صدر عن الرئيس سعد الحريري الآتي:
– برغم الضجيج الذي رافق عودتي الى بيروت وملأ مواقع التواصل ووسائل الاعلام بتحليلات وتوقعات وتمنيات لم تكن في معظمها موفقة، فقد آثرت مقاربة الأوضاع حيث دعت الحاجة، من منطلق الضرورات التي توجبها المصلحة العامة في مواجهة الخطر الداهم لوباء كورونا.
– اليوم لم يعد هناك ما يبرر لااعتصام في الصمت بعد وجبة الافطار الاولى التي تناولها اللبنانيون على مائدة الحكومة في قصر بعبدا.
– وجبة لا تقيم حساباً لما بعدها وتعلن الانقلاب بلغة عسكرية، سبقتها زيارة الى اليرزة وعراضة حكومية امام كبار الضباط، حتى ليكاد ان يكون مطلقها جنرالاً يتقمص دور رئيس للحكومة.
– كلام خطير يتلاعب على عواطف الناس وقلقهم المعيشي وخوفهم على لقمة عيشهم، ليتبرأ من التقصير الفادح الذي تغرق فيه الحكومة من رأسها الى أخمص القدمين.
– إنها مرحلة الانتقام من مرحلة كاملة يفتحونها على مصراعيها، ويكلفون رئاسة الحكومة تولي مرحلة الهجوم فيها.
– لقد أغرقوا رئاسة الحكومة في شبر من العبارات المحملة بالتهديد والوعيد، وأخطر ما في ذلك ان رئاسة الحكومة ستتحمل دون ان تدري مسؤولية إغراق الليرة التي تترنح بفضائل العهد القوي على حافة الانهيار الكبير .
– برافو حسان دياب. لقد أبليت بلاء حسناً، وها انت تحقق احلامهم في تصفية النظام الاقتصادي الحر . انهم يصفقون لك في القصر ويجدون فيك شحمة على فطيرة العهد القوي.
– فكيف يمكن ان تغيب عنك الجهة التي تسببت بنصف الدين العام من خلال دعم الكهرباء، وان تغض النظر عن سبع سنوات من تعطيل المؤسسات الدستورية، والا تسأل عن السياسات التي أضرت بعلاقات لبنان العربية والدولية، والا تلتفت الى المسؤوليات التي يتحملها الاوصياء الجدد على رئاسة الحكومة. هل هي جميعها من صناعة حاكم مصرف لبنان؟
– يقول المثل اللبناني: ان الدنيا وجوه وعتاب. ويبدو ان الوجوه التي دخلت جنة الحكم كان حضورها كافياً لادخال البلاد في جهنم نقدية واقتصادية استكملوا خطواتها في جلسة مجلس الوزراء اليوم، وان عتبة العهد، التي شاركنا للأسف في تبليطها، ضربت الرقم القياسي في الانهيار النقدي والمالي منذ قيام دولة الاستقلال.
– هناك عقل انقلابي يعمل على رمي مسؤولية الانهيار في اتجاه حاكمية مصرف لبنان وجهات سياسية محددة، ويحرّض الرأي العام على تبني هذا التوجه، ويزوده بمواد التجييش والتعبئة التي ليس من وظيفة لها سوى إثارة الفوضى وتوسيع رقعة الفلتان النقدي الذي تتبرأ منه الحكومة لتقذفه في احضان الآخرين.
– لا وصف لكل ما يجري سوى انه تخبط في هاوية الافكار التجريبية والتفتيش عن ضحايا في السياسة والاقتصاد والإدارة قبل الانتقال إلى العمل بنظرية آخر الدواء الكي.
– والحقيقة التي يجب الا تغيب عن اللبنانيين في هذا المجال، ان الاستمرار في التخبط يضع لبنان على شفير السقوط في محنة قاسية، أين أضرارها وخسائرها وتداعياتها الاقتصادية والمالية والمعيشية من النتائج المترتبة على وباء الكورونا.
– والمسؤولية تقتضي الصدق والصراحة وعدم الاختفاء وراء شعارات الموسم، وتنبيه اللبنانيين من الاندفاع الأعمى نحو هذا السقوط، وركوب موجات اليأس ودعوات الانتقام من الذات، وصولاً الى تدمير بناء اقتصادي واجتماعي شكل نموذجاً للنهوض والنمو والازدهار على مدى عقود طويلة.
– هناك خلل عميق في مختلف جوانب الإدارة السياسية والاقتصادية لا مجال لتغطيته والاستمرار فيه، ولكن ما هو مطروح في غرف القرار يتعلق بتغيير هوية لبنان على كل المستويات، واخطر ما في هذا المخطط استخدام الغضب الشعبي وقوداً لاحراق الهوية الديموقراطية والاقتصادية والاجتماعية للبنان.
