كتب عيسى بو عيسى في الديار
في قراءة لمرجع سياسي مخضرم للمواقف الدولية المرحبة بالحكومة من دون النظر الى ملاءمتها للمعطى الفرنسي الذي بادر الى سلوكه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون منذ الرابع من آب وإنفجار مرفأ بيروت ودول الاتحاد الأوروبي، بالاضافة الى مجموعة دول الخليج التي طالبت اللبنانيين بحكومة قادرة على خوض الاصلاحات لاستعادة الثقة الداخلية بالدولة ومؤسساتها قبل النظر الى الثقة الخارجية، بعدما رسمت خريطة الطريق التي يجب سلوكها باجماع دولي لم يتحقق من قبل، بالرغم من كون هذه الحكومة الجديدة تتشابه تماما مع الكثير من الحكومات السابقة التي أوصلت البلد الى الافلاس والفقر والعوز، وهي أي الحكومة بالتالي نتاج الطبقة نفسها من حيث المحاصصة الحزبية، إنما ما يمكن تسجيله على هامش وجوه الوزراء أن “التخصص” موجود في الكثير من الشخصيات، لكن سابقتها حكومة حسان دياب كانت مليئة بأصحاب الكفاءات ولم يشفع بها أي إختصاص.
ويضيف المرجع السياسي أن أية حكومة في لبنان في الماضي والحاضر مهما كانت تركيبتها محكومة بالتوزيع الطائفي والمحسوبيات، مهما بلغ كمالها على خلفية المجتمع اللبناني المسيّس وخلوه من صفة الإستقلالية التامة، من هنا يجب التطلع عن كثب عن إمكانيات العمل لديها وتحقيق إنتشال البلد من جهنم، وهذا الامر يتطلب بدوره الكثير من العمل المنتج إذا سمح الإفرقاء لها به، وهذا ألامر الأول عسير أيضا ليس لإنعدام الشفافية وهي ما زالت على أبواب نيل الثقة سلفا إنما هناك أسباب جوهرية سوف تعيق عملها وفي طليعتها الحسابات الانتخابية النيابية المفصلية، حيث تتهيأ الاحزاب للتزاحم حتى الاصطدام من أجل تحقيق أهداف أبعد من هذا الاستحقاق وصولا الى إنتخابات الرئاسة الأولى، وثانيا وبكل إختصار خلو مصرف لبنان من كميات الدولار للدعم !!
ويلفت المرجع نفسه الى أن أقصى ما يمكن أن تعمل عليه هذه الحكومة هي الأمور المفترض أن تكون بديهية وبسيطة ،وهي أقل واجبات الدولة تجاه شعبها وناسها وفق التالي :
1- تأمين الدواء للبنانيين إنما بسعر أعلى بعد المأساة التي حلّت بالمرضى خصوصا للامراض المستعصية والمزمنة، وكذلك معالجة أوضاع المستشفيات والطواقم الطبية التي تغادر البلد حيث غادرت أكثر من 2000 ممرضة الى الخارج وجميعهم من حملة الشهادات، ناهيك عن ترك حوالي 1000 طبيب من خيرة الدكاترة في لبنان، هذا الامر بحد ذاته يشكل معصية للحكومة الجديدة، بالاضافة الى مستحقات المستشفيات التي أصبحت للميسورين فقط وحاملي العملة الصعبة.
2- محاولة تأمين ساعات إضافية من التيار الكهربائي للناس بعدما “أكلتهم” أسعار المولدات وهذا الامر يجب أن يتم بسرعة فائقة وقبل تأمين البطاقة التمويلية التي سترى النور في تشرين المقبل دون تحديد إذا ما كان تشرين الاول أو الثاني منه ! هذا إذا لم تطرأ معضلات وروتين إداري وتوزيع الحصص لبعض المنتفعين على أبواب الانتخابات النيابية.
3- فتح المدارس أيضا على وجه السرعة للتلامذة والطلاب قبل أن يخسروا عاما دراسيا ثالثا تحت وطأة الكورونا وأطماع المدارس الخاصة التي تطلب من الأهالي قبل الدخول دفعة على الحساب لكن بالدولار ! وهذا ما حصل بالفعل في الكثير من المعاهد والمدارس الكبرى.
4- أما عملية لجم سعر الدولار وفق المرجع ذاته تبدو مستحيلة وتم التسليم بها من قبل رئيس الحكومة نجيب ميقاتي حين حسم مسألة رفع الدعم مما يعني حكما إستمرار تحليق العملة الصعبة مقابل الليرة اللبنانية مع غلاء لم يشهد له لبنان في تاريخه، ويسأل المرجع لسؤال التال: كيف للدولار أن يتخطى العشرين ألف ليرة ورواتب الناس هي نفسها ؟ وكيف للمواطن أن يعيش وأمواله محجوزة في المصارف ؟
ويعتبر هذا المرجع السياسي أن هذه الحكومة لن يكون لديها فرص العمل “بالسياسة” ذلك أنها ستصرف وقتها في توجيه نداءات إستغاثة للعالم وخصوصا للدول العربية من أجل مدّ يد المساعدة للشعب اللبناني، ومن ناحية ثانية سوف يكون لصندوق النقد الدولي كامل وقت العمل الحكومي مع عملية فرض شروط جديدة على لبنان تقضي على البقية المتبقية من الطبقات المتوسطة والفقيرة.
في مطلق الاحوال هذه الحكومة مع أنها جاءت على خلفية توافق فرنسي – إيراني وغض طرف أميركي، تم تسهيل أمرها لغايات وأهداف تصب في خانة داعميها مع هامش العمل بعدم الإنزلاق نحو ما هو أعمق من الجحيم !! وهي بحق حكومة تأمين الحاجيات وليس أبعد من ذلك.