-منال شعيا –
ليس جديداً أن يكون مفتاح حل الأزمات المتراكمة في لبنان مفتاحاً مالياً – اقتصادياً – معيشياً، وليس جديداً إصرار المجتمع الدولي على حث لبنان على البدء بالإصلاحات المطلوبة الملحّة، إذا أراد القيّمون فيه إنقاذ ما بقي من هذا الوطن المتعب.
أخيراً، وبعد انتهاء الانتخابات النيابية وفرز ما تمّ فرزه من قوى سياسية تقليدية وأخرى تغييرية، عاد المجتمع الدولي الى الواجهة من بوابة الإنقاذ المالي، وعاد الحديث مجدداً عن إصلاحات وخطة إنقاذ وقوانين مطلوبة.
ومن ضمن هذه السلّة المطلوبة، رزمة من القوانين التي ينتظر أن يبتّها مجلس النواب الجديد، وهي رزمة مطلوبة دولياً، وتعمل عليها الحكومة أيضاً، لتقديمها من باب إثبات نيتها وإرادتها للمضيّ قدماً بالإصلاح المنشود.
وفي إطار هذه الإصلاحات، تكاد تكون لجنة المال والموازنة هي الممر الإلزامي للمشاريع والاقتراحات المطلوبة، لا بل الملحّة من جانب صندوق النقد الدولي.
قبل ايام اجتمع أركان لجنة المال، مع وفد من صندوق النقد الدولي في ساحة النجمة، للاطلاع على ما تم تحقيقه حتى الآن. وفي السياق نفسه، كان لرئيس لجنة المال النائب إبراهيم كنعان سلسلة لقاءات، مع سفيرة أميركا دوروثي شيا وسفير بريطانيا ومنسّقة الأمم المتحدة، وكلها اجتماعات هدفت الى إعادة التشديد على إقرار القوانين الإصلاحية، كمدخل الى أيّ إنقاذ مالي مرتقب. كل هذه الحركة الديبلوماسية إن دلت على شيء، فهي تدل مرة جديدة على أن الاهتمام الدولي بلبنان كبير، إلا أنه اهتمام موجّه نحو المرحلة المالية – المعيشية التي تمر بها البلاد، والتي تعكس أسوأ انهيار في تاريخ لبنان.
أين أصبحت؟
… وبعد، ما هي هذه القوانين التي يُفترض إنجازها قريباً، وأي مراحل قطعتها حتى الآن؟
من المعلوم، أنه في 7 نيسان الماضي، أعلن عن اتفاق مع صندوق النقد الدولي والحكومة اللبنانية، خلص الى الكشف عن “خطة مساعدة” للبنان بقيمة 3 مليارات دولار، ممتدة على أربع سنوات، وتتضمّن برنامجاً إصلاحياً اقتصادياً أو ما يعرف بإعادة بناء الاقتصاد، للخروج من الأزمة الحالية.
يومها، أعلن نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي هذه الخطة، مشيراً الى “إجراءات مسبقة للاتفاق وهي إجراءات مطلوبة من صندوق النقد، للسير بالخطة”. وليس خافياً على أحد أن هذه الإصلاحات عبارة عن قوانين مطلوبة.
يكشف كنعان لـ”النهار” أن “هذه القوانين لطالما كانت الشغل الشاغل للجنة المال، في الآونة الأخيرة، قبل الانتخابات وبعدها، لأنها تشكل مفتاح الحل الأساسي للخروج من أزمتنا”.
أبرز هذه القوانين، وفق كنعان: “إقرار مشروع قانون موازنة الـ2022، إعادة هيكلة القطاع المصرفي، تعديل القانون المتعلق بالسرية المصرفية، وإعادة مشروع قانون الكابيتال كونترول”.
تشكل هذه الاقتراحات والمشاريع الحجر الأساس للخطة مع صندوق النقد، ولا سيما أن قيمة الخسائر تتوالى فوق رؤوس اللبنانيين، حكاماً وشعباً، إذا استمرت المماطلة واللعب على الوقت، فأين أصبحت هذه المشاريع، أو بالأحرى أين “تعلق”؟
يجيب كنعان: “لطالما كان الخلل في مكانين: السلطة التنفيذية والسلطة القضائية، إذ إن لجنة المال كانت تنجز كل هذه المشاريع والاقتراحات أو تطلبها، إلا أنها كانت تصطدم دوماً بعقبة التنفيذ أو عدم الرد على توصيات اللجنة والمجلس”، ويذكر كم مرة كانت لجنة المال تناشد الحكومة التعجيل في إقرار الموازنات العامة، وإرسال قطوعات الحساب معها، وهي قطوعات ضرورية وملحّة، إضافة الى مناشدة ديوان المحاسبة في هذا المجال أيضاً.
“بيئة حاضنة”
لهذه الغاية، من المقرّر أن تجتمع لجنة المال الأسبوع المقبل مع الحكومة، للاطلاع منها على المرحلة التي وصلت إليها هذه المشاريع، فحتى إن كانت الحكومة الحالية الآن، هي حكومة تصريف أعمال، فإن العمل استمرارية، ولا سيما في الشق المالي. ولكن، هل هذا يعني أن المشاريع كلها عالقة في الحكومة؟
يشرح كنعان: ” الكابيتال كونترول عالق في مجلس النواب، ولكن انتهى في اللجان. مشروع الموازنة شبه منتهٍ وثمة انكباب عليه، أما إعادة هيكلة القطاع المصرفي فهي منتظرة من الحكومة، مثل تعديل القانون المتعلق بالسرية المصرفية، إذ ثمة إضافات عليه عادت الحكومة وأنجزتها، بعدما درسته لجنة المال وأنهته”.
وإن كانت قيمة الخسائر تخطت 69 مليار دولار، فإن نحو 80 في المئة من اللبنانيين باتوا تحت خط الفقر، والدوران في حلقة مفرغة وخطيرة لم يعد ينفع، تماماً كما لم تعد تنفع الترقيعات. من هنا، فإن ثمة عوامل مطلوبة لتنفيذ هذه الإصلاحات ومشاريع القوانين، وإن جاز التعبير، لا بدّ من “بيئة حاضنة” لكل هذه الإصلاحات تكون بمثابة عوامل مساعدة للسير. أبرز هذه الخطوات: توحيد سعر الصرف، إعادة هيكلة الدين العام، تحسين الحوكمة ومحاربة الفساد، إصلاح القطاع العام، وفي مقدمه قطاع الكهرباء الذي لم يعد يقبل تأخيراً أو ترقيعاً.
هذه العوامل التي يفرضها صندوق النقد ستكون بوابة الدعم الواضح والجدّي للبنان. يعلق كنعان: “نحن مصمّمون على العمل من أجل الإنقاذ المالي. السياسة لا طعم لها ولا قيمة الآن إذا بقيت تدور في الفراغ، وتتوالى معها الكوارث المالية والنقدية والمصرفية على اللبنانيين. علينا أن نبدأ بهذه الرزمة سريعاً”.
أكبر انهيار. انخفاض القدرة الشرائية لغالبية فئات الشعب. زيادة التضخم بنسب مروّعة. غياب أبسط خدمات الحياة. انهيار دراماتيكي وسريع لقيمة الليرة اللبنانية: كلها عبارات باتت من الأخبار اليومية التي تزيد اللبناني إحباطاً ويأساً، فمتى توضع الخطة وتنفذ؟… إن الرهان على الوقت لن ينفع وسط السقوط المخيف!
النهار