بينما تخوض الأطراف السياسية معركة الاستحقاق الرئاسي، ينازع اللبنانيون في لقمة عيشهم، وقد وصلت الأمور الى حدّ مطالبة نقابات الأفران والمخابز في لبنان أمس، بتأمين الحماية الأمنية للأفران التي تعمل، ولا يُعتبر هذا الطلب تفصيلاً عادياً، بل يؤشّر الى العنف المقبل في حال خرجت الأمور عن السيطرة حينها لن يقتصر المشهد على تدافع أمام فرن يشهد اكتظاظاً أو إشكال عابر في فرن آخر تعبيراً عن “فشة خلق”.
يذهب البعض الى اعتبار ان ما يحصل من انقطاع متكرّر للطحين ربما يكون مقدمة لرفع الدعم، وهو ما حصل قبيل رفع الدعم عن المحروقات، باعتبار ان الأمور لن تستقيم ولن يكون هناك حلّ لأزمة الطحين والقمح المستورد وتنظيم هذا القطاع من دون القرار المزعوم، والذي تحدّث عنه صراحة وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال أمين سلام منذ اسبوع من ان رفع الدعم عن الطحين سيكون بعد 9 أشهر من الآن، مشيراً الى ان سعر ربطة الخبز قد يصل الى 30 الف ليرة وسيكون هناك بطاقات تمويلية للأسر الفقيرة لشراء الخبز من خلالها.
ربطة الخبز من 1500 ليرة الى 30 الف ليرة، اي دولار واحد، قفزة مهولة بالسعر تواكب انهيار الليرة والتردي المعيشي اذا صحّ التعبير ولكنها لا تراعي التداعيات التي قد تنتج عن تسعيرة كهذه، فرغيف الخبز بات له حسابات خاصة مع تدني قيمة الاجور وبالكاد يتوفر، كما ان البطاقات التمويلية لها حساباتها السياسية ايضاً، اذا وجدت الاموال لتمويلها اصلاً، اما الحديث عن الاسباب الاخرى الموجبة لقرار كهذا فلها “ديباجة” خاصة واعتبارات اقتصادية تتعلق بالهدر من خلال الدعم غير المجدي. فما يسمى بالطحين المدعوم تذهب امواله سدى من خلال تهريب اكثر من نصفه الى سوريا عبر المعابر غير الشرعية ومن قبل عصابات منظمة ومحمية، هذا عدا الحديث عن المنافسة في الاستهلاك من قبل النازحين السوريين على الاراضي اللبنانية لأكثر من ثلاثة أرباع انتاج الأفران، يستهلكونه ويبيعونه ايضا للمحال بأسعار تنافسية!
وتقول مصادر لـ “ليبانون فايلز” في هذا الاطار ان “الاقفالات في قطاع المخابز والافران ستزداد نتيجة أزمة الطحين عالمياً وارتفاع اسعاره ما سينعكس حكماً على عمليات الاستيراد التي ستتأثر سلباً. التقتير في توزيع الطحين على الافران سيقابله ازدياد الطلب على الخبز مع وجود 700 الف سائح وعودة المغتربين لتمضية عطلة الصيف، وانتقال ربطات الخبز الى الجانب الاخر من الحدود في القرى المتداخلة مع سوريا”.
وتعتبر المصادر ان توافر الخبز سيصبح متقطعاً، مع تحكم النفوذ الحزبي والسياسي في توزيع الطحين، فبعض المناطق في الاطراف محرومة بشكل كلي بين مطاحن اقفلت لعدم تسلمها واخرى اخفت الطحين.
وفيما البلاد معلقة على حبل الازمات بانتظار أيلول مع استحقاقاته المدرسية والمعيشية وتأمين التدفئة مع شح المحروقات وغلائها، تُطرح علامات استفهام حول “الفرج” الموعود تحديدا في هذا الفصل من العام، فالخطورة تكمن في حال استمرار المراوحة او تمدد الفراغ مع تعثر انجاز الاستحقاق الرئاسي، حينها لا يمكن لأحد تصوّر ما يمكن ان تكون عليه الامور، او شكل الانفجار الاجتماعي الذي قد ينتج.