رغم المكابرة في الإعلان، والتمنّع عن الاعتراف، إلا أن العدو الإسرائيلي صار واثقاً من فشله في تحقيق أهداف الحرب على قطاع غزة. واليوم، يفاوض حركة «حماس»، التي فشل في القضاء عليها، على صفقة لتبادل الأسرى، الذين أخفق أيضاً في تحريرهم بالقوة العسكرية. لكنّ الأميركيين يقودون حملة لترتيب الوضع في قطاع غزة، بعد الحرب. وفي هذا السياق، سيحطّ وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في المنطقة، خلال الأيام القليلة المقبلة. وفي انتظار رد حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي»، وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية، على الطرح الذي تسلّمته من الوسطاء بعد اجتماع باريس، والذي من المتوقّع أن يكون جاهزاً خلال وقت قريب، انعقدت مشاورات بين مختلف الفصائل الفلسطينية، لمحاولة الوصول إلى مقاربة موحّدة.وعلمت «الأخبار» أن المشاورات التي جرت خلال الساعات الـ24 الماضية بين فصائل المقاومة أكدت على أنه لا يمكن القبول بأي صفقة لا توفّر وقفاً صريحاً ومضموناً للحرب وإطلاق النار، وإطلاق ورشة إعادة الإعمار. ووفق المصادر، فإن الرد على المقترح الذي يفترض أن تسلّمه حماس إلى الوسيطين القطري والمصري خلال وقت قريب، سوف يؤكد على «انفتاح المقاومة في فلسطين على أي مقترح لمعالجة أصل الحرب وأسبابها، لكن أي صفقة جدية تتطلب وجود ضمانات واضحة وقوية بوقف الحرب، بمعزل عن طريقة الإخراج التي تنوي القوى الحليفة لأميركا تقديمها».
وبحسب معلومات «الأخبار» فإن المشاورات الجارية داخل حركة حماس نفسها، تضمنت جواباً أولياً من قيادة «حماس» في قطاع غزة، والذي يشدد على أن وقف الحرب شرط ضروري لأي اتفاق يخص تبادل الأسرى أو أي أمور أخرى. مع التشديد على رفض البحث مطلقاً في مقترحات وردت إلى حماس تتعلق بإبعاد قيادة «حماس» إلى الخارج أو السماح بإشراف أطراف عربية معادية للمقاومة على إدارة عملية إعادة الإعمار وربطها بتسويات سياسية للمرحلة التي تلي الحرب».
وقال القيادي في الحركة أسامة حمدان، في تصريحات صحافية ليل أمس إن «لا هدنة يوم السبت ولا نزال ندرس ورقة صفقة التبادل ولدينا ملاحظات جوهرية عليها»، وأن «في إدارتنا للتفاوض سنبحث عن ضمانات لالتزام العدو، والضمانة الكبرى قدرتنا على الرد على العدوان من مختلف الساحات». وأضاف حمدان: «ندرس مع مختلف قوى المقاومة ورقة التفاهم لنبلور رداً موحّداً نقدّمه للوسطاء»، مؤكداً أن «ما لم ينجح الإسرائيلي في أخذه بالميدان لن يأخذه بالسياسة ولن نقبل بتقويض منظمة التحرير الفلسطينية».
بدوره، قال المستشار الإعلامي لرئيس حركة «حماس»، طاهر النونو، «هناك تقدّم في البحث، ولكننا لسنا في اللحظة الأخيرة كما يروّج إعلام العدو، نحن معنيّون بالوصول إلى اتفاق، ولكننا نريد اتفاقاً يقوم أساساً على وقف إطلاق النار، ووقف الحرب، وبدء عملية الإعمار. وعندها يكون هناك مجال لتفاوض حول تبادل الأسرى». وقال إن «ملف الإعمار أساسي، ونحن نريد ضمانات جهات دولية كبيرة لأيّ اتفاق، وننتظر مواقف بعض الأطراف الدولية البارزة من احتمال انضمامها إلى الجهات الضامنة للاتفاق في حال حصوله».
