قد يكون لسوء طالع الحكومة ورئيسها ان يصادف موعد هبوط طائرة ركاب ايرانية جديدة في مطار رفيق الحريري الدولي ليل أمس، بعد ساعات من اعلان الرئيس حسان دياب قرار وقف الرحلات الجوية مع الدول الموبوءة بفيروس كورونا ومنها ايران التي كانت المعاندة في ترك الرحلات الجوية مفتوحة معها أحد الاسباب الاولى الرئيسية لتفشي الفيروس في لبنان. والواقع ان قرار وقف الرحلات الجوية مع عدد من البلدان التي ينتشر فيها الفيروس على نطاق واسع جاء متأخراً جداً وكان يمكن ان يساهم لو اتخذ في مستهل الازمة قبل نحو ثلاثة أسابيع في تحديد اطر انتشار الفيروس على الاقل، خصوصا بعدما أثبتت الوقائع الطبية الصرفة ان معظم الاصابات بل أكثريتها الساحقة سجلت بالعدوى من لبنانيين وغير لبنانيين توافدوا من الخارج ناقلين الفيروس. كما ان السباق المرير والشاق الذي يحاول لبنان استدراكه لاحتواء تفشي الفيروس في مناطقه والذي يتحدى قدراته الصحية والطبية والاستشفائية في اقسى الظروف المالية والاقتصادية، بلغ ذروته في ظل اعلان الكورونا رسميا وباءً عالمياً.
وفي هذا السياق، صرح المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس خلال مؤتمر صحافي أمس الأربعاء في جنيف، بأن المنظمة ترى أن تفشي فيروس كورونا المستجد يشكل وباء. وأبدى قلق المنظمة من تفشي الفيروس قائلاً إننا قلقون للغاية من مستويات الانتشار، ومن مستويات عدم اتخاذ الإجراءات (اللازمة). لذلك وصلنا إلى تقويم مفاده أن كوفيد-19 يمكن تصنيفه وباء”.
لكنه أكد انه “ألا يزال في إمكان كل الدول تغيير مسار هذا الوباء، إذا قامت بكشف وفحص وعلاج وعزل وتتبع وحشد لشعوبها استجابة لذلك”.
وأوضح أن عدد الحالات خارج الصين زاد بواقع 23 ضعفاً خلال الأسبوعين الأخيرين، معربا عن مخاوف المنظمة من سرعة تفشي الوباء، وعدم مكافحته بما يكفي.
ولفت إلى أن دولاً أخرى ستكون قريبا جداً في مثل وضع إيطاليا وإيران مع فيروس كورونا، ملاحظاً أن إيران تبذل قصارى جهدها للسيطرة على انتشار الفيروس، إلا أنّها في حاجة إلى مزيد من الدعم.
وذكر أن الفيروس يتراجع في الصين وفي كوريا الجنوبية بعد الاجراءات التي اتخذت في هذين البلدين.
واذا كان الخبر السعيد اليتيم الذي تلقاه اللبنانيون هو تماثل المصابة اللبنانية الأولى بفيروس كورونا قبل نحو 20 يوما الى الشفاء، وهي التقطت الاصابة في ايران، فيما سجل عداد الاصابات رقماً قياسياً ينذر بارتفاع مطرد، فان ما اعلنه الرئيس دياب من قرارات وما اتخذته لجنة متابعة التدابير والاجراءات الوقائية لفيروس كورونا من توصيات تسعى الى اثبات اهميتها وجديتها في تخفيف اخطار الاختلاط البشري والحد من تسلسل الاصابات والعدوى لا يزال قاصراً عن استدراك الخطر المتسع الذي يصعب بدء مواجهته جذرياً من دون قرار حاسم بالحجر الشامل والزام المواطنين الاقامة الالزامية في منازلهم ولو لفترة محدودة. ولا يفهم المراقبون بعد سر هذا التردد والتلكؤ في اعلان حال طوارئ تبدو الحكومة كأنها تشعر حيالها بحساسية أو نقزة لا مبرر لهما ويخشون ان تكون الكلفة لاحقاً أعلى بكثير مما يمكن ان تكون الان في حال اضطرارالحكومة الى اتخاذ القرار المتأخر جداً.
الاصابات
وعلى رغم “التبشير” الاستباقي بان قرارات صارمة ستصدر عن اجتماع اللجنة، لم تظهر أي معالم تمهيدية لاعلان لحال طوارئ في لبنان، فيما سجلت الوفاة الثانية بين المصابين، مع ارتفاع عدد الاصابات إلى 68. لكن الهلع من التفشي السريع لوباء كورونا في لبنان يطبق على حياة اللبنانيين الذين غزوا أمس المحال التجارية للتموين تخوفاً من اقفال محتمل وفقدان المواد والسلع، وقت كانت الشائعات تنتشر في كل المناطق عن اصابات وحالات اغماء وصدور قرارات بمنع التجول واقفال الحدود!