– فاحذروا ايها اللبنانيون، المتاجرة السياسية والحزبية بأوجاعكم ولقمة عيشكم وضمور مداخيلكم ، ولا تقدموا لتجار الهيكل فرصة الانقضاض على النظام الاقتصادي الحر .
– ما تسمعونه من مواقف وتقرأونه من أوراق عمل يعدها منظرو الحكم والحكومة، يشكل دعوة لتكليف الذئب في رعاية القطيع، او هو اسلوب مبتكر في اعطاء المتهم صلاحية التحقيق في الاتهامات المنسوبة اليه.
– لقد وقع الانهيار نتيجة المماطلة في تحديد مسارات الانقاذ منذ حكومة العهد الأولى. وتدرج الانهيار طوال الأشهر الماضية، ليصل إلى ما وصل اليه في الساعات الأخيرة، حيث ضرب سعر الدولار رقماً غير مسبوق حتى في أسوأ ظروف الحرب الأهلية.
– الى ذلك اختار العهد ومعه الحكومة سلوك دروب الكيدية التقليدية واستحضار ادوات العام ١٩٩٨ لإدارة حلقات الكيد والثأر السياسي.
– فكم كان يستحسن في هذا الظرف العصيب ان تقتدي الحكومة بتوجيهات الأطباء التزام التباعد الاجتماعي والحجر المنزلي، فتعتمد التباعد السياسي والحجر الحكومي عن الأفكار الموبؤة والنصائح المسمومة من جهابذة المرحلة وسماسرتها ومنظريها، ورمي التهم يميناً ويساراً للتغطية على ادوارهم في مسلسل التعطيل والفرص الضائعة.
– لقد جاء الكلام الذي صدر بعد جلسة مجلس الوزراء في بعبدا ليؤكد انخراط الحكومة في النهج الانتقامي الذي ساد منذ أواخر التسعينات والذي اعتقدنا ان المتغيرات والمصالحات التي شهدتها السنوات الاخيرة يمكن ان تنجح في وقفه وازالة الغِل الكامن في بعض النفوس.
– ونحن في هذا السبيل لا نتوقف عند كلام الدكتور حسان دياب لأنه يقع في دائرة المواقف التي تعودنا عليها منذ التسعينات وارتأى هو الانتساب اليها بعد ما أنزلت عليه رئاسة الحكومة في ليلة لم تكن في الحسبان، لكننا نتوقف عند الكلام الذي يصدر عن رئاسة الحكومة بما هي موقع مركزي في المعادلة الوطنية، من غير المسموح ان تكون مطية لمآرب الناشطين على مواقع الاحقاد الدفينة وموطئاً للمستشارين المزروعين في اروقة السراي لتصفية بعض الحسابات السياسية والشخصية.
– الحكومة تحاول ان تستجدي التحركات الشعبية بإغراءات شعبوية وتمارس سياسة تبييض صفحة العهد ورموزه على طريقة تبييض الوجوه والأموال والمسروقات، ثم تلجأ إلى ركوب موجة المطالب دون ان تتمكن من تلبيتها وترمي تخبطها ودورانها حول نفسها على الإرث الثقيل للحكومات المتعاقبة.
– استحضروها لمهمة عجزت عنها وحوش الوصاية في عز سيطرتها، وها هم يطلون من جحورهم مرة اخرى، ويتخذون من رئاسة الحكومة جسراً لاعلان الحرب على مرحلة مضيئة من تاريخ لبنان أطلقت مشروع اعادة الاعتبار للدولة بعدما اجتمع جنرالات الحروب العبثية على كسرها.
– إننا ننبه رئاسة الحكومة من الانزلاق في هاوية الكيدية السياسية التي حفرتها جهات متخصصة بالتخريب من زمن الوصاية، فلا مصداقية ولا أهلية سياسية لأي مسؤول يدخل السراي الكبير وفي جدول مهماته الطعن بكرامة الكبار الذين تعاقبوا على هذا الموقع الوطني.
– أما الذين يراهنون على تحويل رئاسة الحكومة إلى خندق يتجمعون فيه للانتقام من إرث السنين الماضية، فيعلمون جيداً ان شجرة الإرث الثقيل تشملهم جميعاً، كبارهم وصغارهم، وان السجل الاسود لمعظمهم في مجال القمع والهدر والاستقواء على الدولة وتعطيلها وتجيير مصالحها لا يستوي مع ادعاءات النزاهة والشفافية والعراضات اليومية على الشاشات… ونحن لهم بالمرصاد.