يطوي العالم صفحة المئة يوم من غزوة كورونا على أرقام تسابق الزمن بقلوبٍ متألمة، لامست عتبة المليون ونص المليون مصاب، فقدت البشرية منهم ما يقارب الـ85 ألفًا، كانوا في حياتهم أفراد عائلات ابتعدوا عمّن يحبون.
نجد في جائحة كورونا تغييرات عالمية، كان الانسان، وحتى الأمس القريب، يرفض التفكير بها، لأنها تختلف عن المنطق الواقعي للتاريخ المعاصر.
اليوم، تغير العالم، الولايات المتحدة تترنح على حافة الهاوية ورئيسها دونالد ترامب مربك، القارة الاوروبية تفقد عطرها الفرنسي، تتعطل ماكيناتها الألمانية، تخسر جمالها الايطالي، والفيروس وصل إلى بوابة باكينغهام، الصين وروسيا ترسلان المساعدات إلى أميركا، فريق طبي ينطلق من كوبا لمعاينة الايطاليين، العالم يصرخ أريد منزلاً لأحجر نفسي.
في لبنان، الاعلان عن السيطرة المبدئية على الفيروس يقترب، التعاون الشعبي مع الحكومة وصل إلى مستويات مطمئنة، اللبنانيون يدعمون الدولة والجمعيات الأهلية، المغتربون يعودون إلى مراقد عنزاتهم، إنه زمن الكورونا.
الى جانب كل هذا الاستنفار العالمي، ليس غريبا أن نرى الاحزاب السياسية والجمعيات الأهلية في لبنان تستنفر أفرادها وتضع طاقاتهم في خدمة المجتمع لمواجهة الاخطار، ولكن أحد هذه الاحزاب لم يكتف بالمساعدة في لبنان، بل استنفر طاقاته في كل دول العالم حيث يتواجد لبنانيون، فكان لهم دورهم في تنظيم عملية عودة المغتربين، وحتى بتعقيم المقرات الرسمية لدول اجنبية، وهذا ما فعله شباب لبنانيون ينتمون الى كشافة الرسالة الإسلامية التابعة لتنظيم حركة امل في مبنى برلمان ساحل العاج، ونقلته إحدى وسائل الإعلام الأجنبية، وهذا مشهدٌ يستدعي التأمل.
من الطبيعي أن تكون “حركة أمل” بحسب مصادر قيادية فيها، بتاريخها المقاوم، في صلب المواجهة مع فيروس كورونا الذي يهدد لبنان، مشيرة الى ان ما يميّز الحركة هو السرعة التي تمتلكها في الانسجام مع أي شكل من اشكال ساحات المواجهة.
كثيرٌ من اللبنانيين وغير اللبنانيين، وبناءً على العمل التنظيمي والجهادي في الساحات السياسية والعسكرية الذي يقوم به التنظيم، يظنون أن قيادة “أمل” تنعم بموازنات مادية تسمح لها بترف النشاط والتحرك، ولكن القلّة من الناس ضمن البيئة الحاضنة للمقاومة، يعلمون حقيقة ضعف القدرة المادية لدى الحركة، فيصبح التأمل في المشهد مفهوما أكثر للمراقبين.
تشير المصادر القيادية في حركة أمل الى أنه “مع بدء أول حديث عن فيروس كورونا في العالم وإمكانية وصوله إلى لبنان، بدأنا بعقد إجتماعات مكثفة لوضع سيناريوهات محتملة للمواجهة، في الوقت الذي كلف فيه مكتب الصحة في هيئتها التنفيذية جمع المعلومات والمعطيات عن الفيروس من الجهات المعنية الدولية والمحلية والخبراء ووضعها على طاولة التخطيط.
وتضيف: “الجائحة وصلت، المواجهة صعبة، القرار صارم، رئيس الحركة نبيه بري، جمع القيادة في منزله، تحدّث عن خطورة الموقف وأهمية المواجهة على اعتبار أن الحرب على الكورونا لا تفرق شيئا عن مواجهة العدو الاسرائيلي، فالعدو لا يعرف الرحمة، ويغدر بمن حوله، ولا يميز بين صغير وكبير، بين رجل وامرأة، ومواجهته واجبة والتأخر عن المواجهة او التهاون بها هو بمثابة الخيانة للوطن، فحدد ساعة الصفر للانطلاق، وأعلن الحرب على الكورونا، فتحوّلت حركة “أمل” بكل هيئاتها التنظيمية الى خلايا عمل طارئة، اعلنت الهيئة التنفيذية، التي هي بمثابة حكومة حركة امل، عن الخطط الموضوعة، وإنطلق العمل”.
تشير المصادر الى أن الحركة اطلقت مع بداية عملها حملات إعلامية توعوية تدخل كل منزل عبر وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، عمليات تعقيم للمساجد والقاعات والادارات الرسمية، مراكز حجر صحي، مسح شامل للقدرات الاقتصادية لدى العائلات، إعلان النفير مع البلديات، التواصل مع الوزارات المختصة على قدمٍ وساق، التنسيق بين المكاتب القطاعية، وبتسلل وجيز على واقع الأرقام عبر اللوائح الموزعة والتقديرات الواضحة، يظهر أن مئات الأطباء الحركيين وُضعوا بتصرف المواطنين لتقديم الارشادات الصحية في حجرهم المنزلي، مئات الأساتذة من المكتب التربوي يتواصلون بشكل يومي مع الطلاب للوقوف على سير تحصيلهم العلمي عن بعد، آلاف الشبان من مسعفين ومتطوعين من أبناء التنظيم يعملون دون توقف، والعنوان هو نداء الإمام موسى الصدر “أن كونوا في خدمة الإنسان تكونوا في خدمة الله”.
أكثر من 35 مركز حجر صحي، سيارات إسعاف منتشرة على مساحة الوطن يزيد عددها عن 50، حصص تموينية تُوزع في كل البلدات، وهذا أقل الواجب، حملة “وتكافلوا” لجمع التبرعات التي انطلقت كمصدر مادي بسيط لتغطية النفقات وقد بلغت قيمة التبرعات حتى تاريخه 136 مليون ليرة.
وتماشيًا مع مستجدات المواجهة من حجر منزلي وسرعة انتقال العدوى، وفي معرض الحديث عن سرعة الانسجام، تشير المصادر الى أن الحركة استبقت الواقع والمتغيرات وبدأت باستعمال تكنولوجيا التواصل عن بعد في اجتماعاتها وتحركاتها وتنظيم أمورها.
وتضيف: “أما بالنسبة الى ملف المغتربين، فتمت متابعتهم منذ اللحظة الأولى عبر تنظيم الأسماء وتسهيل التواصل بينهم وبين السلطات اللبنانية في السفارات، مرورا بوصولهم الى مطار بيروت الدولي ومرافقتهم الى فنادق الحجر، والاهتمام بهم بالفنادق، عبر فريق عمل تطوعي وضع صحته وراحته جانبا وخاض معركة لبنان ضد الكورونا.
بعيدًا عن المناكفات السياسية، وفي ظل التغيرات العالمية، تبقى الوحدة الوطنية والتعاون بين أبناء الوطن خشبة الخلاص الوحيدة، التي يمكن أن تُخرج لبنان منتصرًا في مواجهة كورونا، ومن بعدها، إنتشاله من براثن الكورونا الطائفية نحو دولة مدنية مؤمنة تُنهي مرحلة أليمة من الفساد والأزمات الاقتصادية، علّ التأملات في المحاجر المنزلية تدفع الجميع لإعادة قراءة دور كل فريق سياسي في الساحة اللبنانية
حسن داغر – النشرة