لو لم يكن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون في بيروت مساء غد، هل كان موعد استشارات تكليف من يشكل الحكومة، تم نهار اليوم نفسه؟ الراجح أن هذه الزيارة فرضت أن تكون الاستشارات وفق روح الدستور، المدخل الطبيعي للتأليف، بصرف النظر عما اذا كان سيحصل او انه سينتظر زيارة دولية أخرى.
ولن يطول انتظار تلك الزيارة على الارجح، إذ إن الموفد الأميركي مساعد وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شينكر سيكون في بيروت بعد غد، فهل سيكون العامل المساعد على تشكيل الحكومة، أم انه سيركز اهتمامه على قضايا اخرى عالقة، كترسيم الحدود المائية مع اسرائيل؟ علما ان هذه الأمور بدورها تتطلب وجود حكومة.
ووجود حكومة يتطلب تكليف من يشكلها بموجب الاستشارات، ومع امتناع رؤساء الحكومة السابقين عن تشكيل حكومة «تعويم العهد وحلفائه»، ورفض الرئيس سعد الحريري بالذات تسمية الشخصية السُنية الملائمة من وجهة نظره، فمن شبه المؤكد ان «المنظومة الحاكمة» ستذهب الى تسميته هو شخصيا ووضعه أمام الأمر الواقع، وفي محاكاة ضمنية لرؤية الرئيس الفرنسي الزائر، وهنا يكون السؤال الكبير: هل سيحرج الحريري ويقبل، مع تقديم بعض الإغراءات الشكلية له، أم يبقى على التزامه بالتعهد الذي قطعه مع رباعي الرؤساء السابقين للحكومة بألا يشكل أحدهم حكومة في الفترة المتبقية من عمر ولاية الرئيس ميشال عون، وألا يتبنى تسمية من يشكل هذه الحكومة، وبالتالي الفرض على المجتمع السياسي اللبناني ايجاد المخرج الانقاذي للنظام؟
على اي حال، رؤساء الحكومة السابقون الذين اجتمعوا في بيت الوسط مساء اول من امس أبقوا اجتماعاتهم مفتوحة، ولن يعلنوا عن قرارهم النهائي قبل استشارات الغد.
الاستشارات النيابية ستبدأ في 9 صباحا مع الرئيس نبيه بري، وتنتهي في الواحدة والربع مع كتلة التنمية والتحرير التي يرأسها الرئيس نبيه بري، واللافت في جدولة مواعيد الاستشارات أنها كانت تبدأ تلقائيا بالكتل النيابية الأكبر، اي بكتلة التيار الحر والتنمية والتحرير فـ «المستقبل» و«القوات» لتنتهي بالكتل الصغيرة فالمستقلين، فإذا بالبرنامج المعلن يبدأ بالكتل الأصغر والمستقلين، والغاية من ذلك تحديد مسار الكتل الوازنة، ككتلة الرئيس بري، وفق ميزان تسميات صغار الكتل والمستقلين، وبالتالي التحكم بالنتيجة العددية.
وقد تتمخض الاستشارات وتلد مكلفا بتشكيل الحكومة تحت التأثير الفرنسي، وما أن يغادر الرئيس الفرنسي حتى تعود المماطلة والتسويف من خلال الشروط التعجيزية على الرئيس المكلف، ما يجعل تأليف الحكومة أقرب إلى حلم ليلة صيف، لكن وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان حذر من المراوغة، مؤكدا للمعنيين أن المبادرة الفرنسية ليست شيكا على بياض.
والظاهر أن ماكرون عاقد العزم على متابعة الأوضاع اللبنانية، حتى ايصالها شاطئ الأمان، لأن في إعادة تصحيح هيكلية ومسار الدولة اللبنانية المتهالكة، انعاشا للدور الفرنسي على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط المتوتر، وتعزيزا لمكانته السياسية على الصعيدين الفرنسي والأوروبي.
وتشير المعلومات إلى أن التيار الوطني الحر وحزب الله وحركة أمل والمردة واللقاء الديموقراطي (الاشتراكي)، سيلتزمون بالمرشح الذي يسميه الحريري، او إذا وافق على التسمية طبقا لشروطه، على ان يسمي مرشحا او اثنين تاركا للكتل النيابية مجالا للمفاضلة، وهنا يتقدم اسم وزيرة الداخلية السابقة ريا الحسن ووزير العدل السابق سمير الجسر، وكلاهما من تيار المستقبل ومن مدينة طرابلس، ومثلهما الوزير السابق رشيد درباس الذي جرى تداول اسمه، لكنه نفى لـ «الأنباء» ان يكون اتصل به احد، في حين يؤكد الوزير السابق وئام وهاب ان اسم درباس في المقدمة.
الرئيس بري، المتمسك بعودة الحريري الى رئاسة الحكومة، عرض على الحريري «تنازلين»: الأول عن وزارة المال والثاني عدم المشاركة المباشرة من حزب الله، ويصر بري على تشكيل حكومة انقاذ مصغرة من 15 الى 12 وزيرا، شرط أن تكون برئاسة الحريري.
في الاثناء، أعلن بهاء الحريري أمس ترشحه لرئاسة الحكومة، رافضا ان تذهب الحكومة الى تكنوقراط مجهول يفتقر الى الجاذبية، وتحدث لـ «غلوب ان ميل» عن تنسيق بينه وبين البطريرك بشارة الراعي والمجتمع المدني لمحاولة ايجاد رئيس للوزراء يمكن ان يتعامل مع التحدي المزدوج بإنهاء الفساد في لبنان ونزع سلاح حزب الله، لافتا الى تغيير الخريطة السياسية في لبنان بعد انفجار المرفأ وصدور قرار المحكمة الدولية، مؤكدا ان غالبية المجتمع المسيحي ضد حزب الله والمجتمع السُني وكذلك المجتمع المدني من جميع الطوائف ضده، ورأى ان «كل من عمل مع حزب الله منذ استشهاد والدي يجب ان يبقوا خارج السلطة».
القوات اللبنانية اكدت، بحسب قول نائبها القاضي جورج عقيص لـ «الأنباء»، عزوفها عن الانضمام الى الحكومة.
ولفتت أمس، زيارة سفير المملكة العربية السعودية وليد البخاري الى رئيس حزب القوات اللبنانية د.سمير جعجع في معراب، حيث جرى البحث في الأوضاع الراهنة، بحضور النائب القواتي بيار بوعاصي.
“الانباء الكويتية”