة رابعة بعد أيام لاستكمال مشاوراته لإقناع الجميع بالمشاركة في الحوار، بعد أن يكون قد وضع أعضاء اللجنة الخماسية بأجواء زيارته اللبنانية ويجري معهم مباحثات للعودة بقرار دولي حاسم باتجاه الملف اللبناني، وفق ما علمت «البناء».
وفي يومه الأخير في لبنان، زار لودريان عين التينة حيث التقى رئيس مجلس النواب نبيه بري وغادر من دون الإدلاء بتصريح. غير أن المعلومات لفتت إلى أن «الموفد الفرنسي في صدد العودة خلال أيام الى لبنان لعقد اجتماع في قصر الصنوبر مخصّص لبحث الأجوبة التي تلقاها من الاطراف السياسية، وقد يكون بديلاً من الحوار الذي كان يريد الفرنسيون وأيضاً بري عقده». إلا أن أجواء عين التينة تشير لـ«البناء» إلى أن «مبادرة الرئيس بري قائمة وكذلك الدعوة للحوار بالتنسيق مع لودريان الذي أطلع بري بأجواء نقاشاته مع رؤساء الكتل النيابية، وأجريا تقييماً لمواقف رؤساء الكتل على أن يدرس بري مجريات الوضع الرئاسي وينتظر لقاء الخماسية وعودة لودريان ليتخذ القرار المناسب حيال الدعوة للحوار».
وفي سياق ذلك، تلقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اتصالاً من لودريان جرى خلاله البحث في نتيجة المحادثات واللقاءات التي عقدها لودريان في بيروت على مدى ثلاثة أيام. وتمّ التأكيد المشترك خلال الاتصال «أن نتائج المحادثات إيجابية بقرب انتخاب رئيس جديد للجمهورية».
إلا أن أوساطاً سياسية تشير لـ«البناء» الى أن «الحراك الدولي تجاه لبنان جدّي، لكنه غير فاعل لكون الظروف الإقليمية والدولية لإنتاج تسوية في لبنان لم تنضج بعد لا سيما أن الملف اللبناني ليس أولوية على أجندة الإدارة الأميركية، على الرغم من الضغط الفرنسي على السعودية لبذل الجهود للدفع باتجاه انتخاب رئيس للجمهورية، لكن لا تسوية ولا حل من دون ضوء أخضر أميركي وتفاوض غير مباشر بين الأميركيين والسعوديين من جهة والإيرانيين وحزب الله من جهة ثانية للتوصل الى تقاطع ما يؤدي الى تسوية جزئية في لبنان». ولفتت الأوساط الى أن لدى الأميركيين اهتمامات في ملفات كبرى أهم من الملف اللبناني لا سيّما سورية والعراق والصين والحرب الأوكرانية الروسية وأزمة الطاقة العالمية اضافة الى أزمة الكيان الإسرائيلي الوجودية لجهة الخطر الاستراتيجي الكبير الذي تشكله قوى وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وسورية وفي اليمن».
ونفت مصادر الثنائي حركة أمل وحزب الله لـ«البناء» الحديث الذي يُشاع عن انتقال الثنائي للتفاوض على الخيار الثالث التوافقي، مؤكدة أن «رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية ثابت على موقفه بترشيحه وأن فكرة الحوار ليست تراجعاً عنه»، موضحة أن «الثنائي على استعداد لمناقشة كافة الخيارات ومن ضمنها الخيار الثالث التوافقي لكن على طاولة الحوار وليس على المنابر وشرط إقناعنا بصوابية وجدوى الخيارات الأخرى، لا أن ينتزعوا منا وعداً بالتنازل عن دعم ترشيح فرنجية كشرط لمشاركتهم في الحوار»، مشدّدة على أن «زيارة رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد الى فرنجية تدحض كل الإشاعات التي تتحدث عن تنازل الثنائي عن دعم ترشيح رئيس المردة»، محذرة من أن «الرهانات على الضغوط السياسية والاقتصادية الخارجية على لبنان وفرض عقوبات على رموز لبنانية وطنية سيطيل أمد الفراغ وسيأخذ البلد الى المجهول ومشهد أسوأ اقتصادياً وسياسياً وأمنياً»، داعية جميع الأطراف الى «الحوار للنقاش في كيفية إنهاء الفراغ والبدء بمسيرة النهوض الاقتصادي».
وفي سياق ذلك، رأى عضو المجلس المركزي في «حزب الله» الشيخ نبيل قاووق، خلال احتفال تأبيني في العباسية، أن «نوبة التحريض والصراخ والضجيج الأخيرة ضد المقاومة، سببها نجاح المقاومة في تحقيق إنجازات ومعادلات استراتيجية تاريخية في البر والبحر والجو».
وقال: «إن لبنان بات على طريق نادي الدول النفطية والغازية بمعادلة المقاومة، وإن سماء لبنان وأرضه اليوم باتتا أكثر منعة من أي زمن بمعادلة المقاومة، ولذلك نحن نتفهّم أن الحاسدين والمعادين منزعجون من إنجازات المقاومة، وهذا يفرحنا»، مؤكدا أننا «في حزب الله وحركة أمل نضع أولوية، وهي الإسراع في إنقاذ البلد ووقف الانهيار لتخفيف معاناة اللبنانيين الحياتية والاجتماعية، ولكن الطرف الآخر لا يهمه إنقاذ البلد، وأولويته جره إلى الفتنة».
واعتبر قاووق أن «الآخرين واهمون أنهم يستطيعون تغيير المعادلات والتوازنات الداخلية من خلال التحريض لإيصال رئيس مواجهة وتحدّ، فهم يريدون الانقلاب على إنجازات المقاومة وعلى عوامل قوة لبنان، ولكنهم يراهنون على سراب»، مشدداً على أن «الآخرين لهم الشعارات الفارغة، ولنا المعادلات الحاسمة والفاعلة، وشتان ما بين الشعارات والمعادلات، فالذي يصنع مستقبل لبنان القوي هو المعادلات وليست الشعارات».
في غضون ذلك، ساد الهدوء التام محاور القتال داخل مخيم عين الحلوة بعد اتفاق وقف اطلاق النار الذي لا زالت مفاعيله سارية وصامدة، بعد 24 ساعة على دخول قرار وقف إطلاق النار حيز التنفيذ عند السادسة من مساء الخميس الماضي برعاية الرئيس بري.