تضارب في مواقف نتنياهو يعكس خشيته من انفراط عقد حكومته
من جهتهم، يبدي الأميركيون استعداداً لـ«ممارسة ضغوط على إسرائيل لتقديم تنازلات في المفاوضات»، بحسب مصادر مطّلعة على المداولات القائمة منذ أيام، «ولكنهم يميّزون بين الضغط على نتنياهو، وإضعاف إسرائيل»، حيث يقبلون الأوّل، ويرفضون الثاني بشكل قاطع. كذلك، يمارس الأميركيون، بحسب مصادر «الأخبار»، ضغوطاً مكثّفة ومشدّدة على دولة قطر، لتضغط هي بدورها على حركة «حماس». ويأتي هذا بينما يقوم حالياً، رئيس الوزراء القطري، محمد بن عبد الرحمن، بحملة «علاقات عامة» في واشنطن، للتأكيد على دور قطر «الإيجابي» في الوساطة بين الفلسطينيين والعدو، وأن الدوحة ليست طرفاً. أما مصر، فهي بدورها تمارس ضغوطاً على المقاومة، لدفعها إلى الموافقة على أي صيغة لصفقة التبادل، ووقف إطلاق النار المؤقت. وكل ما سبق، مردّه إلى استعجال الإدارة الأميركية في تحقيق إنجاز. وبحسب صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، فإن «واشنطن تضغط لوقف إطلاق النار في غزة لفترة كافية توقف الزخم العسكري لإسرائيل». وأضافت الصحيفة أن «المفاوضين الأميركيين يرون أن من الصعب على إسرائيل استئناف الحرب بقوتها الحالية بعد وقف طويل». كما يقول المفاوضون إن «زعيم «حماس» في غزة، يحيى السنوار، يرى نفسه يتفاوض من موقع قوة بعد أن صمد خلال أربعة أشهر من القصف».
على الجانب الإسرائيلي، نقلت «يديعوت أحرونوت» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن «احتمالات الصفقة لا تزال مرتفعة، لأن الرئيس الأميركي، جو بايدن، يريد إنهاء الحرب على غزة، ويدرك أن الطريق الوحيدة لذلك هي صفقة تقود إلى هدنة طويلة، على أمل أن تصبح دائمة»، ونقلت الصحيفة أيضاً أن نتنياهو «يسعى إلى صفقة، لكنه يخشى جداً أن تؤدّي إلى انفراط عقد الحكومة». وأضاف هؤلاء أن «نتنياهو لا يريد حكومة مع رئيس المعارضة، يائير لابيد»، علماً أن الأخير عرض الانضمام إلى الحكومة من أجل إعادة الأسرى الإسرائيليين، وهو ما عبّر عنه بـ«شبكة أمان» لنتنياهو، ليرد حزب «الليكود»، بأن «لابيد يحاول الضغط من أجل وقف فوري للحرب، من دون تحقيق النصر الكامل (…) لن نوافق على ذلك».فيما أبلغ نتنياهو عائلات الأسرى بأنه «سيمضي في صفقة تبادل، لا تضرّ بأمن إسرائيل، حتى لو أدّى ذلك إلى انهيار حكومته». لكنه عاد ليلاً وقال «نسعى للتوصّل إلى صفقة تبادل لكن ليس بكل ثمن»، مشيراً إلى أن «لدينا خطوطاً حمراً بينها أننا لن نوقف الحرب ولن نسحب قوات الجيش من غزة ولن نفرج عن آلاف المخرّبين»، في ما يشير إلى تناقض واضح بين ما يقوله خلف الكواليس، وما يعلنه أمام الإعلام.
على خط مواز، نقل موقع «أكسيوس» عن مسؤولين أميركيين قولهم إن وزير الخارجية أنتوني بلينكن، طلب من فريقه بحث خيارات بشأن اعتراف أميركي محتمل بدولة فلسطين بعد توقف الحرب على غزة. وأشار هؤلاء إلى أن جهود الخروج من الحرب فتحت الباب لإعادة النظر في كثير من السياسات الأميركية السابقة في المنطقة.
الأخبار