قبل أيامٍ، اعتكف العاملون الاجتماعيون في مشروع «الاستجابة للأسر الأكثر فقراً في لبنان» عن العمل، واحتجوا أمام وزارة الشؤون الاجتماعية، معلنين الإضراب المفتوح. لم يكن الاحتجاج، كما في مرات سابقة، بسبب التأخر في صرف الرواتب، وإنما أتى إثر كتاب أحاله الوزير رمزي مشرفية إلى الإدارة، طالباً إفادته بـ«من يملك المؤهلات العلمية والكفاءة من بين العاملين في المشروع». وبموجب الإحالة أيضاً، يحرص الوزير على إيصال رسالتين، الأولى تأكيد أن تجديد عقود العاملين في الثلاثين من نيسان الجاري لن يكون تلقائياً، بل سيخضع «للتوصيف الوظيفي المعتمد من البنك الدولي»، والذي ينص على أن يحمل العامل درجة الإجازة في العمل الاجتماعي أو علم النفس أو ما يتصل بالعلوم الاجتماعية، إضافة إلى خبرة عامين في العمل الاجتماعي (…)، وهي الشروط التي «على أساسها سيتم تجديد العقود للمستحقين فقط». أما الرسالة الأخرى، فهي بلاغ «إشعار للعاملين بوضعيتهم التعاقدية».
خلّفت الإحالة زوبعة بين العاملين. ولم تكَد تبلغ «القسم»، حتى بدأ هؤلاء يضربون أخماسهم بأسداسهم. ووفق الحسابات التي أجروها، فإن عدد من قد يُصرفون من العمل يصل إلى 300 من أصل 480، إما لأنهم لا يملكون الاختصاص الجامعي المطلوب أو لا يحملون شهادة.
عاصم أبو علي، المشرف العام على خطة لبنان للاستجابة للأزمة، ينقل عن مشرفية تأكيده أنه في الوقت الحالي «ما من أحد سيُصرف»، إلا أن القرار يأتي ليُصلح ما أفسده السابقون ولتطبيق «المعايير المطلوبة» من ديوان المحاسبة الذي نصّت إحدى توصياته على وضع معايير علمية محددة وتخفيف الأعداد بما يعفي من الحشو الذي كان سائداً. ويشير أبو علي إلى أن الديوان وصل إلى حد «التوصية بعدم صرف رواتب العاملين في المشروع من دون الالتزام بهذه الشروط، لافتاً إلى أن مشرفية طلب من الديوان في مراسلة عقب وصوله إلى الوزارة عام 2020 «فترة سماحٍ» إلى العام الجاري مقابل صرف الرواتب نظراً إلى الظروف الاقتصادية التي تمر بها البلاد. على هذا الأساس، صُرفت الرواتب للعاملين، قبل أن تتوقف منذ أربعة أشهرٍ للسبب نفسه. أما العامل الآخر وراء هذه «الجردة» فيتعلق بمواصفات العامل الاجتماعي في «ورقة» البنك الدولي. لكن، هل تتحمل تلك المعايير وزر صرف عاملين في المشروع منذ زمن طويل يمتدّ إلى أكثر من عشرة أعوام؟
300 من العمّال مهدّدون لأنهم لا يملكون الاختصاص الجامعي المطلوب ولا يحملون شهادات
لا يرى العاملون في القرار سوى «تصفية للقمة عيش نحو 300 عامل على الأقل سيُحرمون من الدخل في ظل الظروف الاقتصادية القائمة. وعليه، ما صدر «مجرد قرارٍ بربري تعسفي»، كما أشاروا في اعتصامهم، يصدر عن «وزير غير مختص أبعد ما يكون عن الشؤون والهموم الاجتماعية للناس». ولم يُعفِ هؤلاء القرار من «نيّات مبيتة»، إذ اعتبروا أن هذه الخطوة هي «باب لتوظيفات تنفيعية جديدة تناسب الوزير مشرفية ومستشاره بيار باز الذي له اليد الطولى في القرار والقرار السابق بدمج المشاريع». وهذا «يعزّز دور الأحزاب في المشروع لتسييله سياسياً، خصوصاً أن المرحلة المقبلة مرحلة انتخابات».
وعلى قاعدة «شهد شاهد من أهله»، أكّد مصدر في الوزارة أنه «يستحيل على إنسان مسؤول في هذه الظروف المعيشية أن يقول لأشخاص قضوا عمرهم في المشروع ارحلوا. هذا كلام لا يتقبله عقل». أما التذرع بشروط ديوان المحاسبة والبنك الدولي «فلا أحد من هؤلاء يتحمل هذه المسؤولية ولا إصرار تالياً على هذا الأمر في ظل هذه الظروف». ويشدّد المصدر على أن «ما يجري لا يمكن أن يكون إصلاحاً وإنما إعادة استثماره بما يتناسب مع رؤية الوزير، وهو ما يحدث في كل مرة يأتي فيها من يتولى مسؤولية الوزارة».
يعيد هذا السيناريو الحديث عن مشروع دعم الأسر الذي بدأ كـ«تنفيعة» سياسية ولا يزال، حيث يعمد كل وزير يأتي إلى التغيير في طاقم العاملين بما يتلاءم مع «اللون السياسي» الذي يمثله. وفي هذا السياق، يشير المدير العام للوزارة، عبد الله أحمد، إلى أن الأولى في برنامج كهذا «هو العمل على مأسسته، على أن تكون له هيكلية وملاك، ويُوظّف العاملون وفق الأصول التي يخضع لها أي مستخدم، أي المرور عبر مجلس الخدمة المدنية». لكن، تبقى تلك التوصيات مجرد أمانٍ في ظل استمرار التعاطي مع تلك البرامج على أساس الزبائنية لا الإصلاح.
رلى إبراهيم – الأخبار