إيجابيات النهار بدّدتها سلبيات الليل، ما هدد بفشل المساعي والمبادرات الجديدة الجارية لتأمين ولادة الحكومة، الامر الذي قد يضع البلاد أمام أفق مجهول، ذلك انّ السجال العنيف الذي تجدد مساءً بين تيار «المستقبل» و«التيار الوطني الحر» دَلّ على انّ اي تقارب عملي حول الاستحقاق الحكومي لم يحصل بعد، ويخشى ان لا يحصل لأنّ مضمون السجال ومادته هذه المرة تتميّز بالقسوة التي بلغت بـ«المستقبل» حد إطلاق «هاشتاغ» بعنوان «رئيس جهنم» على مواقع التواصل الاجتماعي، ما أثار مخاوف على مصير مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري ومساعي البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي الذي اجرى اتصالات بين عين التينة وبيت الوسط ليل امس، وحسب المعلومات التي حصلت عليها الجمهورية فإن الراعي سيزور بعبدا بعد ظهر اليوم للقاء الرئيس عون لإخراج الاستحقاق الحكومي من عنق الزجاجة.
فيما يقود ثنائي «حزب الله» وحركة «أمل» عملية الدفع من أجل ولادة الحكومة في اتجاه ثنائي رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، تبدو المهمة صعبة ولكن غير مستحيلة. صعبة لأنّ العلاقة بين الرئيسين معدومة الثقة، وتجربة التكليف عمّقت هذه الهوة. وغير مستحيلة كون المساحات المشتركة موجودة دائماً، ونقاط الخلاف شخصية أكثر منها سياسية، ولأنّ البلاد، وهذا الأهم، بحاجة إلى حكومة، ولم تعد تحتمل استمرار الفراغ المفتوح على الأسوأ مالياً، وبالتالي هل تنجح قوة الدفع الثنائية في تقريب المسافات بين عون والحريري؟
ما زال التصعيد السياسي بين قصر بعبدا وبيت الوسط سيد الموقف، والأهم الشروط والشروط المتبادلة، ولا يكفي ان تكون النيات صافية للتأليف في حال وجدت، وهي مبدئياً غير موجودة، إنما يجب ان يكون هناك استعداد لتضييق الفجوات، الأمر غير الموجود حتى اللحظة، حيث يصرّ كل طرف على شروطه وأفكاره، وفي حال لم يحصل تنازل مشترك نحو المساحة التي تسمح بالتأليف، فإنّ الفرصة التي لاحت في الأفق ستتبدّد سريعاً.
وقالت مصادر مواكبة للمساعي الجارية لـ«الجمهورية» انّ المسألة أبعد من شياطين تكمن في التفاصيل، ولذلك هي أصعب، كون الأزمة تنطلق من مبدأ رفض التعاون والذي تحوّل انعدام ثقة، وما بينهما حسابات تبدأ من النصف الفارغ من الكوب في ظل الخشية من أن لا تتمكن الحكومة العتيدة التي يدور الخلاف حول تأليفها منذ أكثر من 7 أشهر من إخراج البلد من الأزمة المالية، فتنعكس سلباً على القيّمين عليها في مرحلة دخلت فيها البلاد، بنحو أو بآخر، مرحلة العد التنازلي للانتخابات النيابية، خصوصاً انّ الأزمة باتت كبيرة الى درجة من الصعب حلها بخطوات مبسّطة، وتتطلب إصلاحات جذرية وخطوات جريئة فعلية، الأمر غير المضمون بدليل انّ إنجازات الـ95 % للحكومة المستقيلة بقيت على الورق وفي الأقوال لا الأفعال.
ولا يمكن حتى اللحظة الجزم في أي اتجاه، ففرًص التأليف تتساوى مع عدمه، وبمقدار ما انّ ثمة فرصة جدية في ظل قوة دفع استثنائية يمكن ان تولِّد حكومة، بمقدار ما انّ احتمالات إجهاض هذه الفرصة قائمة، وما هي إلّا ساعات قليلة حتى يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود، فإذا تشكّلت الحكومة تبدأ مرحلة جديدة بعناوين وتحديات مختلفة، وفي حال أُجهضت هذه الفرصة تكون البلاد أمام احتمالين لا ثالث لهما: إستمرار الفراغ حتى نهاية العهد، أو بدء التفكير الجدي بحكومة بوظيفة محددة وهي الانتخابات النيابية، إذ لعله مع حكومة من هذا النوع يصار إلى فك الاشتباك السياسي تحت عنوان انتخابي بدأت معظم القوى السياسية استعداداتها وتحضيراتها لهذا الاستحقاق الذي ينقسم الرأي حوله بين من يرى أنه سيشكل تحولاً وتغييراً، وبين من يعتبر ان موازين القوى ستبقى هي نفسها تقريباً.
الحذر الضروري
وأبلغت مصادر سياسية واسعة الاطلاع الى «الجمهورية» انّ قصر بعبدا لم يكن حتى أمس قد وصله اي طرح جديد من بري في خصوص معالجة المأزق الحكومي، مُعربة عن اقتناعها بأنه «متى أصبح لدى رئيس المجلس اي مستجد على هذا الصعيد يتطلب التشاور مع رئيس الجمهورية، فسيكون مرحّباً به في بعبدا».
واكدت المصادر المواكبة لمفاوضات الملف الحكومي انفتاح عون على اي مقاربة من شأنها الدفع في اتجاه تشكيل الحكومة على أسس صحيحة، مشيرة الى «انّ الحذر يظل ضرورياً عندما يكون الأمر متعلقاً بالرئيس سعد الحريري. وبالتالي، فإنّ الأمور تبقى في خواتيمها «وما تقول فول حتى يصير في المكيول».
ولفتت الاوساط الى «انّ تقدماً كبيراً حصل على مستوى معالجة عقد عدة، منها ما يتعلق بتوزيع الحقائب وتسمية وزيري الداخلية والعدل، غير أنّ المشكلة الاساسية لا تزال تكمن في آلية تسمية الوزيرين المسيحيين من خارج حصة رئيس الجمهورية والاحزاب».
الى ذلك، قالت اوساط قريبة من عون لـ«الجمهورية» انه «سيعطي مسعى بري الفرصة الكاملة وهو يأمل في نجاحه، ولكن إذا لم تتحقق نتيجة إيجابية قريباً فإنّ رئيس الجمهورية سيضطر الى اعتماد خيارات أخرى لتشكيل الحكومة». واشارت هذه الاوساط الى «انّ عون لا يستطيع أن يقبل باستمرار الواقع الحالي الذي يُفاقم معاناة اللبنانيين، وهو يدفع دائماً في اتجاه تغليب الإيجابيات، إنما لا يمكنه ان يظل منتظراً الحريري حتى نهاية عهده».
الجمهورية