تسارعت وتيرة حركة فرنسا في لبنان أخيراً، وفق 3 مسارات متوازية، المسار الأول هو استحقاق الانتخابات الرئاسية، والمسار الثاني هو العمل لكسب مزيد من الاستثمارات، أما المسار الثالث فهو الدخول بقوة على خطّ فرض عقوبات وفتح تحقيقات مع أصحاب المصارف، علماً بأن باريس لطالما هددت ولوّحت بفرض عقوبات على مصرفيين وسياسيين لبنانيين، لكنها لم تفعل ذلك. فبالنسبة إلى الاستحقاق الرئاسي، لا تزال باريس متمسكة بطرحها حول تبنّي خيار سليمان فرنجية، وهو أمر مرفوض سعودياً وأميركياً، كما أنه مرفوض من غالبية اللبنانيين، خصوصاً القوى المسيحية الأساسية. ويقول معارضو هذا الطرح، إن باريس تهدف إلى تمرير تسوية تمدد للأزمة، بهدف حفظ مصالحها. أما في مسار الاستثمارات، فبعد نجاح الشركات الفرنسية بالاستثمار في مرفأي بيروت وطرابلس، وفي قطاع البرق والبريد، وفي التنقيب عن النفط واستخراجه لاحقاً، تبرز طموحات فرنسية للدخول إلى مجال الاستثمار في قطاع الكهرباء، من خلال استعداد شركات فرنسية للتقدم بالمناقصات. وهنا يبرز تنافس فرنسي – ألماني كبير، خصوصاً أن باريس تحاول استخدام نفوذها السياسي في بيروت، لقطع الطريق أمام الاستثمارات الألمانية. أما الأهم أخيراً، فهو التحقيقات التي تجريها فرنسا مع أصحاب مصارف، والتي بدأت بالتحقيق المباشر مع صاحب بنك الموارد، مروان خيرالدين، وهو مقرّب من شخصيات سياسية متعددة ومن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وسط معلومات بأنه تم منع خيرالدين من السفر. وتفيد المعلومات بأن باريس لديها لائحة شخصيات تنوي استهدافها تضم العديد من أصحاب أو رؤساء مجالس إدارات المصارف، كالمدير العام لبنك عودة، سمير حنا، والمدير العام لبنك لبنان والمهجر، فهيم معضاد، ورئيس جمعية المصارف، سليم صفير، وأحد النواب السابقين لحاكم المصرف المركزي، ومسؤولين من بنك الاعتماد اللبناني. كل هذه التحقيقات والإجراءات تتخذها باريس في إطار ممارسة المزيد من الضغوط على سلامة، وترى فيها مصادر متابعة محاولة لإرضاء اللبنانيين بشكل معنوي، وتقديم صورة بأنها تحارب أصحاب المصارف الفاسدين، خصوصاً بعد تهميش صورتها بأنها تسعى فقط لتحقيق مصالحها وتوفير الاستثمارات. ويلفت مراقبون الى أن باريس تريد الدخول بقوة لإعادة هيكلة القطاع المصرفي، والحصول على حصة أساسية منه، وترغب في تعيين شخصية مقرّبة منها في منصب سلامة، وهي لطالما رشحت لهذا المنصب المصرفي سمير عساف، الذي اصطحبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته إلى بيروت عام 2020 لتقديم مبادرته السياسية. وتسعى العاصمة الفرنسية إلى تكثيف الضغوط على سلامة، ودفع الأميركيين إلى سحب الغطاء عنه، بينما تحصر جهات أخرى أهداف فرنسا باستعادة حصة من شركة الميدل إيست التي يملكها مصرف لبنان، وكانت تملكها سابقاً شركة الطيران الفرنسية. ومما لا شك فيه أن العقوبات والإجراءات الفرنسية تأتي في سياق تحقيق أهداف سياسية، كما أنها تأتي بعد فرض الأميركيين عقوبات على رجال أعمال، آخرهما الأخوان رحمة، كرسالة مباشرة لرفض المسار الفرنسي، وهنا لا بدّ من طرح سؤال عمّا إذا ما كانت العقوبات المتبادلة هي عبارة عن ضرب تحت الحزام بين الفرنسيين والأميركيين.
الجريدة