أما أبرز ما اعلنه رئيس الوزراء بعد ترؤسه اجتماعاً طارئاً للجنة متابعة التدابير والاجراءات الواقية من فيروس كورونا أمس، فتمثل في وقف الرحلات من والى ايطاليا وكوريا الجنوبية وايران والصين، ووقف دخول جميع الأشخاص القادمين من الدول التي تشهد انتشاراً للفيروس مثل فرنسا ومصر وسوريا والعراق والمملكة المتحدة واسبانيا، على أن يستثنى من ذلك أعضاء البعثات الديبلوماسية، وإعطاء مهلة أربعة أيام للبنانيين الراغبين في العودة، علماً أن الطائرة التي وصلت من إيران مساء أمس لم يشملها قرار المنع وهي قد تزيد معاناة اللبنانيين.
وقال دياب إنه طلب من الادارات العامة والبلديات وضع جدول مناوبة بالحد الأدنى من الموظفين على نحو يؤمّن معاملات المواطنين، إلى اتخاذ التدابير التي من شأنها منع التجمعات في الأماكن العامة والخاصة كالمقاهي والمطاعم والملاهي الليلية وغيرها، ما يعني أن قرار الحكومة لم يصل الى اعلان حال الطوارئ. .
وأضاف ان الحكومة اتخذت منذ البداية تدابير احترازية في المطار، “وهي لن تتأخر عن أي إجراء لحماية اللبنانيين والمطلوب حمايتهم من تفشي هذا المرض الذي يغزو العالم”، مؤكداً “معالجة الموضوع بأعلى مستويات الحذر”، خصوصاً “اننا نتعامل مع مرض يتغيّر كل ساعة وكلّ يوم”. وختم: “أخذنا الموضوع بجدّية كاملة منذ البداية وهناك اهتمام مستمرّ ولا نريد أن ننشر الذعر بين الشعب اللبناني ونتخذ الاجراءات المطلوبة وفق المعايير الدولية”، وأكد أن “سفراء يهنّئوننا على الاجراءات التي يتخذها لبنان في هذا الاطار”.
وبدا واضحاً ان انتشار فيروس كورونا في لبنان لم يعد مرحلياً وفق المعطيات المتداولة، إذ أن مدير مستشفى الحريري فراس الأبيض أعلن أن معدل الإصابة بالفيروس يزداد بنسبة 30 في المئة يومياً داعياً قطاع الرعاية الصحية الى المواجهة لان الوقت ينفد.
بينما أعلنت وزارة الصحة العامة عن تسجيل وفاة ثانية بفيروس كورونا في مستشفى رفيق الحريري الحكومي وذلك بعد أقل من 24 ساعة من الاولى. وبدأت مستشفيات خاصة جامعية اجراء الفحوص للتثبت من الاصابات، كذلك شرع بعضها في استقبال اصابات ومعالجتها بعدما انشأ اجنحة خاصة معزولة لمعالجة المصابين.
رد التشكيلات القضائية
وسط هذه الاجواء، لم تسلك التشكيلات القضائية التي اجراها مجلس القضاء الاعلى طريقها الى النفاذ وتواقيع المسؤولين المعنيين نظراً الى امتناع وزيرة العدل ماري – كلود نجم عن الموافقة عليها، بل ردت المشروع الى مجلس القضاء الاعلى مع ملاحظات رئيسية هي: عدم اعتماد المعيار الطائفي، واعادة النظر في معايير توزيع القضاة، وعدم اعطاء وزيرة الدفاع رأيها في اختيار قضاة المحكمة العسكرية. وسيدرس المجلس الملاحظات لاتخاذ القرار المناسب في هذا الموضوع.
واجتمعت وزيرة العدل ومجلس القضاء الاعلى للبحث في صيغة التشكيلات القضائية وملاحظات الوزيرة عليها، استمر ساعتين ونصف ساعة. وسيجتمع مجلس القضاء الاعلى بدءا من اليوم بصورة يومية للبحث في هذه الملاحظات واتخاذ القرارات المناسبة في شأنها.
ونفت الوزيرة مساء ان يكون حصل “أي ضغط أو تدخل معي في موضوع مشروع التشكيلات القضائية الذي فيه الكثير من الايجابيات”، وقالت انها لم ترد المشروع “بل أبديت ملاحظات عليه وهذا من واجبي”.
بري مستاء
في غضون ذلك علم أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لم يتلق بارتياح رد وزيرة العدل ماري كلود نجم التشكيلات الفضائية. ونقل عنه زواره أن ما حصل يسيء إلى صورة الحكومة لانطلاقتها. وان ما حصل يعيد مشهد الطريقة القديمة التي كانت تتبع في هذه التشكيلات.
وأوضح أنه نلقى اكثر من اتصال من عدد من القضاة. وكان رده أن هذا الامر متروك للجهات القضائية المعنية.
من جهة أخرى علمت : النهار” أن مشروع ال : كابيتال كونترول اصبح في نسخته الأخيرة عند الحكومة على أن يعرض عند الانتهاء منه امام مجلس النواب في الاسبوعين المقبلين.
النهار