عند كلِّ تجمُّعٍ أو احتجاج، يظهر بعض المندسين لإطلاق شعاراتٍ طائفيةٍ بعيدةٍ كلَّ البعد عن أخلاقنا وانتمائنا الوطني، ويتمّ الترويج لها من قبل الإعلام المأجور في محاولةٍ لتصوير الشيعة في لبنان وكأنّهم خارجون عن القانون، يسعون إلى تخريب السِّلم الأهلي. وإنّنا، كأبناء الطائفة الشيعية التي تنتمي إلى مدرسة أهل البيت (ع)، نرفضُ هذه الشعارات رفضًا قاطعًا، ونُعلنها صراحةً: نحن أبناء وطنٍ لا تُقسّمه الطوائف، ولا تُبعثَر وحدته العواصف، ولا تهزُّ ثوابته ريحُ الفتن العاتية.
لقد قدّم الشيعة في لبنان تضحياتٍ جسامًا، ودفعوا أثمانًا باهظةً من أجل صون الوطن، وحماية وحدته وسيادته. كانوا ولا يزالون سدًّا منيعًا في وجه الطغيان، وسيفًا مشرعًا في وجه الاحتلال، وجسرًا يعبر عليه الوطن نحو وحدته وكرامته. نقشوا أسماءهم على صخر البطولة، وكتبوا بدمائهم صفحات العزّ والمجد، ولم يسألوا يومًا عن الثمن، لأنّ لبنان في عقيدتهم ليس صفقةً، بل قدرٌ مقدّسٌ يُذاد عنه بالغالي والنفيس.
نحن الذين آمَنَّا بفكرِ الإمام المغيّب السيد موسى الصدر، الذي أفنى حياته في سبيل التعايش والوحدة الوطنية، ورفض التقسيم والطائفية السياسية. نحن أبناء المدرسة التي ترى في الوطن بيتًا للجميع، لا سجنًا لفئة، ولا مزرعةً لفريق. وطنٌ نراه بالقلوب قبل العيون، ونحمله في أرواحنا أينما مضينا.
وكما نرفضُ كلَّ أشكال الحصار والإقصاء والهيمنة والعودة إلى الوراء، فإنّنا نرفض أيضًا إقفال الطرقات، والاعتداء على الممتلكات العامّة، وكلّ ممارسات العنف والتخريب، كما نرفضُ الشعارات التي لا تُمثّلنا. نحن نؤمنُ بحرية التعبير، لكن بوعيٍ ورُقيٍّ وحكمة، لتفويت الفرص على أعداء الداخل والخارج، لأنّ الصوت العاقل أعلى وقعًا من ضجيج الغوغاء، والكلمة الهادئة أمضى من سيف الفتنة.
حفظ الله لبنان، وأبعد عنه الفتن والمؤامرات والويلات.
فلننفض عنّا غبار الحرب معًا، ولنعُد إلى لبنان الذي أراده موسى الصدر: بلدَ المحبة والتعايش والوحدة، وطنًا يشبه أرزه، شامخًا لا ينحني، ضاربًا جذوره في الأرض، ورافعًا أغصانه نحو السماء.