نظم كل من منتدى الفكر العربي والشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية ندوة بعنوان الشباب العربي والفضاء الاجتماعي، استضاف فيها الدكتورة ماريز يونس المنسقة العامة للشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية واستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية التي ناقشت دراستها حول الشباب في البيئات المهمشة باشراف الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية، والتي طالت ١١ جيبا من جيوب الفقر اللبنانية في كل من مناطق الشمال والجنوب وبيروت والبقاع. واعتمدت تقنية مجموعات النقاش المركزة بغية قراءة ما يقوله الشباب عن نفسه، وليس ما يفهمه الراشدون عنه.
استهلت يونس مداخلتها بتعريف مفهوم الشباب باعتبارهم “أولاء الذين بلغوا ولم ينتقلوا بعد الى مصاف الراشدين، أي لم يتحولوا بعد الى آباء وأمهات” مشددة على أن الشباب ليس فئة عمرية يمكن فهمها من خلال السن والتكوين البيولوجي، انما هو واقعة اجتماعية وظاهرة جديدة على البشرية عمرها أقل من مائة سنة، وفهمها يكون من خلال معرفة ثقافة الشباب الفرعية وتفاعلاتهم مع الفضاء الاجتماعي.
وأضافت يونس أن الدراسة تستهدف الكشف عن تفاعلات الشباب في الفضاءات الاجتماعية المتعددة أبرزها المدرسة والأسرة والعمل والفضاء العام، بحيث يسعى الشباب في كل تفاعل في هذه الفضاءات الى تكوين مكانة مستقلة تعبر عن رغبة دفينة لتحقيق هويتهم كأقران في مواجهة السلطة القائمة في هذه المؤسسات. وتشكل هذه التفاعلات مع تلك الفضاءات الاجتماعية مرحلة ضرورية لإيجاد ذواتهم ومكانتهم كراشدين فيما بعد.
وكشفت يونس عن شكلين من التفاعلات في الفضاءات الاجتماعية الاربعة، هما المقاومة والامتثال وبينت ان هذه التفاعلات تشتد درجاتها في فضاء اجتماعي معين وتأخذ شكلا محددا، وتضعف في فضاء آخر لتأخذ شكلا آخر.
ففي المدرسة اعتبرت يونس ان الشباب يميل إلى مقاومة سلطة المعلمين او الادارة من خلال تشكيل زمر وشلل ومجموعات لاثارة الفوضى احيانا او لاحداث الصراعات والمواجهات بين مجموعات ضد مجموعات أخرى احيانا اخرى، لتتحول الفوضى الى اعمال شغب لدى بعض الطلاب. كما تتجلى اقوى درجات المقاومة بالتمرد والعنف وصولا الى التسرب المدرسي.
اما في العمل فيقاوم الشباب ارباب العمل من خلال المواجهات والمشاجرات التي تشتد الى حالات من العنف وصولا الى ترك العمل. النقيض للمقاومة يظهر في الفضاء الاسري حيث تتحول المقاومة الى امتثال لكن أيضا هناك أشكال من الامتثال فهي تصل اشدها في العلاقة مع الاب والام حيث تأخذ تعبيرات الرضا والتقبل والتقلب بين الرفض والتقبل.
الفضاء الرابع هو الفضاء العام حيث كشفت يونس عن ميل الشباب الى مقاومة ظروفه المهمشة من خلال التردد على المقاهي”التنفيس” لدى الذكور وقضاء الوقت في المنزل لدى اغلبية الاناث.
واختتمت يونس مداخلتها بالتاكيد على أهمية فسح المجال للشباب للتكلم عن انفسهم لمعرفة معاناتهم وحاجاتهم كما يرونها هم وليس كما يرغب الراشدون ان تكون، والابتعاد عن تطفيل الشباب بل الايمان بفاعليتهم وامكاناتهم وقدراتهم .
وأجمع المعقبون على ضرورة وضع خطط تأهيل خاصة بالشباب لتمكينهم علمياً ومعرفياً ومهاراتياً بهدف ترجمة تصوّرهم المستقبلي عن مجتمعهم إلى خطط قابلة للتطبيق، وعلى أهمية تحويل المعرفة التي تقدّمها المؤسسات التعليمية للشباب إلى قيم وأخلاق وسلوكيات تتواءم مع متطلبات المجتمع المتجددة، خاصة تلك المستجدة بسبب جائحة كورونا وآثارها الكبيرة على الشباب في مجال التعليم والعمل والرعاية الصحية، والواجب علاجها، إضافة إلى علاج آثارها على المنظمات الشبابية والمؤسسات الداعمة للشباب.